الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس في الخارج النادر من السبيلين
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• هل المعتبر في الحدث المحل: القبل والدبر، فينقض كل ما خرج من السبيلين ولو كان طاهرًا، أو المعتبر النجس، فينقض كل نجس خرج، ولو من غير السبيلين إذا كان فاحشًا، أو المعتبر الخارج والمخرج وصفة الخروج؟ والأول أقواها.
[م-183] سبق لنا أن تكلمنا على الخارج من السبيلين إذا كان معتادًا، كالبول والغائط، والمذي، والودي ونحوها، وسوف نتكلم في هذا المبحث إذا كان الخارج غير معتاد، كالحصى، والدود، والريح من القبل، ونحوها، فهل يعتبر خروجها حدثًا ناقضًا للوضوء، أو لا يعتبر؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم:
فقيل: خروج الشيء النادر من السبيلين يعتبر ناقضًا للوضوء، وهو المشهور من مذهب الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
، إلا ريح القبل فلا تنقض الوضوء عند الحنفية؛ لأنها اختلاج لا ريح عندهم.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 24)، البحر الرائق (1/ 31)، مراقي الفلاح (ص: 36)، فتح القدير (1/ 38)، الاختيار لتعليل المختار (1/ 9).
(2)
مغني المحتاج (1/ 32)، المجموع (2/ 4)، روضة الطالبين (1/ 72).
(3)
شرح منتهى الإرادات (1/ 69)، كشاف القناع (1/ 122)، الفروع (1/ 174)، الإنصاف (1/ 195)، المبدع (1/ 155).
وقيل: لا ينقض إلا ما كان معتادًا، وهو مذهب المالكية
(1)
.
• وسبب اختلافهم في هذه المسألة:
ذكر ابن رشد سبب الاختلاف، وأسوقه مع تصرف يسير:
يرجع الاختلاف في هذه المسألة إلى أن من الفقهاء من اعتبر في نقض الوضوء الخارج وحده من أي موضع خرج، وعلي أي جهة خرج، فقالوا: كل نجاسة تسيل من الجسد وتخرج منه يجب منها الوضوء كالدم والرعاف والقيء.
واعتبر قوم المخرجين: الذكر والدبر، فقالوا: كل ما خرج من هذين السبيلين فهو ناقض للوضوء، من أي شيء خرج من دم، أو حصى أو بلغم، وعلي أي وجه خرج، سواء كان خروجه على وجه الصحة أو المرض.
وفريق اعتبر الخارج والمخرج وصفة الخروج، فقالوا: كل ما خرج من السبيلين مما هو معتاد خروجه، وهو البول والغائط والمذي والودي والريح إذا كان خروجه على وجه الصحة فهو ينقض الوضوء، فلم يروا في الدم والحصاة والدود وضوء، ولا في السلس كذلك، والسبب في اختلافهم أنه لما أجمع المسلمون على انتقاض الوضوء مما يخرج من السبيلين من غائط وبول وريح ومذي، لظاهر الكتاب ولتظاهر الآثار بذلك، تطرق إلى ذلك ثلاث احتمالات:
أحدها: أن يكون الحكم إنما علق بأعيان هذه الأشياء فقط المتفق عليها على ما رآه مالك رحمه الله.
الاحتمال الثاني: أن يكون الحكم إنما علق بهذه من جهة أنها أنجاس خارجة من البدن، فيكون الوضوء طهارة، والطهارة إنما يؤثر فيها النجس.
الاحتمال الثالث: أن يكون الحكم أيضًا إنما علق بها من جهة أنها خارجة من
(1)
الشرح الصغير (1/ 137)، الخرشي (1/ 152)، مواهب الجليل (1/ 291)، حاشية الدسوقي (1/ 115)، أسهل المدارك (1/ 59)، التلقين (ص: 14).
هذين السبيلين.
قلت: الذي يظهر أن الاعتبار بالمخرج لا بالنجاسة؛ لأن الريح طاهرة، وإذا خرجت من الدبر كانت حدثًا، وإذا خرجت من الفم لم تكن ناقضة، وليس الاعتبار بكونه معتادًا، فهذا الودي نادر غير معتاد، وقد يكون دالًا على اعتلال، ومع ذلك ينقض الوضوء حتى على مذهب مالك رحمه الله، والله أعلم.
* * *