الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس في خروج دم الاستحاضة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• خروج الحدث الدائم من أحد السبيلين من بول أو ريح أو دم ونحوها معفو عنه على الصحيح.
• الوقت سبب في وجوب الصلاة، وليس حدثًا يوجب خروجه الوضوء.
• الوضوء إذا لم يكن رافعًا للحدث لم يكن واجبًا.
• كل خارج لا ينقض الحدث في الصلاة لا ينقض خارج الصلاة.
• لا فرق بين الدم الذي يخرج من المستحاضة قبل الوضوء، والذي يخرج في أضعاف الوضوء، والدم الخارج بعد الوضوء في الحدث.
وقيل:
• يتطهر من به حدث دائم لاستباحة الصلاة، وليس لرفع الحدث.
[م-182] يدخل دم الاستحاضة، ومن به حدث دائم في عموم الخارج من أحد السبيلين، فهل يعتبر خروجه حدثًا ناقضًا للوضوء؟
اختلف أهل العلم في ذلك:
فقيل: يجب أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وهو مذهب الحنفية
(1)
، والحنابلة
(2)
.
وقيل: يجب أن تتوضأ لكل فريضة، مؤداة أو مقضية، وأما النوافل فتصلي بطهارتها ما شاءت، وهو مذهب الشافعية
(3)
.
وقيل: لا يعتبر خروج دم الاستحاضة حدثًا ناقضًا للوضوء، بل يستحب منه الوضوء ولا يجب. وهو مذهب المالكية
(4)
.
وقيل: الوضوء واجب لكل صلاة، فرضًا كانت أو نفلًا، خرج الوقت أو لم يخرج. وهذا اختيار ابن حزم
(5)
.
وقد رويت أحاديث في وضوء المستحاضة لكل صلاة، منها:
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 508) حاشية ابن عابدين (1/ 504) البحر الرائق (1/ 226) مراقي الفلاح (ص 60) شرح فتح القدير (1/ 181) تبيين الحقائق (1/ 64) بدائع الصنائع (1/ 28).
(2)
المغني (1/ 421) شرح منتهى الإرادات (1/ 120) كشاف القناع (1/ 215) الإنصاف (1/ 377) الفروع (1/ 279) شرح الزركشي (1/ 437).
(3)
المجموع (1/ 363، 543)، مغني المحتاج (1/ 111)، روضة الطالبين (1/ 125، 147).
(4)
قال صاحب مواهب الجليل (1/ 291): «طريقة العراقيين من أصحابنا، أن ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقًا، وإنما يستحب منه الوضوء .... والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام:
الأول: أن يلازم، ولا يفارق، فلا يجب الوضوء، ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد.
الثاني: أن تكون ملازمته أكثر من مفارقته، فيستحب الوضوء إلا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب.
الثالث: أن يتساوى إتيانه ومفارقته، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان ....
والرابع: أن تكون مفارقته أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء خلافًا للعراقيين فإنه عندهم مستحب».اهـ وانظر حاشية الدسوقي (1/ 116)، الخرشي (1/ 152)، فتح البر في ترتيب التمهيد (3/ 508)، الاستذكار (3/ 225، 226) القوانين الفقهية لابن جزي (ص 29).
(5)
المحلى (مسألة: 168).
(384 - 238) ما رواه البخاري رحمه الله، قال: حدثنا محمد، قال: ثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا؛ إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي.
قال هشام: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت
(1)
.
[زيادة قال هشام: قال أبي: الراجح أنها موقوفة على عروة، ورفعها غير محفوظ]
(2)
.
(385 - 239) ومنها: ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة،
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي، وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي وإن قطر الدم على الحصير
(3)
.
[الحديث ضعيف، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت، وعروة مختلف فيه، قيل: عروة المزني، وهو مجهول، وقيل: عروة بن الزبير]
(4)
.
(386 - 240) ومنها: ما رواه الدرامي، قال: أخبرنا محمد بن عيسى، ثنا شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
صحيح البخاري (228).
(2)
سبب اختلاف العلماء في دم الاستحاضة، هل هو حدث أم لا؟ اختلافهم في قول هشام: وقال أبي: ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت، هل هذه الزيادة موقوفة أو مرفوعة؟ وهل هي متصلة أو معلقة؟ وعلى تقدير كونها مرفوعة، هل هي محفوظة أو شاذة؟
انظر تخريجه، في المجلد السابع، في الطهارة من الاستنجاء ح (1516).
(3)
المسند (6/ 204).
(4)
انظر تخريجه في المجلد السابع، في الطهارة من الاستنجاء، ح (1517).
المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها في كل شهر، فإذا كان عند انقضائها اغتسلت وصلت، وصامت، وتوضأت عند كل صلاة
(1)
.
