الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدثنا عمر بن سعيد بن سنان المنبجي بالمصيصة، قال: حدثنا الضحاك بن حجوة، قال: حدثنا هيثم بن جميل، قال: حدثنا أبو هلال الراسبي، عن ابن بريدة، عن يحيى ابن يعمر،
عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من مس ذكره فليتوضأ
(1)
.
[الحديث ضعيف جدًّا]
(2)
.
وقد خرجت من تخريج هذه الأدلة الكثيرة، أن الباب لا يصح فيه إلا حديث بسرة، وأما غيره من الأحاديث فهي إما ضعيفة، وأما شديدة الضعف، والله أعلم.
• أدلة من قال: لا يجب الوضوء من مس الذكر مطلقًا:
*
الدليل الأول:
(442 - 296) ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن بدر، عن قيس ابن طلق،
(1)
تاريخ بغداد (13/ 425).
(2)
في إسناده الضحاك بن حجوة، قال الدارقطني: كان يضع الحديث. المغني (1/ 311).
وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا للمعرفة فحسب. المجروحين (1/ 379).
وفيه أيضًا: ناجية بن حيان البغدادي، ذكره الخطيب ولم يذكر فيه جرجًا ولا تعديلًا. تاريخ بغداد (513/ 425).
وفيه أبو هلال الراسبي، وهو محمد بن سليم البصري، قال ابن سعد: فيه ضعف. تهذيب التهذيب (9/ 173).
وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه، وكان ابن مهدي يروي عنه. التاريخ الكبير (1/ 105).
وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (516).
وقال ابن معين: صويلح. الجرح والتعديل (7/ 273).
وقال مرة: صدوق. تهذيب التهذيب (9/ 173).
وقال أحمد: قد احتمل حديثه، إلا أن يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة. الجرح والتعديل (7/ 273). في التقريب: صدوق فيه لين.
عن أبيه طلق بن علي، قال: خرجنا وفدًا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، وصلينا معه، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله ما ترى في مس الذكر في الصلاة؟ فقال: وهل هو إلا بضعة أو مضغة منك
(1)
.
[إسناده فيه ضعف تفرد به قيس بن طلق، ولم يتابعه عليه أحد]
(2)
.
(1)
المصنف (1/ 152).
(2)
في إسناده قيس بن طلق، ومع كونه لين الحديث، فقد انفرد بهذا الحديث، والصدوق إذا انفرد بحديث، وكان هو الأصل في الباب، ولا يعلم له أصل غيره لم يقبل تفرده، هذا ما كان عليه عمل المتقدمين، فكيف إذا انفرد بالحديث رجل متكلم فيه، جاء في ترجمته:
قال الدارقطني: ليس بالقوي.
وقال أحمد: غيره أثبت منه. تهذيب التهذيب (8/ 356).
وهذه العبارة من عبارات الجرح، بخلاف ما لو قال: فلان أثبت منه، وذكر اسمه، فيحمل على أن كلًا منهما ثبت، وأحدهما أثبت من الآخر.
وقال الشافعي: قد سألنا عن قيس بن طلق، فلم نجد من يعرفه، بما يكون لنا قبول خبره؟ ! المرجع السابق.
وقال الدارقطني في سننه (1/ 139)، ونقله عنه البيهقي في السنن (1/ 135): قال: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث محمد بن جابر، فقالا: قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة، ووهناه، ولم يثبتاه. اهـ
وتعقب هذا الكلام أحد المعاصرين، قائلًا: كيف يفلت محمد بن جابر من تبعة الحديث، وتلصق بقيس بن طلق، وقيس وثقه ابن معين وغيره، بل الآفة ابن جابر هذا، ولكنه لم يتفرد بالحديث، فقد تابعه عبد الله بن بدر، عن قيس. اهـ
قلت: لم يتكلم أبو زرعة وأبو حاتم عن محمد بن جابر؛ لأن مدار الحديث على قيس بن طلق، فكلامهما منصب على من يدور عليه الحديث، وأما معارضة جرح أبي زرعة وأبي حاتم بتوثيق ابن معين فليس كلام ابن معين حجة على أبي زرعة وعلى أبي حاتم لكونهما من أئمة الجرح والتعديل، فكيف وقد وافق كلامهما كلام الإمام أحمد والشافعي والدارقطني وابن معين في إحدى الروايتين عنه.
وقد اختلف قول ابن معين فيه، فقد ضعفه في رواية كما نقل ذلك سبط ابن العجمي في حاشيته على الكاشف، وذكر ذلك الحافظ الذهبي في الميزان (3/ 397).
