الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ناظر أبو موسى ابن مسعود في التيمم من الجنابة بهذه الآية مما يدل على أن المراد من المس الحدث الأكبر،
(461 - 315) فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق الأعمش، عن شقيق: قال:
كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى: لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا، أما كان يتيمم ويصلي؟! فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)، فقال عبد الله: لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد قلت: وإنما كرهتم هذا لذا قال نعم .. الحديث، والحديث رواه مسلم
(1)
.
وفي رواية للبخاري: (فقال أبو موسى: فكيف تصنع بهذه الآية، فما درى عبد الله ما يقول)
(2)
.
*
الدليل الثاني من الآثار:
(462 - 316) ما رواه مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله،
عن أبيه عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء
(3)
.
[صحيح، وهو موقوف على ابن عمر].
(1)
البخاري (247)، ومسلم (368).
(2)
البخاري (346).
(3)
الموطأ (1/ 43)، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في الأم (1/ 15)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 117)، والدارقطني (1/ 144).
ورواه عبد الرزاق في المصنف (496) ومن طريقه الدارقطني (1/ 144)، عن معمر، عن الزهري به.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 49) حدثنا عبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن الزهري به.
(463 - 317) وروى عبد الرزاق، عن معمر وابن عيينة فرقهما، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة،
أن ابن مسعود قال: يتوضأ الرجل من المباشرة، ومن اللمس بيده، ومن القبلة إذا قبل امرأته، وكان يقول في هذه الآية:(أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)[المائدة: 6]، قال: هو الغمز
(1)
.
[أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وقد قال الحافظ ابن رجب: إن ما يرويه أبو عبيدة عن أبيه قد سمعه من آل بيته عنه، فيكون على الاتصال]
(2)
.
• وأجيب:
أولًا: أن هذا القول من ابن عمر وابن مسعود معارض بقول ابن عباس
(464 - 318) فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس، قال: هو الجماع
(3)
.
[صحيح عن ابن عباس]
(4)
.
(1)
المصنف (499، 550) ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 118)، والطبراني في الكبير (9/ 285).
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 49) حدثنا حفص وهشيم، عن الأعمش به. قال الهيثمي في المجمع (1/ 247): أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
(2)
انظر تحفة التحصيل (430).
(3)
المصنف (1/ 153).
(4)
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 154) وسعيد بن منصور في التفسير (641) والطبري في التفسير (7/ 65) عن هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير به، بلفظ: اللمس والمس والمباشرة الجماع، ولكن الله يكني ما شاء لما شاء.
وصرح هشيم بالتحديث في إسناد الطبري وسعيد بن منصور، ولم ينفرد به هشيم.
فراه الأثرم في سننه (149) من طريق شعبة،
وسعيد بن منصور في التفسير (640) أخبرنا أبو عوانة، كلاهما عن أبي بشر به.
…
وتوبع أبو بشر: فرواه ابن أبي حاتم في التفسير (5367) من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله:(أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) قال: الجماع.
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 153) وابن المنذر في الأوسط (1/ 116) من طريق حفص، عن الأعمش، عن حبيب، عن سعيد بن جبير به.
ورواه ابن المنذر في الأوسط (1/ 116) من طريق داؤد بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن سعيد بن جبير به.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (10826) والطبري في التفسير (3/ 464) عن الثوري، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: قال ابن عباس: الدخول، والتغشي، والإفضاء، والمباشرة، والرفث، واللمس، هذا الجماع، غير أن الله حيي كريم، يكني بما شاء عما شاء.
ورواه ابن المنذر أيضًا (1/ 116) من طريق عكرمة عن ابن عباس به، بلفظ أبي بشر المتقدم.
(465 - 319) وروى ابن أبي شيبة أيضًا من طريق عبد الملك بن ميسرة،
عن سعيد بن جبير قال: اختلفت أنا وأناس من العرب في اللمس، فقلت: أنا وأناس من الموالي: اللمس ما دون الجماع، وقالت العرب: هو الجماع، فأتينا ابن عباس، فقال: غلبت العرب، هو الجماع
(1)
.
[وإسناده صحيح].
وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر، وينظر في أقربهما إلى الصواب، وقد قدمنا أن في الآية قرينة على أن المراد باللمس هنا الجماع.
ثانيًا: أن القرآن أطلق المس وأراد به الجماع في آيات من كتاب الله، قال تعالى:(لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ)[البقرة: 236]، وقال:(إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)[الأحزاب: 49]، (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) [البقرة: 237].
قال ابن المنذر: وقد أجمع أهل العلم على أن رجلًا لو تزوج امرأة ثم مسها بيده أو قبلها بحضرة جماعة ولم يخل بها، فطلقها أن لها نصف الصداق، إن كان سمى لها صداقًا، والمتعة إن لم يكن سمى لها صداقًا، ولا عدة عليها، فدل إجماعهم على ذلك
(1)
المصنف (1/ 153)، وانظر تخريج الأثر الذي قبله.
أن الله إنما أراد في هذه الآيات الجماع، فإذا كان كذلك حكمنا اللمس بحكم المس إذ كان في المعنى واحدًا.
ثالثًا: أن قول ابن عمر وابن مسعود يحمل على ما إذا كان بشهوة، فلا دليل فيه للشافعية على الوضوء من مجرد اللمس، لأن الرجل لا يقبل امرأته كما يقبل أمه أو ابنته، وإنما يقبلها بدافع الشهوة، وكذلك المراد من قوله: أو جسها بيده، ولهذا قال ابن تيمية:«وأما وجوب الوضوء من مجرد مس المرأة لغير شهوة فهو أضعف الأقوال، ولا يعرف هذا القول عن أحد من الصحابة، ولا روى أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المسلمين أن يتوضؤوا من ذلك، مع أن هذا الأمر غالب لا يكاد يسلم منه أحد في عموم الأحوال، فإن الرجل لا يزال يناول امرأته شيئًا، وتأخذه بيدها، وأمثال ذلك مما يكثر ابتلاء الناس به، فلو كان الوضوء من ذلك واجبًا، لكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك مرة بعد مرة، ويشيع ذلك، ولو فعل لنقل ذلك عنه ولو بأخبار الآحاد، فلما لم ينقل عنه أحد من المسلمين أنه أمر أحدًا من المسلمين بشيء من ذلك مع عموم البلوى به، علم أن ذلك غير واجب»
(1)
.
وقال ابن تيمية أيضًا: «اللمس العاري عن الشهوة لا يعلق به حكم من الأحكام أصلًا، وهذا كقوله تعالى:(وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)[البقرة: 178]، فنهى العاكف عن مباشرة النساء مع أن العلماء يعلمون أن المعتكف لو مس امرأته بغير شهوة لم يحرم ذلك عليه، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدني رأسه إلى عائشة رضي الله عنها فترجله، وهو معتكف، ومعلوم أن ذلك مظنة مسه لها، ومسها له، وأيضًا فالإحرام أشد من الاعتكاف، ولو مسته المرأة لغير شهوة لم يأثم بذلك، ولم يجب عليه دم، وهذا الوجه يستدل به من وجهين: من جهة ظاهر الخطاب، ومن جهة المعنى والاعتبار؛ فإن خطاب الله تعالى في القرآن بذكر اللمس
(1)
مجموع الفتاوى (21/ 236) وما بعدها.