الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَرِيَّةُ الرَّجِيعِ
(1)
وَكَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ في صَفَرَ مِنَ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِلْهِجْرَةِ.
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ (2) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ (3) رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ (4) -جَدَّ
(1) الرَّجيع: هو ماءٌ لِقَبيلة هُذَيل. انظر النهاية (2/ 186).
(2)
ذكر ابن إسحاق في السيرة (3/ 188) سبب هذا البعث فقال: قَدِمَ على رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعد أُحد رَهْطٌ من عَضَل والقَارة -وهما قبيلتان من الهون بن خزيمة بن مدركة- فقالوا: يَا رَسُول اللَّهِ! إن فِينَا إسلامًا، فأبعث معنا نَفرًا من أصحابك يُفَقِّهوننا في الدين، ويُقرِئُوننا القرآن، ويعلِّمُوننا شرائع الإِسلام، فبعث رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم معهم نَفَرًا ستة من أصحابه.
(3)
في رواية ابن إسحاق في السيرة (3/ 188): أنَّهم كانوا سِتَّةً، وسماهم، وهم: عَاصِم بن ثابت، ومِرْثَد بن أبي مِرْثَد، وخُبَيْبُ بن عَدِي، وزيدُ بن الدَّثِنَّة -بفتح الدال وكسر الثاء-، وعبد اللَّه بن طَارِق، وخالد بن البُكَيْر.
وجزم ابن سعد في طبقاته (2/ 277): بأنهم كانوا عشرة، وساقَ أسماءَ الستة المذكورين، وزاد: مُعتِّب بن عبيد، وهو أخو عبد اللَّه بن طارق لأمه.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 133): فلعل الثلاثة الآخرين كانوا أتباعًا لهم، فلم يحصل الاعتناء بتسميتهم.
(4)
في رواية ابن إسحاق في السيرة (3/ 188)، وابن سعد في طبقاته (2/ 277): أن الأمير عليهم كان مِرْثد بن أبي مِرْثد.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 133): وما في الصحيح أصح.
عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَة (1) -وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ، فنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا (2) آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِم وَأَصْحَاُبهُ لَجَؤُوا إلى فَدْفَدٍ (3)، وَأَحَاطَ بِهِمُ القَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ العَهْدُ وَالمِيثَاقُ، وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا (4)، فَقَالَ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ اليَوْمَ في ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ (5)، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا في سَبْعَةٍ (6).
(1) في رواية الطيالسي في مسنده - رقم الحديث (2720) - وابن سعد في طبقاته (2/ 277): الهَدَّةُ -بتشديد الدال بغير ألف-.
(2)
قَصُّ الأثَرِ: أي تَتَبُّعُهُ. انظر النهاية (4/ 64).
(3)
الفَدْفَد: الموضعُ المُرْتَفِعُ. انظر النهاية (3/ 377) - فتح الباري (8/ 134).
(4)
في رواية ابن سعد في طبقاته (2/ 277): قالوا لهم: إنَّا واللَّه ما نُرِيد قِتَالكم، إنما نُرِيد أن نُصِيبَ بكم ثَمَنا من أهل مكة.
(5)
وفي رواية الطيالسي في مسنده: قال عاصم رضي الله عنه: اللهم بلِّغ عنا نَبِيَّك السلام.
(6)
أي في جملة سبعة، وفي رواية الطيالسي في مسنده: فَقُتِل منهم سَبْعة، ونزل ثلاثة في العهد والميثاق.
وأخرج ذلك: البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب هل يستأسر الرَّجل؟ - رقم الحديث (3045) - والطيالسي في مسنده - رقم الحديث (2720).
فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قتلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ (1) يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُلَّةِ (2) مِنَ الدَّبْرِ (3)، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ (4).
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَ تَطِيرُ في وُجُوهِهِمْ وَتَلْدَغُهُمْ، فَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَقْطَعُوا (5).
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ إِسْحَاقَ في السِّيرَةِ: فَلَمَّا قُتِلَ عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ، لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ: لَئِنْ قَدِرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَنَّ في قِحْفِهِ (6) الخَمْرَ، فَمَنَعَتْهُ الدَّبْرُ، فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الدَّبْرُ، قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِيَ فتَذْهَبَ عَنْهُ، فنَأْخُذَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ مَطَرًا، فَصَارَ سَيْلًا، فَاحَتَمَل عَاصِمًا، فَذَهَبَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ عَاصِم قَدْ أَعْطَى اللَّه عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ، وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا (7).
(1) قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (8/ 138): لعل العَظِيم المذكورَ عُقْبَة بن أبي مُعيط، فإن عاصمًا قتله صَبْرًا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر.
(2)
الظُّلَّة: بضم الظاء هي السَّحَابة. انظر النهاية (3/ 146).
(3)
الدَّبْرُ: بفتح الدال وسكون الباء: هي الزنانير، وقيل: النحل. انظر النهاية (2/ 93).
(4)
أخرج ذلك: البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4086).
(5)
انظر فتح الباري (8/ 138).
(6)
القِحْفُ: العظم الذي فوق الدِّماغ من الجمجمة. انظر لسان العرب (11/ 44).
(7)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 189).