الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع عشر في الاستعانة في الوضوء
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
- استعان الرسول صلى الله عليه وسلم على طهوره، وسكب عليه المغيره الماء، ولو كان في ذلك شيء لم يفعله إمام المتقين.
- ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
- إذا جاز للرجل أن يستعين بغيره للوضوء عن طريق صب الماء على أعضائه بدلًا من اغترافه للماء، والاغتراف بعض عمل الوضوء، جازت الاستعانة في بقية أعمال الوضوء من دلك ونحوه.
وقال ابن المنير: الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد؛ لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز، ولو كان الاغتراف عملًا مستقلًا لكان قدمه على النية
(1)
اهـ
قلت: الوسائل لها أحكام المقاصد.
[م-141] الاستعانة على الوضوء لها حالات عدة:
(1)
فتح الباري (182).
الحالة الأولى: إذا لم يمكنه التطهر إلا بالاستعانة، فإنه يجب عليه قبولها إذا لم يكن في ذلك منة وإذلال له، حتى لو اقتضى الأمر ببذل أجرة لمن يعينه وجب عليه ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فواجب
(1)
.
وقال ابن عقيل الحنبلي: يحتمل أن لا يلزمه، كما لو عجز عن القيام في الصلاة لم يلزمه استئجار من يقيمه ويعتمد عليه
(2)
.
الحالة الثانية: أن تكون الاستعانة بتقريب الماء، وهذا لا بأس به.
قال النووي: ولا يقال خلاف الأولى؛ لأنه ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الحالة الثالثة: أن تكون الاستعانة بمن يصب عليه الماء، فالمشهور من مذهب الحنفية أن ذلك مكروه
(3)
، وهو وجه في مذهب الشافعية
(4)
.
واعتبر بعض الحنفية أن من آداب الوضوء ألا يستعين المتوضئ على وضوئه بأحد
(5)
.
وقيل: تباح معونته بصب الماء عليه، وهو مذهب المالكية
(6)
والحنابلة
(7)
.
وقيل: لا يكره لكنه خلاف الأولى وهذا أصح الوجهين عند الشافعية، وبه قطع البغوي وغيره، قال النووي في المجموع: وهو مقتضى كلام المصنف والأكثرين
(8)
(1)
قال النووي في المجموع (1/ 425): «إذا لم يقدر على الوضوء لزمه تحصيل من يوضئه إما متبرعًا وإما بأجرة المثل إذا وجدها، وهذا لا خلاف فيه» .اهـ وانظر المغني (1/ 85).
(2)
المغني (1/ 85).
(3)
مراقي الفلاح (ص: 33).
(4)
المجموع (1/ 383).
(5)
بدائع الصنائع (1/ 23)، تبيين الحقائق (1/ 6، 7)، فتح القدير (1/ 36)، الفتاوى الهندية (1/ 8).
(6)
مواهب الجليل (1/ 219).
(7)
المغني (1/ 95)، كشاف القناع (1/ 106)، مطالب أولي النهى (1/ 122).
(8)
المجموع (1/ 383)، روضة الطالبين (1/ 62)، مغني المحتاج (1/ 61).
الحالة الرابعة: أن تكون الاستعانة بمن يغسل له أعضاءه من غير حاجة.
فهذا مكروه في مذهب الحنفية من باب أولى، وهو مكروه في مذهب الشافعية قولًا واحدًا.
وقيل: لا يجوز، وهو مذهب المالكية
(1)
.
وقيل: يجوز من غير كراهة، اختاره ابن بطال.
- الأحاديث الواردة في المنع من الاستعانة.
أما الأحاديث الصريحة في الباب فليس فيها شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
(307 - 161) ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا أبو بدر عباد بن الوليد، حدثنا مطهر بن الهيثم، حدثنا علقمة بن أبي جمرة الضبعي، عن أبيه أبي جمرة الضبعي،
عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها يكون هو الذي يتولاها بنفسه
(2)
.
[ضعيف جدًّا]
(3)
.
(1)
قال في مواهب الجليل (1/ 219): «أما الاستنابة في الدلك فإن كانت من ضرورة جازت من غير خلاف وينوي المغسول لا الغاسل، وإن كانت لغير ضرورة فلا يجوز من غير خلاف، واختلف إذا وقع ونزل هل يجزيه أو لا؟ قولان، قال الجزولي في شرح الرسالة عند قوله غاسلًا له: لا خلاف في النيابة على صب الماء أنها جائزة ويؤخذ جوازها من حديث المغيرة إذ كان يصب الماء على النبي صلى الله عليه وسلم. وأما على الفعل فإن كان لضرورة فيجوز من غير خلاف وينوي المفعول لا الفاعل، وإن كان لغير ضرورة فلا يجوز من غير خلاف واختلف إذا وقع ونزل هل يجزيه أم لا؟ قولان» .اهـ وانظر الفواكه الدواني (1/ 137)، حاشية العدوي (1/ 186).
(2)
سنن ابن ماجه (362).