وأما ما أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 139): ومن طريقه البيهقي (1/ 135) عن عبد الله =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن يحيى القاضي السرخسي، حدثنا رجاء بن مرجي الحافظ، قال: اجتمعنا في مسجد الخيف، أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، فتناظروا في مس الذكر، فقال يحيى بن معين: يتوضأ منه، وقال علي بن المديني بقول الكوفيين، وتقلد قولهم، واحتج يحيى بن معين بحديث بسرة بنت صفوان، واحتج علي بن المديني بحديث قيس بن طلق، عن أبيه، وقال ليحيى بن معين: كيف تتقلد إسناد بسرة، ومروان إنما أرسل شرطيًا حتى رد جوابها إليه؟ فقال يحيى: لم يقنع عروة حتى أتى بسرة فسألها، وشافهته بالحديث، ثم قال يحيى: ولقد أكثر الناس في قيس ابن طلق، وأنه لا يحتج بحديثه .... إلخ المناظرة.
فهذا إسناد ضعيف جدًّا، لأن في إسناده عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، قال عنه في الميزان (2/ 524): لقيه أحمد بن عدي، واتهمه بالكذب في روايته عن علي بن حجر ونحوه
…
وضعفها ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 135)، والمعتمد في تضعيف يحيى بن معين ما نقله الذهبي وسبط بن العجمي، لا هذه الرواية.
وقد وثقه ابن معين في رواية، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين، قلت: عبد الله ابن النعمان، عن قيس بن طلق؟ قال: شيوخ يمامية ثقات.
وجاء في نصب الراية للزيلعي (1/ 62): ذكر عبد الحق في أحكامه حديث طلق، وسكت عنه، فهو صحيح عنده على عادته في مثل ذلك، وتعقبه ابن القطان في كتابه، فقال: إنما يرويه قيس ابن طلق، عن أبيه، وقد حكى الدارقطني في سننه، عن ابن أبي حاتم أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث، فقالا: قيس بن طلق
…
وذكر الكلام المتقدم عنهما. ثم قال ابن القطان: والحديث مختلف فيه، فينبغي أن يقال فيه: حسن، ولا يحكم بصحته. اهـ
قلت: هل كل حديث يختلف في صحته وضعفه يكون حسنًا؟ ! حتى الراوي إذا اختلف في توثيقه وتضعيفه لا يجعل حديثه من قبيل الحسن، بل هناك قواعد في هذا، منها إذا ثبت الجرح والتعديل من أئمة معتبرين لم يعرف عنهما التشدد ولا التساهل كان الجرح مقدمًا، لأن مع الجارح زيادة علم ليست مع المعدل، فإذا تأملت قيسًا هذا رأيت أن من جرح قيس بن طلق كالإمام أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني والشافعي وابن معين في إحدى الروايتين عنه، فهولاء لا شك أنهم مقدمون في جرحهم على توثيق ابن حبان والعجلي، وأما ابن حجر فقد قال في التقريب: صدوق، ومعلوم أن ابن حجر قد رزق اعتدالًا وسبرًا إلا أن عمدته كلام المتقدمين، وقد علمت أقوالهم فيه، ولا أعلم أحدًا تابع قيس بن طلق في حديثه عن أبيه، كما لا أعلم شاهدًا معتبرًا لحديث طلق هذا، فلذا أجد نفسي تميل إلى تليين قيس بن طلق، ولا أجرؤ على مخالفة الإمام أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني لكلام ابن حبان والعجلي، والله أعلم.
[تخريج الحديث].
الحديث مداره على قيس بن طلق، عن أبيه، ويرويه عن قيس جماعة، منهم: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأول: عبد الله بن بدر، عن قيس به. أخرجه ابن أبي شيبة كما في إسناد الباب، وأبو داود (182)، والترمذي (85)، والنسائي (165)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 75، 76)، والدارقطني (1/ 149)، والبيهقي في السنن (1/ 134) من طريق ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر به.
الثاني: محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، أخرجه عبد الرزاق (426) عن هشام بن حسان.
وأخرجه أحمد (4/ 23) عن موسى بن داود.
وأخرجه أبو داود (183) عن مسدد.
وأخرجه ابن ماجه (483) من طريق وكيع.
وأخرجه الدارقطني (1/ 149) من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل.
وأخرجه بن الجارود (20)، والطحاوي (1/ 75)، والحازمي في الاعتبار (ص: 81) من طريق سفيان،
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 330) من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني، كلهم عن محمد بن جابر به.
ومحمد بن جابر، جاء في ترجمته:
قال البخاري: محمد بن جابر، عن قيس بن طلق وحماد ليس بالقوي عندهم. ضعفاء البخاري (313)، الضعفاء الكبير (4/ 41).
