الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول في حكم المضمضة والاستنشاق
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
- هل داخل الفم والأنف في حكم الباطن فلا يجب غسلهما، أو في حكم الخارج فيجب؟
- في الصيام أعطي الفم والأنف حكم الخارج، فهل يكون لهما في الوضوء حكم الخارج.
- على الترجيح بأن لهما حكم الخارج، فهل تحصل بهما المواجهة، فيدخلان في مسمى الوجه، أو لا يواجهان الناظر، فلا يدخلان؟
- لما أفردت المضمضة والأنف بماء غير ماء الوجه دل على أنها لا يدخلان في مسمى الوجه.
- هل يلحق الفم والأنف بداخل العينين وداخل الأذنين وموضع الثيوبة من المرأة وهذه المواضع لا يجب غسلها، فلا يجب غسلهما، أو يلحقان بالجفون، فيجب غسلهما؟
- لما شرع الترتيب بين الفم والأنف في الوضوء دل على أنهما ليسا من الوجه؛ إذ العضو الواحد لا ترتيب بينه وبين بقية العضو، كالأذنين لا تقدم يمين الأذن على الشمال باعتبارهما عضو واحد.
[م-110] اختلف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل إلى أقوال:
فقيل: المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء وفي الغسل، وهو مذهب المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
.
وقيل: واجبان في الوضوء والغسل، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة
(3)
.
هذان قولان متقابلان.
وفيه قولان آخران متقابلان أيضًا:
فقيل: المضمضة والاستنشاق سنة في الوضوء، واجبان في الغسل، وهذا مذهب الحنفية
(4)
.
وقيل: واجبان في الوضوء دون الغسل
(5)
.
وقيل: المضمضة سنة، والاستنشاق واجب فيهما
(6)
.
(1)
الخرشي (1/ 133 - 170)، منح الجليل (1/ 128)، مواهب الجليل (1/ 313)، القوانين الفقهية (ص: 22)، مقدمات ابن رشد (1/ 82)، بداية المجتهد مع الهداية (2/ 12)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 23، 24)، حاشية الدسوقي (1/ 136)، الشرح الصغير (1/ 118، 170).
(2)
الأم (1/ 41)، المجموع (1/ 396)، روضة الطالبين (1/ 58، 88)، مغني المحتاج (1/ 57، 73).
(3)
الفروع (1/ 144)، الإنصاف (1/ 152، 153)، المحرر (1/ 11، 20)، كشاف القناع (1/ 154)، معرفة أولي النهى شرح المنتهى (1/ 403)، المبدع (1/ 122)، الكافي (1/ 26)، الفتح الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني (1/ 59).
(4)
شرح فتح القدير (1/ 25، 56)، البناية (1/ 250)، تبيين الحقائق (1/ 4، 13)، البحرالرائق (1/ 47)، حاشية ابن عابدين (1/ 156)، مراقي الفلاح (ص: 42)، بدائع الصنائع (1/ 34)، رؤوس المسائل (ص: 101).
(5)
انظر الفروع (1/ 144، 145)، المبدع (1/ 122)، الإنصاف (1/ 152، 153).
(6)
انظر المصادر السابقة.
والراجح: أن المضمضة سنة في الوضوء وفي الغسل، وأما الاستنشاق فواجب في الوضوء سنة في الغسل، والله أعلم.
وسبب اختلاف العلماء اختلافهم في الأدلة الواردة في الباب، فآية المائدة في الوضوء ليس فيها ذكر للمضمضة والاستنشاق، قال تعالى:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائدة: 6].
(201 - 55) وروى مسلم أن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أتم الوضوء كما أمره الله تعالى فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن
(1)
.
وليس في كتاب الله ذكر المضمضة والاستنشاق، فدل على أنهما غير واجبين.
هذا في الحدث الأصغر، وأما في الأكبر فقد روى البخاري من حديث طويل، في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: خذ هذا فأفرغه عليك
(2)
.
(202 - 56) وروى مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين
(3)
.
فعبر بـ (إنما) الدالة على الحصر، واكتفى بالإفاضة ولم يذكر المضمضة والاستنشاق.
فأخذ بعض أهل العلم من هذه الأدلة أن المضمضة والاستنشاق ليسا واجبين لا في حدث أصغر، ولا في حدث أكبر.
وذهب آخرون إلى أن الاستنشاق قد جاء الأمر به في السنة الصحيحة
(203 - 57) فقد روى البخاري، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا
(1)
صحيح مسلم (231).
(2)
صحيح البخاري (337).
(3)
صحيح مسلم (330).
توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر.
ولفظ مسلم: (إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر)
(1)
.
وأحاديث الأمر بالاستنشاق، هي دليل على وجوب الاستنشاق صراحة والمضمضة ضمنًا، لأنهما كالعضو الواحد، فإيجاب أحدهما إيجاب للآخر، ألا ترى أنه لا يفصل بين المضمضة والاستنشاق، ومن عادة الأعضاء المستقلة في الوضوء ألا ينتقل إلى عضو حتى يفرغ من العضو الذي قبله، بخلاف المضمضة والاستنشاق فإنه يمضمض ثم يستنشق ثم يرجع إلى المضمضة فالاستنشاق وهكذا، فهذا يدل على أنهما في حكم العضو الواحد، فالأمر بأحدهما أمر بالآخر.
(204 - 58) كما استدلوا بحديث رواه أبو داود
(2)
، عن لقيط بن صبرة قال: كنت وافد بني المنتفق -أو في وفد بني المنتفق- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكر حديثًا طويلًا، وفيه: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء. قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
الشاهد من هذا الحديث قوله: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا).
وفي رواية لأبي داود، وزاد فيه:(إذا توضأت فمضمض)
(3)
.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الاستنشاق واجب دون المضمضة،
(4)
.
(1)
البخاري (162) ومسلم (237).
(2)
سنن أبي داود (142).
(3)
السنن (144)، وزيادة إذا توضأت مضمض زيادة شاذة، انظر كلامي عليها في الطهارة من الحيض والنفاس (1663).
(4)
الأوسط (1/ 379).
(1)
.
وقد بسط الكلام في المسألة، وجمعت الأدلة الواردة في الباب وتم تخريجها، والكلام عليها من حيث الصحة والضعف، في كتاب الحيض والنفاس، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، فارجع إليه غير مأمور.
* * *
(1)
التمهيد كما في فتح البر (3/ 208).