الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث من سنن الوضوء غسل الكفين ثلاثًا
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
- غسل الكفين ثلاثًا من سنن الوضوء المتفق عليها، وهل هو تعبدي لتحديده بثلاث غسلات، ولو كانت اليد نظيفة، أو أن ذلك من باب النظافة والعدد من باب المبالغة في النظافة، الأول أقرب؟
- التثليث في غسل اليد مشعر بغلبة التعبد؛ إذا لو كان عن نجاسة لكفى فيها غسلة واحدة.
[م-106] هذه سنتان من سنن الوضوء، فغسل الكفين في ابتداء الوضوء سنة، وكون الغسل ثلاثًا سنة أخرى.
فأما غسل الكفين فإن فيه تفصيلًا:
فإن كان بعد القيام من نوم الليل الناقض للوضوء، ففيه خلاف على النحو التالي:
فقيل: غسل اليد سنة، وليس بواجب، وهو مذهب الجمهور من الحنفية
(1)
،
(1)
بدائع الصنائع (1/ 20)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 497)، العناية شرح الهداية (1/ 20، 21)، الجوهرة النيرة (1/ 5)، البحر الرائق (1/ 17)، شرح فتح القدير (1/ 21)، حاشية
…
ابن عابدين (1/ 111، 112).
والمالكية
(1)
، والشافعية
(2)
، ورواية عن أحمد
(3)
.
وقيل: غسل اليد ثلاثًا واجب، وإليه ذهب أحمد في الرواية المشهورة عنه
(4)
، وإسحاق، وداود الظاهري، وابن حزم
(5)
، والحسن البصري
(6)
.
وقد ذكرت أدلة كل قول مع مناقشتها في بحث موسع في كتاب المياه، فأغنى عن إعادته هنا.
وإن كان غسل اليدين لم يكن على إثر نوم، فإن غسلهما سنة من سنن الوضوء
(7)
.
وقيل: سنة مستقلة عند الوضوء، لا من الوضوء كالسواك، اختاره الخرسانيون من الشافعية
(8)
.
(1)
المنتقى (1/ 48)، الخرشي (1/ 132)، الفواكه الدواني (1/ 134).
(2)
الأم (1/ 39)، المجموع (1/ 214)، إحكام الأحكام (1/ 68، 69)، حاشية البجيرمي على الخطيب (1/ 160).
(3)
الفتاوى الكبرى (1/ 217).
(4)
المغني (1/ 70، 71)، الفروع (1/ 144)، الإنصاف (1/ 40)، مطالب أولي النهى (1/ 92).
(5)
المحلى (1/ 155).
(6)
المغني (1/ 70).
(7)
وفي مذهب الحنفية ثلاثة أقوال في حكم غسل اليدين.
يقول ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 18): اعلم أن في غسل اليدين ابتداء ثلاثة أقوال:
قيل: إنه فرض، وتقديمه سنة. واختاره في فتح القدير والمعراج والخبازية وإليه يشير قول محمد في الأصل بعد غسل الوجه: ثم يغسل ذراعيه ولم يقل يديه، فلا يجب غسلهما ثانيًا.
وقيل: إنه سنة تنوب عن الفرض، كالفاتحة فإنها واجبة تنوب عن الفرض، واختاره في الكافي.
وقيل: إنه سنة لا ينوب عن الفرض، فيعيد غسلهما ظاهرهما وباطنهما، اختاره السرخسي، ثم قال: وظاهر كلام المشايخ أن المذهب الأول. اهـ
وهذا التفصيل إنما هو في مذهب الحنفية، وأما بقية المذاهب فإن غسل الكفين من سنن الوضوء، ولا ينوب عن الفرض، انظر الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (1/ 117)، الخرشي (1/ 132)، حاشية الدسوقي (1/ 96)، روضة الطالبين (1/ 58)، الحاوي الكبير (1/ 101)، المغني (1/ 70).
(8)
المجموع (1/ 328، 388).
- والدليل على أن غسل الكفين سنة من الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب، فقال تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائدة: 6].
فلم يذكر غسل اليدين، ولو كان غسلهما فرضًا لذكره فيما ذكر.
وأما السنة فأحاديث كثيرة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، منها: حديث عثمان في الصحيحين، وحديث عبد الله بن زيد فيهما، وحديث ابن عباس في البخاري، وحديث علي بن أبي طالب وسوف يأتي ذكر متونها وتخريجها - إن شاء الله تعالى عند الكلام على صفة الوضوء - كلها تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغسل كفيه في وضوئه، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم دال على السنية إن كان على وجه التعبد كما هو الحال هنا.
وأما الإجماع فقد نقله طائفة من أهل العلم.
(1)
.
وقال ابن قدامة: «وليس ذلك - يعني غسل الكفين في الوضوء - بواجب عند غير القيام من النوم بغير خلاف نعلمه»
(2)
.
- الدليل على أن التثليث في غسلهما سنة:
حكى الإجماع على ذلك ابن رشد، والنووي وغيرهما.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: «اتفق العلماء على أن الواجب من طهارة الأعضاء
(1)
الإجماع لابن المنذر (ص: 34).
(2)
المغني (1/ 164).
المغسولة هو مرة مرة إذا أسبغ، وأن الاثنين والثلاث مندوب إليهما»
(1)
.
وقال النووي في شرح مسلم: «وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاث سنة»
(2)
.
وسوف يأتي إن شاء الله تعالى أن السنة في الوضوء أن يتوضأ الإنسان مرة مرة، وأحيانًا مرتين مرتين، وأحيانًا ثلاثًا ثلاثًا، وذلك لأن العبادة إذا جاءت على وجوه مختلفة فالسنة أن تفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يصيب السنة من جميع وجوهها، وفيها يتحقق الموافقة للرسول صلى الله عليه وسلم في فعله وتركه.
* * *
(1)
بداية المجتهد (1/ 13).
(2)
شرح مسلم (1/ 106، 114).