وقال أحمد: كان محمد بن جابر ربما ألحق في كتابه أو يلحق في كتابه: يعني الحديث الجرح والتعديل (7/ 219).
وقال يحيى بن معين: كان أعمى واختلط عليه حديثه، وكان كوفيًا، فانتقل إلى اليمامة، وهو ضعيف. المرجع السابق.
وقال عمرو بن علي: صدوق كثير الوهم. المرجع السابق، زاد ابن عدي عنه في الكامل (6/ 148): متروك الحديث.
وقال أبو حاتم: ذهبت كتبه في آخر عمره، وساء حفظه، وكان يلقن، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه، ثم تركه بعد، وكان يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، جيد اللقاء، رأوا في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات. المرجع السابق.
وسئل أبو حاتم عنه وعن ابن لهيعة، فقال: محلهما الصدق، ومحمد بن جابر أحب إلي من ابن لهيعة. المرجع السابق.
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (533).
وقال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا شر منه. تهذيب التهذيب (9/ 78). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال أبو داود: ليس بشيء. المرجع السابق.
وفي التقريب: صدوق ذهبت كتبه، فساء حفظه.
الطريق الثالث: أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق.
أخرجه أبو داود الطيالسي (1096) ومن طريق أبي داود أخرجه الحازمي في الاعتبار (ص: 82)،
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (3299).
وأخرجه أحمد (4/ 22) عن حماد بن خالد.
وأخرجه الطحاوي (1/ 65، 67) من طريق حجاج وأسود بن عامر وخلف بن الوليد وأحمد ابن يونس وسعيد بن سليمان جميعهم عن أيوب بن عتبة به.
وأيوب بن عتبة قال عنه الحافظ في التقريب: ضعيف.
الطريق الرابع: أيوب بن محمد، عن قيس. أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 149)، وقال: أيوب مجهول.
الطريق الخامس: عكرمة بن عمار، عن قيس به، أخرجه ابن حبان في صحيحه (1121).
انظر أطراف المسند (2/ 623)، تحفة الأشراف (5023)، إتحاف المهرة (6661).
وحديث طلق هذا معارض في ظاهره لحديث بسرة بنت صفوان، وقد اختلف العلماء في الموقف منهما، فهناك من جمع بينهما، وسوف يأتي وجه الجمع إن شاء الله تعالى في أدلة القول الثالث والرابع، واختار بعضهم الترجيح، فهناك من رجح حديث بسرة، وهناك من رجح حديث طلق ابن علي.
ذكر من رجح حديث بسرة:
من وجوه ترجيح حديث بسرة:
الوجه الأول: قوة الإسناد.
وممن ذهب إلى هذا جماعة من أهل العلم، منهم البخاري رحمه الله تعالى، والإمام أحمد والترمذي والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر والدارقطني وأبو حاتم وأبو زرعة والشافعي وابن حبان وابن حزم وغيرهم.
قال الترمذي: قال محمد -يعني البخاري- أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة. السنن (1/ 129).
وقال البيهقي: يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان، ولم يحتجا بأحد من رواته، وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته إلا أنهما لم يخرجاه للاختلاف فيه على عروة، وعلى هشام بن عروة، وقد بينا أن الاختلاف لا يمنع من الحكم بصحته، وإن نزل عن شرط الشيخين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وتقدم أيضًا عن الإسماعيلي أنه ألزم البخاري إخراجه لإخراج نظيره في الصحيح، وقد ضعف حديث طلق الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي وكل هؤلاء ذكرهم الحافظ في التلخيص.
الوجه الثاني في تقديم حديث بسرة:
أن القائل بالوضوء من مس الذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وعن التابعين أكثر من غيرهم.
جاء في التمهيد كما في فتح البر بترتيب التمهيد لابن عبد البر (3/ 338)، «قال أبو بكر الأثرم: سئل أبو عبد الله عن الوضوء من مس الذكر؟ فقال: نعم نرى الوضوء من مس الذكر. قيل له: من لم يره أنعنفه؟ فقال: الوضوء أقوى. قال: من قال: لا وضوء؟ قال: الوضوء أكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، وعن التابعين».اهـ
الوجه الثالث في تقديم حديث بسرة:
من وجوه ترجيح حديث بسرة ما قاله ابن عبد البر حيث قال: «إيجاب الوضوء من مس الذكر إنما هو مأخوذ من جهة الشرع، لا مدخل فيها للعقل؛ لاجتماعه مع سائر الأعضاء، ونقل البيهقي عن الشافعي أن الذي قال من الصحابة لا وضوء به فإنما قاله بالرأي، ومن أوجب الوضوء به يعني من الصحابة فلا يوجبه إلا بالاتباع - يعني أن العقل والقياس لا يقضيان بهذا الحكم، فكان أولى بالقبول، والله أعلم» .
