الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: "دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ مُعْتَرِضًا"(1)، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا اعْتِرَاضُهُ؟
قَالَ: "لَمَّا أَصَابَتْهُ الجِرَاحَةُ نَكَلَ (2)، فَعَاتَبَ نَفْسَهُ، فتَشَجَّعَ فَاسْتُشْهِدَ"(3).
*
مَنِ المُنْتَصِرُ فِي هَذِهِ المَعْرَكَةِ العَظِيمَةِ
؟
جَاءَ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ أَنَّ الِانْتِصَارَ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ أَخْرَجَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ". . . حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ"(4).
وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ أَنَّ الرُّومَ هُمُ الذِينَ انْتَصَرُوا، فَأَخْرَجَ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ قَالَ: . . . ثُمَّ انْهَزَمَ المُسْلِمُونَ أَسْوَأَ هَزِيمَةٍ رَأَيْتُهَا قَطُّ حَتَّى لَمْ أَرَ اثْنَيْنِ جَمِيعًا (5).
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ ابنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: أَنَّ كُلَّ فِئَةٍ انْحَازَتْ عَنِ الأُخْرَى (6).
(1) مُعْتَرِضًا: أي مائلًا. انظر النهاية (3/ 190).
(2)
نَكَلَ: امتَنَعَ، وترك الإقدام. انظر النهاية (5/ 102).
(3)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (3/ 274) - دلائل النبوة للبيهقي (4/ 369).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة مؤتة - رقم الحديث (4262).
(5)
أخرجه ابن سعد في طبقاته (2/ 315).
(6)
انظر سيرة ابن هشام (4/ 27).
وَهُوَ الذِي رَجَّحَهُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (1).
وَمَهْمَا تَكُنْ الخَاتِمَةُ التِي لَقِيَتْهَا سَرِيَّةُ مُؤْتَةَ، فَإِنَّ نَتَائِجَهَا وَآثَارَهَا كَانَتْ بَعِيدَةَ المَدَى.
قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الرَّحْمَنِ المُبَارَكْفُورِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ كَثِيرًا فِيمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ هَذِهِ المَعْرَكَةِ أَخِيرًا، وَيَظْهَرُ بَعْدَ النَّظَرِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ رضي الله عنه نَجَحَ فِي الصُّمُودِ أَمَامَ جَيْشِ الرُّومَانِ طُولَ النَّهارِ، فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ القِتَالِ، وَكَانَ يَشْعُرُ بِمَسِيسِ الحَاجَةِ إِلَى مَكِيدَةٍ حَرْبِيَّةٍ، تُلْقِي الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الرُّومَانِ، حَتَّى يَنْجَحَ فِي الانْحِيَازِ بِالمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ الرُّومَانُ بِحَرَكَاتِ المُطَارَدَةِ، فَقَدْ كَانَ يَعْرِفُ جَيِّدًا أَنَّ الإِفْلَاتَ مِنَ بَرَاثِنِهِمْ (2) صَعْبٌ جدًّا لَوْ انْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، وَقَامَ الرُّومَانُ بالمُطَارَدَةِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ اليَوْمُ الثَّانِي غَيَّرَ أَوْضَاعَ الجَيْشِ، فَلَمَّا رَآهُمْ الأَعْدَاءُ أَنْكَرُوا حَالَهُمْ، وَقَالُوا: جَاءَهُمْ مَدَدٌ، فَرُعِبُوا، وَصَارَ خَالِدٌ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ تَرَاءَى الجَيْشَانِ، وَتَنَاوَشَا سَاعَةً- يَتَأَخَّرُ بِالمُسْلِمِينَ قَلِيلًا قَلِيلًا، مَعَ حِفْظِ نِظَامِ جَيْشِهِ، وَلَمْ يَتَبَعْهُمُ الرُّومَانُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ المُسْلِمِينَ يَخْدَعُونَهُمْ، وَيُحَاوِلُونَ القِيَامَ بِمَكِيدَةٍ تَرْمِي بِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ.
(1) انظر زاد المعاد (3/ 338).
(2)
البَرْثَنُ: مِخْلبُ الأسد. انظر لسان العرب (1/ 358).