الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجب بالغائط، وأن المني غير نجس والغسل يجب به، وإنما الوضوء والغسل تعبد
(1)
.
وقد نقلنا نحو هذا الكلام فيما تقدم عن ابن المنذر، والله أعلم.
*
الدليل السابع:
(408 - 262) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن التيمي، عن بكر -يعني: ابن عبد الله المزني- قال:
رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دم، فحكه بين إصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ
(2)
.
[صحيح]
(3)
.
(409 - 263) ومنها ما رواه عبد الرزاق، عن الثوري وابن عيينة، عن عطاء ابن السائب، قال:
رأيت عبد الله بن أبي أوفى بصق دمًا، ثم صلى، ولم يتوضأ
(4)
.
(1)
الأم (1/ 18).
(2)
المصنف (1/ 128) رقم: 1469.
(3)
والتيمي: هو سليمان بن طرخان، ومن طريق ابن أبي شبية أخرجه البيهقي في السنن (1/ 141).
وذكره البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين: القبل والدبر، قال البخاري: وعصر ابن عمر بثرة، فخرج منها الدم، ولم يتوضأ.
قال الحافظ: وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، ورواه عبد الرزاق في المصنف (553) عن ابن التيمي - يعني: معتمر بن سليمان- عن أبيه، (سليمان بن طرخان) وحميد الطويل، قالا: حدثنا بكر بن عبد الله المزني به.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 172) من طريق حجاج، حدثنا حماد، عن حميد به. وزاد: ورأى رجلًا قد احتجم بين يديه، وقد خرج من محاجمها شيء من دم، وهو يصلي، فأخذ ابن عمر، فسلت الدم، ثم وقتها في المسجد. اهـ
فحجاج: هو ابن منهال، وحماد: هو ابن سلمة، وحميد هو الطويل، فسنده صحيح.
(4)
المصنف (571).
[حسن]
(1)
.
(410 - 264) ومنها ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عبيد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الزبير،
عن جابر أنه أدخل أصبعه في أنفه، فخرج عليها دم، فمسحه بالأرض أو التراب، ثم صلى
(2)
.
[حسن]
(3)
.
(411 - 265) ومنها ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن نمير، قال: أخبرنا عبيد الله، عن نافع،
عن ابن عمر أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه
(4)
.
[صحيح]
(5)
.
(1)
قد روى الثوري عن عطاء بن السائب قبل تغيره.
وقد رواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 172) من طريق سفيان به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 117) من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن عطاء بن السائب به. ورواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، في كتاب الوضوء، باب (34) قال: بزق ابن أبي أوفى دمًا، فمضى في صلاته.
قال الحافظ: وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب، وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه، فالإسناد صحيح. اهـ
قلت: عطاء صدوق، فالإسناد حسن، لكن يصح الأثر بشواهده.
(2)
المصنف (1/ 128).
(3)
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 173) من طريق أبي نعيم، حدثنا عبيد الله بن حبيب به، وعبيد الله بن حبيب أخو عبد الله قد وثقه ابن معين كما في الجرح والتعديل (5/ 311)، وباقي رجاله ثقات إلا أبا الزبير فإنه صدوق، ولا يصح اتهام أبي الزبير بالتدليس على الصحيح.
(4)
المصنف (1/ 47).
(5)
رجاله كلهم ثقات، ورواه البخاري تعليقًا في كتاب الوضوء، باب (34) قال البخاري: قال ابن عمر والحسن فيمن احتجم: ليس عليه إلا غسل محاجمه.
ولفظ البخاري أوضح دلالة من لفظ ابن أبي شيبة، وذلك لأن لفظ الأثر عند ابن أبي شيبة لا يمنع أن ابن عمر كان يرى الوضوء منه، بخلاف لفظ البخاري فإنه ساقه مساق النفي والإثبات.
ورواه البيهقي (1/ 140) من طريق الحسن بن علي بن عفان، أخبرنا عبد الله بن نمير به.
قال ابن التركماني في الجوهر النقي: لا يدل ذلك على ترك الوضوء إلا من باب مفهوم اللقب، وتقدم أنه ليس بحجة، وأن أكثر العلماء لا يقولون به. اهـ
وقد روى ابن المنذر في الأوسط (1/ 179) من طريق هشيم، عن حجاج، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا احتجم يغسل أثر محاجمه، ويتوضأ، ولا يغتسل.
