الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاته، ولم يستأنف، فكذلك النية إذا تقدمت على العمل بزمن يسير عرفًا، لم يؤثر ذلك في الصلاة، والله أعلم.
-
دليل من قال يجب أن تكون النية مقارنة للمنوي:
*
الدليل الأول:
استدلوا بقوله تعالى: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ)[الزمر: 11].
فقوله: (مُخْلِصاً) حال له في وقت العبادة، فإن الحال: هي وصف هيئة الفاعل وقت الفعل، والإخلاص هو النية.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
- وأجيب:
بأن الآية والحديث دليل على اشتراط النية، وهذا مسلم، ولكن ليس فيه أن استصحاب حكم النية لا يكفي، وأن الواجب استصحاب ذكر النية بلا فاصل إلى أن يتلبس بالعبادة، فإذا كان الإسلام والذي هو شرط في صحة جميع العبادات لا يجب استصحاب ذكره عند العبادة، فغيره من باب أولى.
*
الدليل الثاني:
(1)
.
-
دليل من اشترط دخول وقت العبادة:
لعل الحنابلة يرون أن دخول وقت العبادة هو سبب الوجوب، والنية عبادة وتقديمها على سبب وجوبها لا يجوز، ويجوز تقديمها قبل شرط الوجوب.
(1)
المحلى، مسألة (354).
مثال ذلك: الزكاة سبب وجوبها بلوغ النصاب، وشرط الوجوب تمام الحول لما يشترط له الحول، فتقديم الزكاة قبل بلوغ النصاب لا يجوز؛ لأنه قدم العبادة قبل سبب وجوبها، فإذا بلغ المال النصاب جاز تقديمها قبل تمام الحول: أي قبل شرط وجوبها.
مثال آخر: لو أن رجلًا أراد أن يقدم كفارة يمين قبل أن يعقدها لم تصح كفارة، لأن عقد اليمين هو سبب وجوب الكفارة، ولو أنه عقد اليمين ثم أخرج الكفارة قبل أن يحنث جاز؛ لأن الحنث هو شرط الوجوب، وتقديم العبادة على شرط وجوبها جائز، وعلى سبب الوجوب لا يجوز، والله أعلم
(1)
.
- الحال الثانية: أن تكون النية مقارنة للمنوي:
ذهب عامة أهل العلم إلى استحباب أن تكون النية مقارنة للمنوي
(2)
.
وقيل: يجب أن تكون النية مقارنة للمنوي، وهو مذهب الشافعية
(3)
. واختاره الآجري
(4)
.
واختلفوا في الصيام الواجب هل تجوز نيته مع طلوع الفجر؟
فقيل: يجوز، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وأحد الوجهين في مذهب الشافعية
(5)
.
(1)
قواعد ابن رجب: القاعدة الرابعة (1/ 24).
(2)
المبسوط (1/ 10)، بدائع الصنائع (1/ 199)، مواهب الجليل (1/ 233)، حاشية الدسوقي (1/ 520)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 695، 696).
(3)
المجموع (3/ 242)، وقال الزركشي في كتابه المنثور في القواعد (1/ 104): كل عبادة تجب أن تكون النية مقارنة لأولها إلا الصوم والزكاة والكفارة. اهـ.
(4)
كشاف القناع (1/ 316).
(5)
قال ابن عابدين في حاشيته (2/ 377): «وإن نوى مع طلوع الفجر جاز؛ لأن الواجب قران النية بالصوم، لا تقدمها» .اهـ وانظر تبيين الحقائق (1/ 316).
وقال في مواهب الجليل (2/ 418): «ويشترط أن تكون النية مبيتة من الليل، للحديث المتقدم، ويصح أن يكون اقترانها مع الفجر؛ لأن الأصل في النية أن تكون مقارنة لأول العبادة، وإنما جوز الشرع تقديمها لمشقة تحرير الاقتران» .اهـ
وانظر وجه الشافعية في: المهذب (1/ 70).
- وجه القول بالجواز:
أن الأصل في النية أن تكون مقارنة لأول العبادة، وإنما جوز الشرع تقديمها لمشقة تحرير الاقتران، وقياسًا على سائر العبادات.
وقيل: لا يجوز، وهو قول مرجوح في مذهب المالكية
(1)
، وعليه أكثر الشافعية، والمذهب عند الحنابلة
(2)
.
قال الشيرازي: «أكثر أصحابنا يقولون: لا يجوز إلا بنية من الليل»
(3)
.
- واستدلوا بوجوب تقدم النية في الصيام على المنوي:
(178 - 32) بما رواه مالك في الموطأ، عن نافع،
عن ابن عمر، أنه كان يقول: لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر
(4)
.
[إسناده من أصح الأسانيد، وروي عن ابن عمر عن حفصة مرفوعًا، ولا يثبت]
(5)
.
- والراجح بين القولين:
قبل ترجيح أحد القولين لا بد أن نعرف تفسير المقارنة، فإن كان المقصود بالمقارنة ألا يوجد فاصل بين النية وبين المنوي، بحيث ينوي العبد الطاعة، ثم يدخل
(1)
جاء في البيان والتحصيل (2/ 333): «فيصح إيقاعها في جميع الليل إلى الفجر ـ يعني النية ـ وقد قيل: إن إيقاعها مع الفجر معًا لا يصح، والأول أصح .... » .
(2)
الإنصاف (3/ 208)، كشاف القناع (2/ 314).
(3)
المهذب (1/ 70). قال النووي في المجموع (6/ 303): «الصحيح عند سائر المصنفين أنه لا يجوز - يعني: أن ينوي مع طلوع الفجر- قال: وهو قول أكثر أصحابنا المتقدمين، كما ذكره المصنف، وقطع به الماوردي والمحاملي في كتبه وآخرون، والمعتمد في دليله: ما ذكره المصنف» .
