الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن من سنن الوضوء استحباب الغسلة الثانية والثالثة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
-أكثر ما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، وقد قال: من زاد فقد تعدى وأساء وظلم.
- كل ممسوح لا يكرر إلا محل الاستجمار ثلاثًا وإن أنقى بما دونها
(1)
؛ لأن القصد من المسح التخفيف آلة ومحلًا، ولأن تكرار المسح ينقل فرضه إلى الغسل، وهو خلاف المشروع.
[م-126] استحب الجمهور الغسلة الثانية والثالثة لجميع أعضاء الوضوء ما عدا الرأس والأذنين فلا يكرر مسحهما، وهو مذهب الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
(1)
الكليات الفقهية للإمام المقري (ص: 82).
(2)
شرح معاني الآثار (1/ 29)، بدائع الصنائع (1/ 22)، العناية شرح الهداية (1/ 31).
(3)
حكم الغسلة الثانية والثالثة في مذهب المالكية أقوال، منها:
أن الغسلة الثانية والثالثة فضيلتان، قال الحطاب في مواهب الجليل (1/ 59): وهذا هو المشهور.
وقيل: إنهما سنتان.
وقيل: الثانية سنة، والثالثة فضيلة. وهناك قول رابع سوف يأتي أنه لا توقيت في الوضوء، انظر مواهب الجليل (1/ 259، 260)، المنتقى للباجي (1/ 35)، الفواكه الدواني (1/ 145)، حاشية الدسوقي (1/ 101)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 122).
(4)
المغني (1/ 94)، الإنصاف (1/ 137).
واستحب الشافعية الثلاث حتى في الرأس
(1)
.
وقيل: الوضوء ما أسبغ، وليس فيه توقيت مرة أو ثلاث، وهو نص المدونة عن مالك
(2)
.
(1)
المجموع (1/ 461) البيان في مذهب الشافعي (1/ 142)، روضة الطالبين (1/ 59)، واعتبر الماوردي في الحاوي الكبير (1/ 133) أن التكرار ثلاثًا من فضائل الوضوء، ولم يعده من سنن الوضوء.
(2)
واختلف المالكية في تفسير هذا الكلام من الإمام مالك،
وأخذ ابن العربي كلام مالك على ظاهره، ولم يؤوله كما فعل الباجي، فقال في أحكام القرآن (2/ 77): المسألة الثامنة والأربعون: في تحقيق معنى لم يتفطن له أحد حاشا مالك بن أنس، لعظيم إمامته، وسعة درايته، وثاقب فطنته؛ وذلك أن الله تعالى قال:(فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائد: 6]. وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا، ومرتين في بعض أعضائه وثلاثًا في بعضها في وضوء واحد، فظن بعض الناس بل كلهم أن =
وهل الغسلة الثالثة أفضل من الثانية، والثانية أفضل من الواحدة مطلقًا؟
= الواحدة فرض، والثانية فضل، والثالثة مثلها، والرابعة تعد، وأعلنوا بذلك في المجالس، ودونوه في القراطيس؛ وليس كما زعموا وإن كثروا، فالحق لا يكال بالقفزان، وليس سواء في دركه الرجال والولدان. اعلموا وفقكم الله أن قول الراوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين وثلاثًا أنه أوعب بواحدة، وجاء بالثانية والثالثة زائدة، فإن هذا غيب لا يدركه بشر؛ وإنما رأى الراوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غرف لكل عضو مرة، فقال: توضأ مرة، وهذا صحيح صورة ومعنى؛ ضرورة أنا نعلم قطعا أنه لو لم يوعب العضو بمرة لأعاد؛ وأما إذا زاد على غرفة واحدة في العضو أو غرفتين فإننا لا نتحقق أنه أوعب الفرض في الغرفة الواحدة وجاء ما بعدها فضلًا، أو لم يوعب في الواحدة ولا في الاثنتين حتى زاد عليها بحسب الماء وحال الأعضاء في النظافة وتأتي حصول التلطف في إدارة الماء القليل والكثير عليها، فيشبه، والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يوسع على أمته بأن يكرر لهم الفعل، فإن أكثرهم لا يستطيع أن يوعب بغرفة واحدة، فجرى مع اللطف بهم والأخذ لهم بأدنى أحوالهم إلى التخلص؛ ولأجل هذا لم يوقت مالك في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثا إلا ما أسبغ. قال: وقد اختلفت الآثار في التوقيت، يريد اختلافًا يبين أن المراد معنى الإسباغ لا صورة الأعداد، وقد توضأ النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، فغسل وجهه بثلاث غرفات، ويده بغرفتين؛ لأن الوجه ذو غضون ودحرجة واحديداب، فلا يسترسل الماء عليه في الأغلب من مرة بخلاف الذراع فإنه مسطح فيسهل تعميمه بالماء وإسالته عليها أكثر مما يكون ذلك في الوجه. فإن قيل: فقد (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به. وتوضأ مرتين مرتين، وقال: من توضأ مرتين مرتين آتاه الله أجره مرتين. ثم توضأ ثلاثا ثلاثًا، وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، ووضوء أبي إبراهيم). وهذا يدل على أنها أعداد متفاوتة زائدة على الإسباغ، يتعلق الأجر بها مضاعفًا على حسب مراتبها. قلنا: هذه الأحاديث لم تصح، وقد ألقيت إليكم وصيتي في كل وقت ومجلس ألا تشتغلوا من الأحاديث بما لا يصح سنده، فكيف ينبني مثل هذا الأصل على أخبار ليس لها أصل؛ على أن له تأويلًا صحيحًا، وهو أنه توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، فإنه أقل ما يلزم، وهو الإيعاب على ظاهر هذه الأحاديث بحالها. ثم توضأ بغرفتين وقال: له أجره مرتين في كل تكلف غرفة ثواب. وتوضأ ثلاثًا وقال: هذا وضوئي؛ معناه الذي فعلته رفقا بأمتي وسنة لهم؛ ولذلك يكره أن يزاد على ثلاث؛ لأن الغرفة الأولى تسن العضو للماء وتذهب عنه شعث التصرف. والثانية ترحض وضر العضو، وتدحض وهجه. والثالثة تنظفه، فإن قصرت دربة أحد عن هذا كان بدويًّا جافيًا فيعلم الرفق حتى يتعلم، ويشرع له سبيل الطهارة حتى ينهض إليها، ويتقدم؛ ولهذا قال من قال:(فمن زاد على الثلاث فقد أساء وظلم)». اهـ