(3)
انفرد فيه ابن ماجه، وفيه مطهر بن الهيثم رجل متروك، قال الذهبي: واه، وقال البوصيري في الزوائد:«هذا إسناد ضعيف، علقمة بن أبي جمرة مجهول، ومطهر بن الهيثم ضعيف» . اهـ
وقال الحافظ في التلخيص (1/ 168): «فيه مطهر بن الهيثم، وهو ضعيف» .اهـ وفي التقريب: متروك.
(308 - 162) ومنها ما رواه أبو يعلى في مسنده، قال: حدثنا أبو هشام، حدثنا النضر -يعني: ابن منصور- حدثنا أبو الجنوب، قال:
رأيت عليًا يستقي ماء لوضوئه، فبادرته استقي له، فقال: مه يا أبا الجنوب، فإني رأيت عمرًا يستقي لوضوئه، فبادرته استقي له، فقال: مه يا أبا الحسن، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي ماء لوضوئه، فبادرته استقي له، فقال: مه يا عمر، فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد.
[ضعيف]
(1)
.
(309 - 163) ومنها ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن العباس بن عبد الرحمن المدني قال:
خصلتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلهما إلى أحد من أهله كان يناول المسكين بيده ويضع الطهور من الليل ويخمره
(2)
.
(1)
الحديث رواه أبو يعلى في مسنده (231)، وابن الجارود في المنتقى (48)، وابن عدي في الكامل (8/ 262) عن أبي هشام.
ورواه البزار كما في كشف الأستار (260) عن عبد الله بن سعيد الكندي، كلاهما عن النضر بن منصور، عن أبي الجواب به.
والحديث ضعيف، لضعف النظر بن منصور، قال فيه أبو حاتم الرازي: شيخ مجهول يروي أحاديث منكرة.
وقال أبو داود: لا أعرفه.
وفي إسناده أبو الجنوب، ضعفه الدارقطني والذهبي وابن حجر، وقال في التلخيص (1/ 168): قال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: النظر بن منصور، عن أبي الجنوب، وعنه ابن أبي معشر تعرفه؟
قال: هؤلاء حمالة الحطب.
وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 227).
(2)
المصنف (1/ 178) رقم: 2045.
[ضعيف]
(1)
.
(310 - 164) وروى ابن أبي شيبة أيضًا، قال: حدثنا أبو أسامة عن علي بن مسعدة قال أنا عبد الله الرومي، قال:
كان عثمان يقوم من الليل فيلي طهوره بنفسه فيقال له: لو أمرت بعض الخدم فقال: إني أحب أن أليه بنفسي.
(1)
مرسل ضعيف، في إسناده العباس بن عبد الرحمن المدني مجهول، وفي التقريب: مستور، وذكر الحسيني في الإكمال العباس بن عبد الرحمن المدني، وقال: مجهول. وخطأه الحافظ في تعجيل المنفعة بأنه وهم في اسمه، وإليك نص كلام الحافظ في التعجيل (1516) قال: العباس بن عبد الرحمن المدني عن حكيم بن حزام وعنه محمد بن عبد الله الشعيثي مجهول. قلت (أي الحافظ) كذا قرأت بخط الحسيني وهو غلط قبيح، والذي في مسند حكيم بن حزام من مسند أحمد، رواه أحمد عن وكيع، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن القاسم بن عبد الرحمن المزني، عن حكيم في خلوق المساجد مرفوعًا.
وعن حجاج عن الشعيثي عن زفر بن وثيمة، عن حكيم. وهكذا هو في ترجمة زفر بن وثيمة عن حكيم من الأطراف للمزي وذكر رواية أبي داود وقال: رواه وكيع عن الشعيثي فلم يرفعه. قلت (والكلام للحافظ) وفي الجملة فليس للعباس بن عبد الرحمن في حديث حكيم مدخل في مسند أحمد، والله أعلم، وأما قوله: المدني فهو تحريف، وإنما هو المزني بضم الميم بعدها زاي منقوطة، وترجم المزي للعباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، عن العباس بن عبدالمطلب. اهـ كلام الحافظ.
وفي إسناده موسى بن عبيدة، جاء في ترجمته:
قال البخاري: منكر الحديث، قاله أحمد بن حنبل، وقال علي بن المديني عن القطان قال: كنا نتقيه تلك الأيام. التاريخ الكبير (7/ 291).
وقال أحمد بن حنبل: لا يشتغل به، وذلك أنه يروى عن عبد الله بن دينار شيئًا لا يرويه الناس. الجرح والتعديل (8/ 151).
وقال أحمد بن حنبل أيضًا: لا تحل الرواية عندي عن موسى بن عبيدة. قلنا يا أبا عبدالله: لا يحل؟ قال: عندي. قلت: فإن سفيان وشعبة قد رويا عنه، قال: لو بان لشعبة ما بان لغيره ما روى عنه. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي الحديث. المرجع السابق.
[ضعيف]
(1)
.
