الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
مَكَثَتْ زَيْنَبُ رضي الله عنه عِنْدَ زَيْدٍ رضي الله عنه سَنَةً:
فَمَكَثَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ يَشْكُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِيهِ بِلِسَانِهَا، وتَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ بِشَرَفِهَا.
فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ يَشْكُو، فَهَمَّ بَطَلَاقِهَا، فَاسْتَأْمَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ"(1).
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوصِي زَيْدًا بِإِمْسَاكِهَا، ثُمَّ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُحَمِّلَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ -فِيمَا يَحْمِلُ مِنْ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ- مُؤْنَةَ إِزَالَةِ آثَارِ نِظَامِ التَّبَنِّي، فَيَتَزَوَّجَ مِنْ مُطَلَّقَةِ مُتَبَنَّاهُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه، ويُوَاجِهَ المُجْتَمَعَ بِهَذَا العَمَلِ، الذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُوَاجِهَ المُجْتَمَعَ بِهِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ إِبْطَالِ عَادَةِ التَّبَنِّي في ذَاتِهَا (2).
فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْيِي أَنْ يَأْمُرَ زَيْدًا بِطَلَاقِهَا، وَكَانَ يَخْشَى النَّاسَ أَنْ يَعِيبُوا عَلَيْهِ، وَيَقُولُوا: تَزَوَّجَ امْرَأَةَ ابْنِهِ بِالتَّبَنِّي (3).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التوحيد - باب وكان "عرشه علي الماء" - رقم الحديث (7420) - وأخرجه الترمذي في جامعه - كتاب التفسير - باب ومن سورة الأحزاب - رقم الحديث (3491).
(2)
انظر في ظلال القرآن (5/ 2868).
(3)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (9/ 479): أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة - أي قصة إبطال التبني - من طريق السدي فساقها سياقًا واضحًا حسنًا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ (1) وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (2) أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ (3) مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ (4) وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (5).
أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا لَكتَمَ هَذِهِ الآيَةَ (6).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِنَ الوَحْي، لَكَتَمَ
(1) قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (6/ 424): أنعم اللَّه عليه بالإسلام ومُتَابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (6/ 424): أي بالعِتْقِ من الرِّقِّ، وكان سَيِّدًا كبير الشأن جليلَ القَدْر، حبيبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يُقال له: الحِبُّ، ويُقال لابنه أسامة: الحِبُّ ابن الحِبِّ.
أخرج الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (25898) - بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بعث رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قَطُّ إلا أَمَّره عليهم، ولو بقي بعده استخلفه.
(3)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (9/ 479): والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار اللَّه تَعَالَى إياه أنها ستصِيرُ زوجته.
(4)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (9/ 479): الذي كان يحمله علي إخفاءِ ذلك خشيةَ قولِ الناس تزوج امرأة ابنه، وأراد اللَّه تَعَالَى إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبَنِّي بأمر لا أبلغ في الإبطالِ منه، وهو تزوج امرأةِ الذي يُدعى ابنًا، ووقوع ذلك من إمَامِ المسلمين؛ ليكون أدْعَى لقَبُولهم.
(5)
سورة الأحزاب آية (37).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التوحيد - باب "وكان عرشه علي الماء" - رقم الحديث (7420).