الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث في حكم الوضوء
[م-62] يختلف حكم الوضوء من عبادة لأخرى، فقد يكون واجبًا، وقد يكون مندوبًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون محرمًا.
- مثال الوضوء الواجب:
أما الوضوء الواجب (أي الفرض)
(1)
،
فإنه يجب على المحدث إذا أراد الصلاة، فرضًا كانت أو نفلًا، والدليل على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية [المائدة: 6].
(153 - 7) وأما السنة، فقد روى البخاري في صحيحه من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام،
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
(2)
.
(1)
يفرق الحنفية بين الواجب والفرض، بخلاف الجمهور فلا فرق بينهما.
مثاله: الطهارة من الحيض ومن الحدث الأصغر للطواف واجبة عندهم، وما دامت واجبة فإن الطواف يصح بدونها، وتجبر بدم، انظر البحر الرائق (1/ 203)، شرح فتح القدير (1/ 166)، بدائع الصنائع (2/ 129)، المبسوط (4/ 38). وقد تكلمت عنها في كتابي الحيض والنفاس رواية ودراية، في فصل اختلاف العلماء في اشتراط الطهارة للطواف.
(2)
البخاري (135) ومسلم (225).
وأما الإجماع، فقد قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة إذا وجد المرء إليها السبيل
(1)
.
وسئل ابن تيمية: عما تجب له الطهارتان الغسل والوضوء؟
فأجاب: ذلك واجب للصلاة بالكتاب والسنة والإجماع فرضها ونفلها، واختلف في الطواف ومس المصحف، واختلف أيضًا في سجود التلاوة، وصلاة الجنازة هل تدخل في مسمى الصلاة التي تجب لها الطهارة؟ وأما الاعتكاف فما علمت أحدًا قال: إنه يجب له الوضوء
(2)
.
- مثال الوضوء المندوب:
وأما الوضوء المندوب فأمثلته كثيرة جدًّا، أذكر منها على سبيل المثال الوضوء للذكر، والوضوء للنوم، والبقاء على طهارة.
فالدليل على مشروعية الوضوء للذكر
(154 - 8) ما رواه البخاري من طريق الأعرج، قال:
سمعت عميرًا مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم الأنصاري: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام. وأخرجه مسلم
(3)
.
(155 - 9) وروى أبو داود من طريق عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن حضين بن المنذر أبي ساسان،
(1)
الإجماع (ص: 29).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 268).
(3)
صحيح البخاري (337)، ومسلم (369).
عن المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر، أو قال: على طهارة
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
والدليل على مشروعية الوضوء للنوم:
(156 - 10) ما رواه البخاري من طريق منصور، عن سعد بن عبيدة،
عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به، الحديث
(3)
.
وأما الدليل على مشروعية البقاء على طهارة:
(157 - 11) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني حسين بن واقد، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت في الجنة خشخشة أمامي، فقلت: من هذا؟ قالوا: بلال، فأخبره، قال: بما سبقتني إلى الجنة؟ قال: يا رسول الله ما أحدثت إلا توضأت، ولا توضأت إلا رأيت أن لله علي ركعتين أصليهما. قال: بها
(4)
.
[انفرد به الحسين بن واقد، والقصة في الصحيحين من مسند أبي هريرة،
(1)
سنن أبي داود (17).
(2)
سيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى في المجلد السابع، انظر (ح 1289).
(3)
البخاري (247) وترجم له البخاري رحمه الله: باب فضل من بات على وضوء.
(4)
المصنف (6/ 396) رقم: 32335.
وليس فيه استدامة الطهارة]
(1)
.
قال الحافظ: وفي الحديث استحباب إدامة الطهارة، ومناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة
(2)
.
(158 - 12) وروى البخاري من طريق أبي حيان، عن أبي زرعة،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة. قال: ما عملت
(1)
الحديث أخرجه ابن أبي شيبة كما في إسناد الباب، وأحمد كما في المسند (5/ 354)، وفي الفضائل (1731) وأحمد بن عمرو في الآحاد والمثاني (263) والطبراني في المعجم الكبير (1/ 337) رقم 1012، والبزار في مسنده (4418)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 150)، وابن حبان في صحيحه (7086، 7087) عن زيد بن الحباب به.