وقد ورد أحاديث ليست صريحة في الباب تدل على أن الكمال ترك سؤال الناس شيئًا.
(311 - 165) منها ما رواه مسلم، من طريق سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني: قال حدثني الحبيب الأمين، أما هو فحبيب إلي، وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك الأشجعي قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ألا تبايعون رسول الله؟ وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا - وأسر كلمة خفية - ولا تسألوا الناس شيئًا، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه.
وجه الاستدلال:
قوله: (لا تسألوا الناس شيئًا) نكرة في سياق النفي، فيشمل كل شيء، وهذا هو الذي فهمه الصحابة، حتى كان لا يسأل أن يناول سوطه الذي سقط.
وهذا الحديث دليل على النهي عن سؤال الناس، ومنه الاستعانة، ولا يدل على كراهة الاستعانة بدون طلب من الشخص، فهناك فرق أن تأتي الإعانة على الوضوء بالتبرع المحض، أو تأتي عن مسألة، مع أنه قد يقال أيضًا: إذا كان يعلم الإنسان أن المطلوب منه ذلك يفرح به ويتشوف إليه ويعتز به، كما لو كان هذا طالبًا مع معلمه،
(1)
عبد الله الرومي، ذكره الحافظان المزي وابن حجر في تهذيب الكمال وتهذيبه، ولم يذكرا راويًا عنه إلا علي بن مسعدة، ولم يوثقه أحد، فهو مجهول.
وفي التقريب: مقبول. يعني حيث يتابع وإلا ففيه لين.
وبين غيره، ولذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يستنكف أن يطلب بعض الأمور من بعض أصحابه، لمعرفته أن ذلك محبوب لهم، ليس فيه إذلال للسائل ولا إحراج للمسئول، والله أعلم.
- الأحاديث الواردة في الاستعانة.
الحديث الأول:
(312 - 166) ما رواه البخاري، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق،
عن مغيرة بن شعبة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة خذ الإداوة، فأخذتها، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عني فقضى حاجته، وعليه جبة شامية، فذهب ليخرج يده من كمها فضاقت، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة، ومسح على خفيه ثم صلى. ورواه مسلم
(1)
.
الحديث الثاني:
(313 - 167) ما رواه البخاري، قال: حدثني محمد بن سلام، قال: أخبرنا يزيد ابن هارون، عن يحيى، عن موسى بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس،
عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته قال أسامة بن زيد فجعلت أصب عليه ويتوضأ، فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ فقال: المصلى أمامك. ورواه مسلم، واللفظ للبخاري
(2)
.
الحديث الثالث:
قال الحافظ في الفتح: روى الحاكم في المستدرك، من حديث الربيع بنت معوذ أنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فقال: اسكبي، فسكبت عليه.
(1)
البخاري (182)، ومسلم (274).
(2)
البخاري (181)، ومسلم (1280).
قال الحافظ: وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين لكونه في الحضر، ولكونه بصيغة الطلب.
قلت: وقفت عليه في مستدرك الحاكم بغير هذا اللفظ الذي أشار إليه الحافظ
(1)
، فلعل نسخة الحافظ تختلف عن المطبوع، وهو في سنن أبي داود بلفظ: اسكبي لي وضوءًا، فذكرت وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فيه: فغسل كفيه ثلاثًا وذكر الحديث، وسبق لي تخريج الحديث، والكلام عن طرقه.
وهذه الأحاديث تدل على إباحة الاستعانة بصب الماء على المتوضئ، وكذا إحضار الماء من باب أولى.
وأما المباشرة بغسل أعضاء الغير فلا دلالة فيهما عليها، وحجة من استدل بإباحة غسل أعضاء الغير، جاء في الفتح، قال: «لما لزم المتوضئ الاغتراف من الماء لأعضائه، وجاز له أن يكفيه ذلك غيره بالصب، والاغتراف بعض عمل الوضوء، كذلك يجوز في بقية أعماله.
وتعقبه ابن المنير بأن الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد؛ لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز، ولو كان الاغتراف عملًا مستقلًا لكان قدمه على النية»
(2)
.
* * *
(1)
ولفظه عند الحاكم (1/ 152) أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه، باطنهما وظاهرهما.
(2)
فتح الباري (182).
مبحث
في جواز الاستعانة على الوضوء بمن لا يصح منه النية
[م-142] قد ذكرنا أنه إذا وضأه غيره صح، سواء كان الموضئ ممن يصح وضوءه أم لا، كمجنون وحائض وكافر وغيرهم.
- وجه القول بالصحة:
لأن الاعتماد على نية المتوضئ لا على فعل الموضئ، كمسألة الميزاب، ولا نعلم في هذه المسألة خلافًا لأحد من العلماء إلا ما حكاه صاحب الشامل عن داود الظاهري أنه قال: لا يصح وضوءه إذا وضأه غيره، ورد عليه بأن الإجماع منعقد على أن من وقع في ماء أو وقف تحت ميزاب، ونوى، صح وضوءه وغسله.
* * *