إلا أن هذا الإسناد ضعيف، فيه عنعنة هشيم، وهو مدلس، وفيه حجاج بن أرطأة، وهو ضعيف أيضًا على تدليس فيه، وقد عنعن.
(412 - 266) ومنها ما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن جعفر بن برقان، قال: أخبرني ميمون بن مهران، قال:
رأيت أبا هريرة أدخل أصبعه في أنفه، فخرجت مخضبة دمًا، ففته، ثم صلى، فلم يتوضأ
(1)
.
[المحفوظ عن ميمون بن مهران عن من رأى أبا هريرة]
(2)
.
(1)
المصنف (556).
(2)
الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا جعفر بن برقان فإنه صدوق، وإنما ضعف في الزهري خاصة.
قال أحمد: إذا حدث عن غير الزهري فلا بأس به وفي حديث الزهري يخطئ. الجرح والتعديل (2/ 474).
وقال النسائي ويحيى بن معين: نحو كلام أحمد. انظر المرجع السابق، وتهذيب الكمال (5/ 15).
وقال ابن نمير: ثقة، أحاديثه عن الزهري مضطربة.
وفي التقريب: صدوق يهم في حديث الزهري خاصة.
وقد اختلف فيه على ميمون بن مهران:
فرواه جعفر بن برقان كما في مصنف عبد الرزاق والأوسط لابن المنذر (1/ 173) عن ميمون ابن مهران، رأيت أبا هريرة ....
ورواه غيلان بن جامع، عن ميمون بن مهران، قال: أنبأنا من رأى أبا هريرة يدخل أصابعه في أنفه، فيخرج عليها الدم، فيحته، ثم يقوم يصلي.
وهذا السند فيه رجل مبهم، فيكون ضعيفًا، وهو المحفوظ من فعل أبي هريرة؛ لأن غيلان بن جامع أوثق من جعفر بن برقان، فغيلان قد وثقه ابن معين وابن المديني ويعقوب بن شيبة،
…
وأبو داود، وفي التقريب: ثقة.
• وأجاب أصحاب القول الأول عن هذه الآثار:
أجاب الحنابلة بأن النقض مقيد بشرطين:
الأول: أن يكون الخارج نجسًا.
الثاني: أن يكون فاحشًا.
وهذه الآثار دليل على أن الخارج النجس إذا كان يسيرًا لا ينقض الوضوء، أرأيت ابن عمر، فإنه كما ثبت عنه أنه عصر بثرة، فصلى ولم يتوضأ، صح عنه أيضًا أنه كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى، ولم يتكلم. رواه مالك، عن نافع، عنه وسبق تخريجه.
• ورد عليهم:
بأنه لو كان خروج النجس حدثًا لما كان هناك فرق بين القليل والكثير، قياسًا على سائر الأحداث من البول والغائط والريح ونحوها.
وأجاب العلماء القائلون بعدم النقض عن الآثار الواردة في الرعاف، بما قاله ابن عبد البر: قال: «حمله أصحابنا على أنه غسل ولم يتكلم، وبنى على ما صلى، قالوا: وغسل الدم يسمى وضوءًا؛ لأنه مشتق من الوضاءة، وهي النظافة، قالوا: فإذا احتمل ذلك لم يكن لمن ادعى على ابن عمر أنه توضأ للصلاة في دعواه ذلك حجة لاحتماله الوجهين: قالوا: وكذلك تأولوا حديث سعيد بن المسيب؛ لأنه قد ذكر الشافعي وغيره عنه أنه رعف فمسحه بصوفة، ثم صلى ولم يتوضأ، قالوا: ويوضح ذلك فعل ابن عباس أنه غسل الدم عنه وصلى، وحمل أفعالهم على الاتفاق منهم أولى.
وخالف في ذلك أهل العراق في هذا التأويل، فقالوا: إن الوضوء إذا أطلق ولم يقيد بغسل دم وغيره فهو الوضوء المعلوم للصلاة، وهو الظاهر من إطلاق اللفظ
…
إلخ كلامه رحمه الله»
(1)
.
(1)
الاستذكار (2/ 266).
