الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الخامس إذا نوى رفع حدث واحد وعليه مجموعة أحداث
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
- الحدث شيء واحد وإن تعددت أسبابه.
[م-100] إذا تعددت الأحداث وكان سببها واحدًا كمن نام عدة مرات، أو جامع عدة مرات، ولم يرفع حدثه الأول، فإن هذه الأحداث كلها ترتفع بنية واحدة حتى ولو لم يقصد ذلك، ولو نسي عددها.
-
الدليل على هذا من السنة:
(181 - 35) ما رواه مسلم من طريق هشام بن زيد،
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد
(1)
.
وأما إذا كان عليه نوع واحد من الأحداث، ولكن تعددت أسبابه كمن بال وتغوط ونام، فنوى رفع أحدها، فهل يرتفع حدثه؟ هذا فيه تفصيل، وهو ما سوف يتناوله الحديث -إن شاء الله- في هذا التقسيم، ويمكن تقسيمه إلى مسألتين:
* * *
(1)
مسلم (309).
المسألة الأولى
أن ينوي رفع أحدها ناسيًا بقيتها أو ذاكرًا ولم يخرجها
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
- الحدث له معنيان في اصطلاح الفقهاء:
أحدها: الأسباب الموجبة، يقال: أحدث، إذا خرج منه ما يوجب الحدث.
وثانيهما: المنع المترتب على هذه الأسباب.
والقصد إلى رفع الحدث الذي هو السبب محال؛ لاستحالة رفع ما وقع، فتعين أن يكون المنوي هو رفع المنع، وإذا نوى رفع المنع ارتفع؛ لأنه شيء واحد
(1)
.
- إذا نوى رفع بعض الأحداث ناسيًا لغيرها أجزأه؛ لأن المقصود رفع المنع وقد حصل.
- الحدث شيء واحد وإن تعددت أسبابه.
[م-101] فإذا نوى أن يرفع الحدث عن النوم، وكان عليه مجموعة أحداث ولم ينوها بالرفع ولم يخرجها من نيته، فإن حدثه يرتفع، سواء كان الحدث المنوي هو الذي
(1)
انظر الذخيرة للقرافي (1/ 252).
حدث أولًا أو آخرًا، وهذا مذهب المالكية
(1)
، ووجه في مذهب الشافعية
(2)
، والمشهور من مذهب الحنابلة
(3)
، وهو الصحيح.
وقيل: لا يرتفع إلا ما نواه، وهو وجه في مذهب الحنابلة
(4)
.
- وجه من قال: يرتفع جميع حدثه:
قالوا: لأن هذه الأحداث كان موجبها واحدًا، واجتمعت، فيتداخل حكمها، وينوب موجب أحدها عن الآخر.
ولأن الحدث شيء واحد وإن تعددت أسبابه، فلا يقال: لو بال وتغوط ونام يقال: عليه ثلاثة أحداث، بل يقال: عليه حدث واحد من أسباب متعددة.
ولأنه لم يكن معروفًا عند السلف أمر المتطهر باستحضار نية رفع الأحداث عند الطهارة، فلم يكن الواحد منهم يحصي كم عليه من الأحداث.
ولأن اشتراط النية لكل حدث واستحضار جميعها أمر فيه حرج ومشقة.
ولأنه حين نوى رفع الحدث عن النوم ارتفع، فلا يبقى الحدث الآخر مع ارتفاع الأول.
- وجه من قال: لا يرتفع إلا ما نواه:
هذا القول مبني على أن الأحداث لا تتداخل، وأن ليس للإنسان إلا ما نوى بمقتضى الحديث (وإنما لكل امرئ ما نوى) فهذا لم ينو رفع حدث النوم أو البول أو نحوهما.
والقول الأول هو الصواب لقوة أدلته الأثرية والنظرية.
* * *
(1)
الخرشي (1/ 129، 130) منح الجليل (1/ 84، 85).
(2)
الحاوي الكبير (1/ 94)، البيان في مذهب الشافعي (1/ 105).
(3)
الإنصاف (1/ 148، 149).
(4)
المرجع السابق.
