الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ عُرْوَةُ: أَلسْتُ أَسْعَى في غَدْرَتِكَ (1).
وَكَانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا في الجَاهِلِيَّةِ فَقتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ.
فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا الإِسْلَامُ فَأَقْبِلُ، وَأَمَّا المَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ في شَيْءٍ"(2).
ثُمَّ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُرْوَةَ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا (3).
*
حُبٌّ لَا مَثِيلَ لَهُ:
ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ (4) أصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَيْنَيْهِ، فَمَا تَنَخَّمَ رَسُولُ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (2731) - (2732).
(2)
ذكر ابن سعد في طبقاته (4/ 461): أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قَتَل ثلاثة عشر رجلًا من بني مالك من ثَقيف، كان وَفِدَ هو وإياهُمْ مِصْرَ علي المُقَوْقِسِ، فأحسَنَ إليهم وأعطاهم وقَصَّر بالمغيرة، فحصلت له الغيرة منهم، فلما كانوا بالطريق شَرِبُوا الخمر، فلما سَكِرُوا وناموا، وثَبَ عليهم المغيرة فقتلهم وأخَذَ أموالهم، ثم قدم المدينة وأسْلَمَ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقْبَل، وأما المال فلستَ منه في شيء، وبلغ ذلك ثقيفًا فتهايَجَ الحَيَّان من ثقيف: بنو مالكٍ رهط المقتولين، والأحلاف رهْطُ المغيرة، فودى عُرْوَةُ المقتولين ثلاث عشرة دية وأصلح ذلك الأمر. فهذا معنى قول عروة بن مسعود: ألست أسعى في غدرتك.
(3)
أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731) - (2732) والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910).
(4)
يَرْمُق: بضم الميم أي ينظر. انظر لسان العرب (5/ 318).
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا (1) أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ (2) إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ صلى الله عليه وسلم.
فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ (3) عَلَى المُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ (4)، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ يَتَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ لِشَيْءٍ أَبَدًا، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، فَرَوْا رَأْيَكُمْ (5).
(1) يُقال: ابتَدَر القوم أمرًا: أي سابق بعضهم بعضًا إليه. انظر لسان العرب (1/ 340).
(2)
قال الحافظ في الفتح (5/ 691): يُحِدُّون: بضم الياء وكسر الحاء: أي يُديمون.
(3)
وفد عليه: إذا قَدِم عليه. انظر لسان العرب (15/ 353).
(4)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (5/ 691): ذكر الثلاثة لكونهم أعظم ملوك ذلك الزمان.
وفي قِصَّة عروة بن مسعود من الفوائد:
أ- ما يدُلُّ علي جودة عقله ويقظته.
ب- وفيه ما كان عليه الصحابه من المبالغة في تعْظِيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقِيرِه، ومراعاةِ أموره وردعِ من جَفَا عليه بقول أو فعل.
ج - وفيه التبرُّك بآثاره صلى الله عليه وسلم.
(5)
أخرج ذلك الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد - رقم الحديث (2731) - (2732) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18910).