قلت: الشرع لا يعارض العقل، لكن العقل عرضة للصواب والخطأ بخلاف الشرع، وإذا لم يستطع العقل إدراك الحكمة من التشريع عبر عنه الفقهاء بأنه تعبدي، وليس معنى كونه تعبديًا أنه خال من الحكمة، فالله سبحانه وتعالى حكيم منزه عن العبث، ولا يشرع إلا ما فيه حكمة، ولا يفرق الشرع بين متماثلين، ولا يجمع بين متفرقين، والمؤمن متبع للشرع أبدًا، لا يعبد عقله ونظره، وإذا بدا في الظاهر بعض التعارض بين العقل والشرع، كان العقل هو المتهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14] (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً)[الإسراء: 85].
وحين نبحث عن الحكمة إنما نبحث عنها من أجل القياس، لكي نلحق النظير بشبيهه، فإذا علمنا أن علة التحريم في الخمر هي الإسكار ألحقنا به كل مسكر، وإذا زالت علة الإسكار رجع الحكم إلى الحل، والله أعلم.
الوجه الرابع في تقديم حديث بسرة:
هناك من أخذ بحديث بسرة لكونه ناسخًا لحديث طلق، قال ابن حبان في صحيحه (3/ 504): خبر طلق الذي ذكرناه خبر منسوخ؛ لأن طلق بن علي كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سني الهجرة حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى إيجاب الوضوء من مس الذكر أبو هريرة، وأبو هريرة أسلم سنة سبع للهجرة، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بن علي بسبع سنين. اهـ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت: الاستدلال بالنسخ بتأخر إسلام الراوي فيه نظر كبير؛ لأنه يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع هذا الحديث من صحابي قد تقدم إ سلامه، ومرسل الصحابي على الاتصال، وليست كل أحاديث أبي هريرة قد سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد استدل ابن حزم على النسخ بوجه آخر، حيث قال: وهذا خبر صحيح - يعني حديث طلق - إلا أنه لا حجة فيه لوجوه:
أحدها: أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الأمر بالوضوء من مس الفرج، هذا لا شك فيه، فإذا هو كذلك فحكمه منسوخ يقينًا حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج، فلا يحل ترك ما يتيقن أنه ناسخ، والأخذ بما تيقن أنه منسوخ.
وثانيها: أن كلامه عليه السلام (هل هو إلا بضعة منك) دليل على أنه كان قبل الأمر بالوضوء منه؛ لأنه لو كان بعده لم يقل بعده هذا الكلام، بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلًا، وأنه كسائر الأعضاء».اهـ
وكلام ابن حزم مبني على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه قال: (وهل هو إلا بضعة منك) وهذا الذي لم يترجح لي حسب البحث حتى الآن، فلو ثبت أن ذلك من كلامه صلى الله عليه وسلم لامتنع أيضًا أن يقال بالنسخ، وذلك أن الحكم إذا ربط بعلة لا يمكن أن تزول، كان الحكم أولى بأنه لا يزول، فالذكر بضعة منا، هذه العلة في عدم الطهارة من مس الذكر ثابتة لا يمكن أن يتصور زوالها، فكان الحكم المترتب عليها كذلك، لكن قد علمت ضعف حديث طلق بن علي.
فتلخص من هذا أن من قدم حديث بسرة قدمه لأمور:
الأول: الاعتبار برجال الإسناد، فرجال إسناد حديث بسرة أرجح من رجال إسناد حديث طلق.
الثاني: قدمه باعتبار أنه حديث ناسخ لحديث طلق بن علي.
الثالث: قدمه باعتبار أنه ناقل عن البراءة الأصلية، وحديث طلق على البراءة، وإذا تعارض حديثان أحدهما يوافق البراءة الأصلية، والآخر ينقل عنها، ويشغل الذمة كان الناقل مقدمًا.
الرابع: أن رواة النقض بمس الذكر أكثر، وأحاديثه أشهر، فقد ورد فيه حديث بسرة وأبي هريرة وأم حبيبة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأيوب وغيرهم، بخلاف حديث طلق، فإنه حديث غريب.
الخامس: لو قدر تعارض الحديثين من كل وجه لكان الترجيح لحديث النقض لكونه قول أكثر الصحابة كما نقلته عن أحمد بن حنبل في معرض البحث.
وأما من رجح حديث طلق:
فمنهم عمرو الفلاس، قال كما في تلخيص الحبير، قال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة.
وقال علي بن المديني: هو عندنا أحسن من حديث بسرة. =