وأخرجه أحمد (5/ 360) وفي الفضائل (713) وابن خزيمة (1209)، والحاكم (1/ 313)، (3/ 285) عن علي بن الحسن بن شقيق،
ورواه الترمذي (3689) من طريق علي بن الحسين بن واقد، كلاهما عن الحسين بن واقد به.
واقتصر أحمد في الفضائل على قصة عمر رضي الله عنه.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقد رواه الشيخان من مسند أبي هريرة بلفظ:(لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي).
فصار لفظ الصحيحين: ما تطهرت إلا صليت، ولم يذكر الحدث، فلا دليل فيه على استدامة الطهارة.
بينما لفظ الحسين بن واقد: ما أحدثت إلا توضأت، وما توضأت إلا صليت. فانفرد الحسين بن واقد بذكر الاستدامة على الطهارة.
والحسين بن واقد صدوق يهم، وروايته عن عبد الله بن بريدة فيها كلام.
قال أحمد عن عبد الله بن بريدة: روى عنه حسين بن واقد أحاديث ما أنكرها.
وقال أيضًا: ما أنكر حديث حسين بن واقد وأبي المنيب، عن ابن بريدة. العلل (497).
موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله (2/ 230)
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وانظر لمراجعة طرق الحديث: تحفة الأشراف (2/ 82) ح 1966، أطراف مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى (1/ 615)، إتحاف المهرة (2/ 567) ح 2273، وصحيح الجامع (7894).
(2)
الفتح (3/ 35).
عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي.
وترجم له البخاري: باب فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار
(1)
.
-مثال الوضوء المكروه:
يمثل بعض الفقهاء للوضوء المكروه ما إذا جدد الوضوء بعد فراغه منه، وقبل استعماله بعبادة مشروعة.
[م-63] وقد اتفق الفقهاء في مشروعية تجديد الوضوء، واختلفوا متى يشرع إلى أقوال:
فقيل: إن الوضوء على الوضوء لا يكون قربة إلا إذا اختلف المجلس، وأما إذا اتحد المجلس فلا يكون قربة، وهو قول في مذهب الحنفية
(2)
.
وقيل: يستحب التجديد إذا استعمل بالوضوء عبادة يستحب لها الوضوء، لأنه إذا لم يفعل به ذلك كان إسرافًا محضًا، ذكره ابن عابدين من الحنفية
(3)
، وهو مذهب الحنابلة
(4)
.
وقد ذكر ابن تيمية أن من توضأ قبل الوقت لا يعيد الوضوء بعد دخول الوقت، ولا يستحب لمثل هذا تجديد الوضوء
(5)
.
وقيل: إن صلى بالوضوء فرضًا استحب له الوضوء، وإلا فلا، وهو مذهب
(1)
صحيح البخاري (1449) صحيح مسلم (2458).
(2)
انظر البحر الرائق (1/ 98)، مراقي الفلاح (ص: 35).
(3)
حاشية ابن عابدين (1/ 119).
(4)
الفروع (1/ 124)، الإنصاف (1/ 147).
(5)
مجموع الفتاوى (21/ 376).
المالكية
(1)
، ووجه في مذهب الشافعية كما سيأتي بيانه.
وقال النووي من الشافعية: اتفق أصحابنا على استحباب تجديد الوضوء، وهو أن يكون على وضوء، ثم يتوضأ من غير أن يحدث. ومتى يستحب؟ فيه خمسة أوجه:
أصحها: إن صلى بالوضوء الأول فرضًا أو نفلًا، وبه قطع البغوي.
والثاني: إن صلى فرضًا استحب، وإلا فلا، وبه قطع الفوراني.
والثالث: يستحب إن كان فعل بالوضوء الأول ما يقصد له الوضوء وإلا فلا، ذكره الشاشي في كتابيه المعتمد والمستظهري، في باب الماء المستعمل، واختاره.
والرابع: إن صلى بالأول، أو سجد لتلاوة أو شكر، أو قرأ القرآن في المصحف استحب وإلا فلا، وبه قطع الشيخ أبو محمد الجويني في أول كتابه الفروق.
والخامس: يستحب التجديد، ولو لم يفعل بالوضوء الأول شيئًا أصلًا، حكاه إمام الحرمين، قال: وهذا إنما يصح إذا تخلل بين الوضوء والتجديد زمن يقع بمثله تفريق، فأما إذا وصله بالوضوء فهو في حكم غسلة رابعة.
(1)