(4)
الموطأ (1/ 288).
(5)
سيأتي تخريج طرق حديث حفصة إن شاء الله تعالى في كتاب الصوم، وقد تكلم على المرفوع، وأنه لا يثبت كل من البخاري في التاريخ الأوسط (1/ 134)، ونقله الترمذي في العلل الكبير (1/ 348) وصوب وقفه النسائي في السنن الكبرى (2/ 117، 118)، والدارقطني في العلل (5/ الورقة: 163).
فيها مباشرة فلا حرج في مقارنة النية للمنوي في هذه الحال، لأن النية قد وجدت قبل العمل ولو ببرهة.
وإن كان المقصود من المقارنة أن تنوي حال التلبس بالعبادة فهذا لا يجوز، لأنه في هذه الحال سوف يكون هناك جزء من العبادة ولو يسيرًا عاريًا من النية.
وقد سئل ابن تيمية عن هذه المسألة، فقال:
«أما مقارنتها التكبير فللعلماء فيه قولان مشهوران:
أحدهما: لا يجب، والمقارنة المشروطة قد تفسر بوقوع التكبير عقيب النية، وهذا ممكن لا صعوبة فيه، بل عامة الناس إنما يصلون هكذا، وهذا أمر ضروري، لو كلفوا تركه لعجزوا عنه، وقد تفسر بانبساط آخر النية على آخر التكبير، بحيث يكون أولها مع أوله، وآخرها مع آخره، وهذا لا يصح؛ لأنه يقتضي عزوب كمال النية في أول الصلاة، وخلو أول الصلاة عن النية الواجبة. وقد تفسر بحضور جميع النية مع جميع آخر التكبير، وهذا تنازعوا في إمكانه، فمن العلماء من قال: إن هذا غير ممكن، ولا مقدور للبشر عليه، فضلا عن وجوبه، ولو قيل بإمكانه، فهو متعسر، فيسقط بالحرج. وأيضًا فمما يبطل هذا والذي قبله، أن المكبر ينبغي له أن يتدبر التكبير ويتصوره، فيكون قلبه مشغولا بمعنى التكبير، لا بما يشغله عن ذلك من استحضار النية؛ ولأن النية من الشروط، والشروط تتقدم العبادات، ويستمر حكمها إلى آخرها، كالطهارة، والله أعلم»
(1)
.
- الحالة الثالثة: أن تكون النية متأخرة عن بعض المنوي.
ذهب عامة أهل العلم إلى أنه لا يجوز أن تتأخر النية عن أول العبادة، خاصة إذا كان أول العبادة واجبًا فيها، فلا تتأخر النية في الوضوء عن غسل الوجه، ولو تأخرت عن غسل الكفين فلا يؤثر ذلك في صحة الوضوء؛ لأن غسل الكفين سنة،
(1)
الفتاوى الكبرى (2/ 94).
ولا تتأخر النية في الصلاة عن تكبيرة الإحرام وهكذا؛ لأن أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددًا بين القربة وبين غيرها، وآخر الصلاة مبني على أولها، فإذا كان أولها مترددًا، كان آخرها كذلك.
وخالف في ذلك الكرخي من الحنفية، فقال: يجوز تأخير النية عن تكبيرة الإحرام، وهذا بناء على قول في مذهب الحنفية: أن تكبيرة الإحرام ليست من الصلاة
(1)
.
ولعل هذا القول لا يخرج عن القول السابق، وإنما الخلاف في تحقيق المناط، فتكبيرة الإحرام عند من يراها ركنًا في الصلاة -وهو الصحيح- لا يجوز أن تتأخر النية عن تكبيرة الإحرام، وأما عند من يرى تكبيرة الإحرام ليست من الأركان ولا الواجبات لا يمنع من تأخير النية عنها، كما أجاز الحنابلة تأخر نية الوضوء عن أول مسنونات الطهارة، وهي غسل الكفين، وتجب عندهم عند أول واجبات الطهارة.
واختلفوا في صيام النفل، هل يجوز أن تتأخر النية عن أول العبادة؟
على قولين:
فذهب الجمهور من الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
، إلى أن تبييت النية من الليل في صيام النفل ليس بواجب، فلو نوى في أثناء اليوم في صيام النفل صح صومه بشرط ألا يتناول مفطرًا من طلوع الفجر.
وخالف في ذلك مالك رحمه الله
(5)
، فقال: يجب تبييت النية من الليل، وهو
(1)
البحر الرائق (1/ 99).
(2)
البحر الرائق (1/ 314)، حاشية ابن عابدين (2/ 292)، مواهب الجليل (2/ 418)
(3)
المجموع (6/ 305).
(4)
قال في الإنصاف (3/ 297): «ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده، هذا المذهب، نص عليه. قال في الفروع: وعليه أكثر الأصحاب» .اهـ وانظر نيل المآرب (1/ 345).
(5)
قال في مواهب الجليل (2/ 418): شرط صحة الصوم مطلقًا فرضًا كان أو نفلًا معينًا أو غير معين أن يكون بنية، لقول صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات، ثم قال: وصفتها أن تكون مبيتة من الليل، ويصح أن يكون اقترانها مع الفجر، سواء كان صوم واجب أو تطوع.
مذهب الظاهرية
(1)
، ورجحه المزني من الشافعية
(2)
.
وسوف يأتي بسط أدلة هذه المسألة في كتاب الصيام أبلغنا الله إياه بمنه وكرمه.
* * *
(1)
المحلى (3/ 429).
(2)
المجموع (6/ 305).