الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
وُصُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ:
ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى إِذَا بَدَا (1) لَهُ جَبَلُ أُحُدٍ قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ! بَارِكْ لَهُمْ في مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ"، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم:"آيِبُونَ (2)، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ" فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُنَّ حَتَّى دَخَلَ المَدِينَةَ (3).
* * *
(1) بَدَا: ظهر. انظر النهاية (1/ 108).
(2)
الأوْبُ: الرُّجُوع. انظر النهاية (1/ 79).
(3)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الأطعمة - باب الحيس - رقم الحديث (5425) - وأخرجه في كتاب الجهاد والسير - باب ما يقول إذا رجع من الغزو - رقم الحديث (3085)(3086) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره - رقم الحديث (1345) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (12947).
قِصَّةُ الحَجَّاجِ بنِ عِلاطٍ (1) السُلَمِيِّ رضي الله عنه وَقُرَيْشٍ
رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا افتتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، قَالَ الحَجَّاجُ بنُ عِلَاطٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبتِي (2)، وَمَالٌ مُتَفَرِّقٌ في تُجَّارِ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ آتِيَ مَكَّةَ لِآخُذَ مَالِي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي فَلَا أَقْدِرَ عَلَى أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الحَجَّاجُ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّهُ لَاُبدَّ لِي أَنْ أَقُولَ (3)، فَأَنَا في حِلٍّ إِنْ نِلْتُ مِنْكَ أَوْ قُلْتُ شَيْئًا؟
فَأَذِنَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ (4).
قَالَ الحَجَّاجُ: فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا قَدِمْتُ مَكَّةَ وَجَدْتُ -بِثَنِيَّةِ البَيْضَاءِ- رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَسْتَمِعُونَ الأَخْبَارَ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ
(1) قال الحافظ في الإصابة (2/ 29): عِلَاط: بكسر العين وتخفيف اللام.
(2)
صَاحِبَتِي: أي زوجته.
(3)
أي أن أَكْذِبَ.
(4)
قال الإِمام ابن مفلح الحنبلي في كتابه الآداب الشرعية (1/ 45): قال بعض أصحابنا المتأخرين: إنه يجوزُ كَذِبُ الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمَّن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقِّه، كما كذب الحَجَّاج بن عِلاط على المشركين حتى أخَذَ ماله من مَكَّةَ من المشركين من غير مَضَرَّةٍ لَحِقَتْ بالمسلمين من ذلك الكذب.
بَلَغَهُمْ أَنَّهُ قَدْ سَارَ إلى خَيْبَرَ، فَهُمْ يَتَحَسَّسُونَ (1) الأَخْبَارَ، وَيَسْألُونَ الرُّكْبَانَ (2)، فَلَمَّا رَأَوْني قَالُوا: الحَجَّاجُ عِنْدَهُ وَاللَّهِ الخَبَرُ -وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي- أَخْبِرْنَا فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ سَارَ إلى خَيْبرَ.
فَقَالَ الحَجَّاجُ: قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ، وَعِنْدِي مِنَ الأَخْبَارِ مَا يَسُرُّكُمْ، فَأَطَافُوا بِهِ وَأَمْسَكُوا نَاقتهُ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِيهِ (3) يَا حَجَّاجُ، فَقَالَ لَهُمْ: هُزِمَ مُحَمَّدٌ هَزِيمَةً لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطُّ، وَقُتِلَ أَصْحَابهُ قتلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطُّ، وَأُسِرَ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ يَهُودُ خَيْبَرَ: لَا نَقْتُلُهُ حَتَّى نَبْعَثَ بِهِ إلى أَهْلِ مَكَّةَ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ.
فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكَّةَ، وَقَالُوا: قَدْ جَاءَكُمُ الخَبَرُ، وَهَذَا مُحَمَّدٌ إِنَّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، فيقْتَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَقَالَ الحَجَّاجُ لَهُمْ: أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكَّةَ، وَعَلَى غُرَمَائِي، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدُمَ خَيْبرَ، فَأَشْتَرِيَ مِنْ فَلِّ (4) مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التُّجَّارُ إلى مَا هَنَالِكَ.
قَالَ الحَجَّاجُ: فَجَمَعُوا لِي مَالِي كَأَحَثِّ جَمْعٍ سَمِعْتُ بِهِ، وَجِئْتُ امْرَأَتِي
(1) تحسَّس الخبر: تطلَّبه وتبخَثه. انظر لسان العرب (3/ 170).
ومنه قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام في سورة يوسف آية (78): {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ. . .}
(2)
الرُّكبان: بضم الراء المشدده: أصحاب الإبل. انظر لسان العرب (5/ 29).
(3)
إِيهِ: هذه كلمة يُراد بها الاستزادة. انظر النهاية (1/ 87).
(4)
الفَلُّ: القوم المنهزمون. انظر النهاية (3/ 425).