قلت: الأصل حمل الكلام على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر أو ليس له حقيقة شرعية قدمت الحقيقة اللغوية، فإن تعذر حمل على الحقيقة العرفية، والله أعلم.
• الراجح من الخلاف:
بعد استعراض أدلة الفريقين الذي يظهر والله أعلم أن القول بأن خروج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء إلا أن يكون بولًا أو غائطًا أو ريحًا وقد انسد المخرج المعتاد هو القول الراجح، وأما الآثار التي وردت عن ابن عمر وعن غيره بسند صحيح عن الوضوء من الرعاف، والبناء على الصلاة بعده، فمع أن الدم من الإنسان ليس نجسًا - كما حررت ذلك والحمد لله في قسم النجاسات من هذه السلسلة- فهو على خلاف القياس؛ لأن إيجاب الوضوء من الرعاف يعني: بطلان الطهارة، وبطلان الطهارة يلزم منه بطلان الصلاة كخروج البول والريح إذا خرجا من المصلي أثناء الصلاة، فإنه يجب استئناف الصلاة بعد إعادة الطهارة، فصحة الآثار من الصحابة لا نقاش فيه عند اجتماعهم، فإن ثبت الخلاف عن الصحابة كان الأمر واسعًا، وتقديم قول الصحابي الذي يوافق القياس أولى من غيره، وإن لم يثبت الخلاف بينهم، بحيث لا يعلم مخالف لقول من قال بالبناء، فإنا نقول به، ولو خالف القياس، لكن لا نتعداه إلى غيره، ولا نقول بوجوبه من كل خارج نجس، وإنما يقتصر على ما ورد عن الصحابة، والله أعلم.
قال ابن عبد البر: «وأما بناء الراعف على ما قد صلى، ما لم يتكلم، فقد ثبت في ذلك عن عمر، وعلي وابن عمر، وروي عن أبي بكر أيضًا، ولا مخالف لهم في ذلك من الصحابة إلا المسور بن مخرمة وحده، وروي أيضًا البناء للراعف على ما صلى ما لم يتكلم عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام، ولا أعلم بينهم في ذلك اختلافًا إلا الحسن البصري فإنه ذهب في ذلك مذهب المسور بن مخرمة، إلى أنه لا يبني من استدبر القبلة في الرعاف
…
إلخ كلامه رحمه الله تعالى»
(1)
.
(1)
الاستذكار (1/ 231).
ولم يعتبر ابن عبد البر الآثار السابقة من خروج الدم من أنف أبي هريرة، وابن عمر وجابر، وعدم الوضوء من ذلك أن مثل هذا مخالف للآثار الواردة عن الصحابة في الانصراف من الصلاة للرعاف، وذلك ربما لأنه يرى أن خروج الدم من الأنف يسير لا ينقض الوضوء، والله أعلم.
(1)
. اهـ
والعجب كيف يعتبر الكلام مبطلًا للصلاة، ولا يرون إبطال الطهارة بالرعاف مبطلًا للصلاة، مع العلم أن الطهارة شرط من شروط الصلاة، يلزم من عدمها عدم الصلاة، والكلام من محظورات الصلاة، ولكن ليس بمثابة الطهارة من الصلاة، وفعل المأمورات أشد من ترك المحظورات، فإن الإنسان لو تكلم ناسيًا في صلاته أو جاهلًا صحت صلاته، ولو صلى بدون طهارة ناسيًا أو جاهلًا لم تصح منه الصلاة، ولكن لا بد من التسليم للصحابة إن كان لم يحفظ خلاف في المسألة بينهم، فإن قول الصحابي حجة إذا لم يعلم له مخالف، وما ينسب للمسور بن مخرمة لم أقف على إسناده.
وهذا مالك رحمه الله تعالى، وهو لا يرى خروج النجس من غير السبيلين ناقض للوضوء يقول بالرعاف خاصة.
قال ابن رشد: واختار مالك رحمه الله تعالى بالبناء على الاتباع للسلف وإن خالف ذلك القياس والنظر، وهذا على أصله أن العمل أقوى من القياس؛ لأن العمل المتصل لا يكون أصله إلا عن توقيف، وقال أيضًا: ليس البناء في الرعاف بواجب، وإنما هو من قبيل إما الجائز أو المستحب
(2)
.
* * *
(1)
الجوهر النقي (2/ 256، 257).
(2)
المقدمات (1/ 107).