[ضعيف جدًّا].
(387 - 241) ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق بشر بن الوليد الكندي، حدثنا أبو يوسف القاضي، عن عبد الله بن علي، عن عبد الله بن محمد ابن عقيل،
عن جابر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي أيوب الأفريقي، وهو عبد الله بن علي، إلا أبو يوسف
(2)
.
[ضعيف]
(3)
.
(388 - 242) ومنها: ما رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا مورع بن عبد الله، حدثنا الحسن بن عيسى، حدثنا حفص بن غياث، عن العلاء بن المسيب، عن الحكم بن عتيبة عن جعفر، عن سودة بنت زمعة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها، ثم تغتسل غسلًا واحدًا ثم تتوضأ لكل صلاة
(4)
.
[ضعيف].
وقد اختلف العلماء في حكمهم على هذه الآثار الواردة في وضوء المستحاضة لكل صلاة، فمنهم من ضعف الأحاديث الواردة في الباب.
(1)
سنن الدارمي (793)، انظر تخريجه في المجلد السابع: ح (1518).
(2)
المعجم الأوسط (1620).
(3)
انظر تخريجه، في المجلد السابع، ح (1519).
(4)
الأوسط (1984)، وأنظر تخريجه في المجلد السابع، ح (1520).
قال ابن رجب: أحاديث الوضوء لكل صلاة قد رويت من وجوه متعددة وهي مضطربة ومعلة
(1)
.
ولهذا ذهب المالكية إلى عدم وجوب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة.
(2)
.
وإذا لم تصح الآثار عن الرسول صلى الله عليه وسلم في وضوء المستحاضة، فإن النظر أيضًا يؤيد القول بعدم اعتبار خروج دم الاستحاضة وسلس البول ونحوهما حدثًا يوجب الوضوء، وذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن من كان به حدث دائم لو تطهر فلن يرتفع حدثه، وإذا كان كذلك، لك تكن طهارته واجبة.
الوجه الثاني:
إذا كان دم الاستحاضة لا يبطل الطهارة أثناء الوضوء، وبعده قبل الصلاة، لم يكن حدثًا يوجب الوضوء عند تجدد الصلاة أو خروج الوقت، ولذا حملنا الأمر على الاستحباب.
الوجه الثالث:
من النظر، قال ابن المنذر في الأوسط: «والنظر دال على ما قال ربيعة - يعني: في عدم وجوب الوضوء - إلا أنه قول لا أعلم أحدًا سبقه إليه. وإنما قلت: النظر
(1)
شرح البخاري لابن رجب (2/ 73).
(2)
المرجع السابق، نفس الصفحة.
يدل عليه؛ لأنه لا فرق بين الدم الذي يخرج من المستحاضة قبل الوضوء، والذي يخرج في أضعاف الوضوء، والدم الخارج بعد الوضوء؛ لأن دم الاستحاضة إن كان يوجب الوضوء فقليل ذلك وكثيره في أي وقت كان يوجب الوضوء، فإذا كان هكذا، وابتدأت المستحاضة في الوضوء، فخرج منها دم بعد غسلها بعض أعضاء الوضوء، وجب أن ينتقض ما غسلت من أعضاء الوضوء، لأن الدم الذي يوجب الطهارة في قول من أوجب على المستحاضة الطهارة قائم.
وإن كان ما يخرج منها بين أضعاف الوضوء، وما خرج منها قبل أن تدخل الصلاة، وما حدث في الصلاة منه لا ينقض طهارة، وجب كذلك أن ما خرج منها بعد فراغها من الصلاة لا تنقض طهارة إلا بحدث غير دم الاستحاضة هذا الذي يدل عليه النظر»
(1)
.
هذه أدلة المالكية على عدم اعتبار خروج دم الاستحاضة حدثًا ناقضًا للوضوء، وهذا القول هو الراجح عندي، لأن الآثار في الباب لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة، ولأن هذا القول موافق لقواعد الشريعة من جهة أخرى كما سبق بيانه، وفيه تيسير على المبتلى من النساء ومن به سلس بول، وقد أفتى به جماعة من أهل العلم على رأسهم الإمام مالك وربيعة وعكرمة وأيوب وطائفة، كما سبق ذكره عنهم، وذكر ابن المنذر أن القياس يقتضيه، وهل الشرع كله إلا على وفق القياس، وصرح الحافظ ابن رجب بأنه لم يصح في أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة حديث، وقد تكلمت عن هذه المسألة في مجلد الحيض والنفاس، فارجع إليه إن أردت الاستزادة من هذه المسألة المهمة
(2)
.
* * *
(1)
الأوسط (1/ 164).
(2)
في مبحث خلاف العلماء في وجوب الوضوء من دم الاستحاضة.