الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه إِلَى الْعِيصِ
وَفِي جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ لِلْهِجْرَةِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رضي الله عنه، فِي سَبْعِينَ وَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَالْهَدَفُ اعْتِرَاضُ عِيرٍ لِقُرَيْشٍ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّامِ بِقِيَادَةِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَأَدْرَكُوهَا، فَأَخَذُوهَا وَمَا فِيهَا، وَأَخَذُوا يَوْمَئِذٍ فِضَّةً كَثِيرَةً لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَسَرُوا نَاسًا مِمَّنْ كَانَ فِي الْعِيرِ، مِنْهُمْ: أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ، وَقَدِمُوا بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكَّةَ الْمَعْدُودِينَ تِجَارَةً وَمَالًا وَأَمَانَةً، وَهُوَ زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأُمُّهُ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ رضي الله عنها.
فَأَتَى أَبُو الْعَاصِ زَيْنَبَ رضي الله عنها فِي اللَّيْلِ، وَكَانَتْ زَيْنَبُ هَاجَرَتْ قَبْلَهُ وَتَرَكَتْهُ عَلَى شِرْكِهِ -كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ- فَاسْتَجَارَ بِهَا (1)، فَأَجَارَتْهُ، وَسَأَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّ أَمْوَالِ الْعِيرِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ صَرَخَتْ زَيْنَبُ رضي الله عنها مِنْ صُفَّةِ (2) النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَلَمَّا سَلَّمَ
(1) أَجَارَهُ: أي مَنَعَهُ وحَمَاهُ. انظر لسان العرب (2/ 415).
(2)
الصُّفَّةُ: هو موضع مُظَلَّلٌ من المسجد. انظر النهاية (3/ 35).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ؟ "أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:"أَمَا وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ، إِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ".
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ إِنْ قَرُبَ فَابْنُ عَمٍّ، وَإِنْ بَعُدَ فَأَبُو وَلَدٍ، وإِنِّي قَدْ أَجَرتُهُ، فَأَجَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِوَارَهَا، وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا أُخِذَ مِنْهُ، فَقَبِلَ.
ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّرِيَّةِ الذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ لَهُمْ:"إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدُّوا عَلَيْهِ الذِي لَهُ فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقُ بِهِ".
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ. فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي بِالدَّلْوِ وَيَأْتِي بِالشَّنَّةِ (1) وَالْإِدَاوَةِ (2)، حَتَّى الْعِقَالِ (3)، حَتَّى رَدُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ كُلَّهُ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا.
* * *
(1) الشَّنَّةُ: القِرْبَةُ. انظر النهاية (2/ 453).
(2)
الْإِدَاوَةُ: بكسر الهمزة، إِناءٌ صغيرٌ من جِلْدٍ يُتَّخَذُ للماءِ. انظر النهاية (1/ 36).
(3)
الْعِقَالُ: هو الْحَبْلُ الذي يُرْبَطُ به البَعِيرُ. انظر النهاية (3/ 253).