المسألة الثانية
أن ينوي رفع أحد الأحداث وينوي بقاء غيره
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
- إذا نوى استباحة صلاة بعينها، وأخرج غيرها من نيته، فله أن يستبيح ما نواه وما لم ينوه؛ لأن حدثه قد ارتفع باعتبار ما نواه، وذلك يقتضي استباحة ما تشترط له الطهارة، وليس للمكلف أن يقتطع مسببات الأسباب الشرعية عنها، فلو قال: أتزوج ولا يحل لي الوطء، أو أشتري السلعة ولا يحصل لي الملك لم يعتبر ذلك، فكذلك ههنا
(1)
.
- الحدث له معنيان في اصطلاح الفقهاء، أحدها: الأسباب الموجبة، يقال: أحدث، إذا خرج منه ما يوجب الحدث.
وثانيهما: المنع المترتب على هذه الأسباب، والقصد إلى رفع الحدث الذي هو السبب محال؛ لاستحالة رفع ما وقع، فتعين أن يكون المنوي هو رفع المنع، وإذا نوى رفع المنع ثبتت الاستباحة
(2)
.
(1)
الذخيرة (1/ 251).
(2)
انظر الذخيرة للقرافي (1/ 252).
وقيل:
- إذا نوى رفع أحد الأحداث وإبقاء بعضها بطلت طهارته للتضاد، ولا يستبيح شيئًا؛ لأن الأعمال بالنيات، وقد نوى بقاء أحد الأحداث، وليس نية رفع الحدث بأولى من نية بقاء الحدث، والحدث إذا وجد فقد وجد المانع
(1)
.
[م-102] لو كان عليه حدثان: حدث من بول وحدث من نوم، فنوى رفع أحدهما على ألا يرتفع الأخر، ففيه أربعة أقوال:
قيل: إن وضوءه باطل، وهو مذهب المالكية
(2)
، ووجه في مذهب الشافعية
(3)
، والصحيح في مذهب الحنابلة
(4)
.
- وجه كون الوضوء باطلا:
أن هذا المتوضئ جاء بنية متضادة، فتتنافى النية، وتكون كالعدم، فكونه يقول: هذا الوضوء أرفع به الحدث، ولا أستبيح به الصلاة، هذا نوع من التناقض والتضاد.
وقيل: يصح وضوءه، وهو وجه في مذهب الشافعية
(5)
.
- وجه هذا القول:
أن الأحداث تتداخل، فإذا نوى واحدًا منها ارتفع الجميع؛ ولأنه لما نوى رفع أحد الحدثين كان ذلك أقوى حكمًا فبطل الشرط.
ولأن الحدث وصف واحد، وإن تعددت أسبابه، فإذا نوى رفعه من البول ارتفع كله.
(1)
المرجع السابق.
(2)
مواهب الجليل (1/ 234)، الخرشي (1/ 129)، منح الجليل (1/ 184، 185).
(3)
البيان في مذهب الشافعية (1/ 105، 106)، الحاوي الكبير (1/ 94).
(4)
الإنصاف (1/ 149).
(5)
البيان في مذهب الشافعية (1/ 106).
وقيل: إن نوى رفع الحدث الأول ارتفع الجميع، وإن نوى غيره لم يصح وضوءه؛ وهو وجه في مذهب الشافعية
(1)
.
- وجه هذا القول:
أن الذي أوجب الطهارة هو الحدث الأول، فإذا نواه ارتفع الجميع.
وقيل: إن نوى رفع الحدث الأخير ارتفع الجميع، وإن نوى غيره لم يصح؛ لأنها تتداخل في الآخر منها، وهذا الوجه حكاه ابن الصباغ من الشافعية
(2)
.
والراجح والله أعلم:
أن حدثه يرتفع، ويكون قوله الآخر باطلًا لا عبرة به، وقد ارتفع الحدث، خاصة أن هذا الفعل قد يقع من الإنسان لا على وجه التلاعب، ولكن قد يتذكر، وهو ينوي رفع الحدث أن يفعل عبادة معينة بهذا الوضوء، وينوي معه عدم استباحة الصلاة بهذا الوضوء، لا على وجه التلاعب، ولكن قد يكون نوى ذلك في تلك الساعة لغرض صحيح لشغل أو غيره، وإن كان حصل منه ذلك على وجه التلاعب فإنه لا يسلم من الإثم مع رفع الحدث، وقد يقال: إن كان متلاعبًا فإنه قد يعاقب بحرمان رفع الحدث، والله أعلم.
* * *
(1)
البيان في مذهب الشافعي (1/ 106).
(2)
المرجع السابق.