الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني علة الوضوء من لحوم الإبل
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• إثبات ما يوجب الحدث متلقى من الشرع، غير معقول المعنى، ولهذا ينقض الوضوء أكل لحم الإبل، وهو طاهر حلال، ولا ينقضه أكل لحم الخنزير، وهو نجس حرام، ومس الذكر ينقض الوضوء على الصحيح، مع أنه بضعة طاهرة من إنسان طاهر، ومس الأعيان النجسة لا يوجب الوضوء، والبول نجس، ويوجب الطهارة الصغرى، والمني طاهر على الصحيح، ويوجب الطهارة الكبرى.
• معرفة العلة إنما من أجل تعدية الحكم بالقياس، وذلك بإلحاق الفرع بأصله لعلة جامعة، والقياس على لحم الإبل لا أعرف أحدًا قال به.
[م-207] اختلف العلماء في العلة من الوضوء من لحم الإبل، وعدم الأمر بالوضوء من سائر اللحوم الأخرى كالغنم والبقر والطيور ونحوها،
فقيل: إن الأمر بالوضوء منها لكونه كان مشروعًا في أول الأمر الوضوء مما مست النار، ثم نسخ هذا الحكم، بحديث جابر، كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، وهذا مذهب الجمهور.
ويشوش عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرن معها لحم الغنم، فأمر بالوضوء من لحوم الإبل، ولم يأمر بالوضوء من لحم الغنم، ولو كانت العلة في الوضوء من لحوم الإبل كون النار قد مستها لم يختلف الحكم في لحم الغنم، لأن النار أيضًا قد مستها.
وقيل: إن الحكم تعبدي، فتكون علته مخفية عنا، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة.
وقيل: إنه ورد في الحديث أن الإبل خلقت من الشياطين.
(480 - 334) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن الحسن،
عن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل؛ فإنها خلقت من الشياطين
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
المصنف (1/ 337) رقم 3877.
(2)
الحديث رواه ابن أبي شيبة كما في إسناد الباب، ومن طريقه أخرجه ابن حبان في صحيحه (1702).
ورواه البيهقي في سننه (2/ 449) من طريق هشيم به.
ورواه أحمد في مسنده (4/ 85) حدثنا إسماعيل بن علية،
ورواه أحمد أيضًا (5/ 56، 57) حدثنا عبد الأعلى،
ورواه الروياني في مسنده (898) من طريق سفيان،
ورواه ابن ماجه (769) من طريق أبي نعيم،
ورواه ابن حبان في صحيحه (5657) من طريق يزيد بن زريع، كلهم عن يونس به.
فهؤلاء ستة حفاظ رووه عن يونس بن عبيد: وهم هشيم وابن علية وعبد الأعلى وسفيان ويزيد ابن زريع وأبو نعيم.
كما تابع أبو سفيان بن العلاء ومبارك بن فضالة يونسَ بن عبيد.
فقد أخرجه أحمد (5/ 54) ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (1/ 317) حدثنا وكيع، عن أبي سفيان بن العلاء، عن الحسن به.
وأبو سفيان بن العلاء لم أقف على أحد وثقه، لكن قال فيه يحيى بن سعيد القطان: كنت أشتهي أن أسمع من أبى سفيان حديث الحسن، عن عبد الله بن مغفل، كان يقول فيه: حدثني ابن مغفل. الجرح والتعديل (9/ 381)، كما أنه قد توبع في هذا الحديث، فإذا روى حديثًا لم ينكر عليه، بل قد تابعه عليه الثقات، ولم نقف له على جرح كان هذا مما يقوي أمره، والله أعلم.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (913) وأحمد (4/ 86) وعلي بن الجعد (3180) وابن عدي في الكامل (6/ 320) من طريق مبارك بن فضالة، عن الحسن به.
قال ابن عبد البر (22/ 333): حديث عبد الله بن مغفل رواه نحو خمسة عشر رجلًا عن الحسن، وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح. اهـ
وقد خرجت من هذه الطرق ما نص فيها على أن الإبل خلقت من الشياطين، وتركت غيرها مما لم يرد فيه موضع الشاهد، والله أعلم.
انظر أطراف المسند (4/ 241)، التحفة (9649)، إتحاف المهرة (13415).
وفسر الحديث ابن حبان بأن معنى خلقت من الشياطين بأن معها شياطين على سبيل المجاورة والقرب.
(1)
.
(2)
.
وقيل: معناه أن من طبعها الشيطنة، وليس معناه أن مادة خلقها الشيطنة، فهو كقوله تعالى:(خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ)[الأنبياء: 37]، يعني: طبيعته هكذا، فهي لا
(1)
صحيح ابن حبان (4/ 601).
(2)
صحيح ابن حبان (4/ 603).
تكاد تهدأ، ولا تقر في العطن، بل تثور، فربما قطعت على المصلي صلاته، وشوشت عليه خشوعه، وهذه هي الشيطنة المذكورة في الحديث.
ولذلك لما صلى عليها أمن من شرها، بخلاف الصلاة في مباركها، فقد تأتي إليه مجتمعة في حالة من النفار فتفسد عليه صلاته.
(1)
.
وكل هذه العلل إنما هي التماس، فلم ينص الشارع على العلة من الوضوء من لحمها، وسواء كانت هذه العلة أم غيرها فإن اليقين المقطوع به أن الشارع حكيم ولا يأمر إلا بما فيه حكمة، وأنه لا بد أن يكون هناك علة اقتضت التفريق بين لحم الإبل ولحم الغنم، فإن الشارع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، فالحكمة، هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والتماس العلة إنما هو من أجل القياس، وتعدية الحكم إلى حكم آخر لعلة جامعة بينهما، وليس لأمر آخر، ولذا قالت عائشة حين سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصيام، ولا نؤمر بقضاء الصلاة، وهو حديث متفق عليه
(2)
.
* * *
(1)
إعلام الموقعين (2/ 15).
(2)
البخاري (321)، ومسلم (335).