الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي والعشرون في تخفيف الوضوء المستحب
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
- يصح في النفل ما لا يصح في الفرض.
[م-146] الوضوء إذا كان مستحبًا له أن يمسح ما يجب غسله، وله أن يقتصر على بعض أعضاء الوضوء.
قال ابن مفلح: «توضأ علي فمسح وجهه ويديه ورأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثله.
قال شيخنا -يعني ابن تيمية- إذا كان مستحبًا له أن يقتصر على بعض الأعضاء كوضوء ابن عمر لنومه جنبًا إلا رجليه، وفي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل فأتى حاجته -يعني الحدث- ثم غسل وجهه ويديه ثم نام. وذكر بعض العلماء أن هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره»
(1)
.
(324 - 178) وحديث علي الذي أشار إليه ابن مفلح فقد أخرجه، أحمد، قال: ثنا بهز، ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة، قال:
(1)
الفروع (1/ 151).
رأيت عليًا رضي الله تعالى عنه صلى الظهر، ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتى بتور من ماء، فأخذ منه كفا، فمسح وجهه وذراعيه، ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله، فشرب قائمًا، وقال: إن ناسًا يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
أحمد (1/ 153).
(2)
رجاله ثقات.
والحديث أخرجه النسائي في الكبرى (133)، وفي الصغرى (130) قال: أخبرنا عمرو بن يزيد، قال: حدثنا بهز بن أسد به.
وأخرجه ابن الجعد في مسنده (459) وأبو داود الطيالسي في المسند (148) عن شعبة به. ومن طريق الطيالسي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5982)، وأخرجه أحمد (1/ 123) عن وكيع.
وابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 113)، والبزار في مسنده (782) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 34) من طريق وهب بن جرير.
وأخرجه أحمد (1/ 139) وابن خزيمة (16) من طريق محمد بن جعفر.
وأخرجه أحمد (1/ 139) حدثنا عفان.
وأخرجه الطحاوي (4/ 273) من طريق بشر بن عمر.
وأخرجه البخاري (5616) البيهقي في السنن (1/ 75) من طريق آدم، كلهم (بهز، وابن الجعد، والطيالسي، ووكيع، ووهب بن جرير، ومحمد بن جعفر) رووه عن شعبة، عن عبد الملك به. وهو في البخاري (5616) من طريق آدم عن شعبة، لكن بقصة الشرب قائمًا فقط.
واختلف على شعبة فيه:
فرواه البخاري (5616) حدثنا آدم، عن شعبة به، بلفظ: عن علي رضي الله عنه، أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت الصلاة، ثم أتي بماء فشرب وغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضلة، وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا، وإن النبي صنع مثل ما صنعت.
ورواه جعفر بن محمد القلانسي عن آدم، وخالف البخاري في لفظه، أخرجه البيهقي (1/ 75) من طريق أبي بكر محمد بن محمويه العسكري، أنا جعفر بن محمد القلانسي، نا آدم، نا شعبة به، وذكر الوضوء بالمسح.
…
وابن محمويه ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وجعفر بن محمد القلانسي، ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 163).
وقال الحافظ في اللسان: ذكره أبو جعفر بن بابويه في رجال الشيعة، فالصحيح عن آدم ما ذكره البخاري عنه من ذكر الغسل وليس المسح.
ورواه الطيالسي (148) عن شعبة به، وفيه: فغسل وجهه ويديه، ولم يذكر المسح.
وخالف آدم والطيالسي جماعة رووه عن شعبة، فذكروا أن عليًا مسح وجهه ويديه ورأسه ورجليه، منهم: محمد بن جعفر، وهو من أثبت أصحاب شعبة، ومنهم عفان ووكيع وبهز بن أسد، ووهب بن جرير، ولم ينفرد شعبة بذكر المسح، بل تابعه غيره، فقد تابعه الأعمش ومسعر ومنصور، وإليك تخريج رواياتهم:
وأخرجه أحمد (1/ 159) وأبو يعلى (368) وابن خزيمة (1/ 11، 101) وابن حبان (1057، 1340) من طريق منصور،
وأخرجه أحمد (1/ 78) والترمذي في الشمائل (210) من طريق الأعمش، كلاهما عن عبد الملك ابن ميسرة، به.
وأخرجه أحمد (1/ 144) حدثنا يزيد -يعني ابن هارون-.
وأبو يعلى في مسنده (309) من طريق محمد بن عبد الله بن الزبير
والبيهقي في السنن (7/ 281) من طريق أبي نعيم ثلاثتهم عن مسعر، عن عبد الملك به بذكر مسح أعضاء الوضوء.
وانظر لمراجعة طرق الحديث: أطراف المسند (4/ 479)، تحفة الأشراف (10293)، إتحاف المهرة (14782).
(325 - 179) وأما فعل ابن عمر، فأخرجه مالك في الموطأ، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب، غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم طعم أو نام
(1)
.
[إسناده في غاية الصحة]
(2)
.
(1)
الموطأ (1/ 48).
(2)
ومن طريق مالك أخرجه البيهقي (1/ 201).
وأخرجه عبد الرزاق (1077) عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، أن عمر استفتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أينام أحدنا، وهو جنب؟ قال: نعم ليتوضأ ثم لينم، حتى يغتسل إذا شاء، قال: وكان عبد الله بن عمر إذا أراد أن ينام وهو جنب صب على يده، ثم مضمض واستنثر،
…
ونضح في عينيه، وغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ثم نام، وإذا أراد أن يطعم، وهو جنب فعل مثل ذلك.
وأخرجه البيهقي (1/ 201) من طريق عبد الرزاق به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 60) والطحاوي (1/ 128) من طريق أيوب.
وأخرجه عبد الرزاق (1074) ومن طريقه أحمد (2/ 36) عن عبيد الله بن عمر، كلاهما عن نافع به.
وأخرجه عبد الرزاق (1088) عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، وجعل سؤل النبي صلى الله عليه وسلم من ابن عمر، والمحفوظ أن المرفوع منه عن عمر، والموقوف عن ابن عمر، والله أعلم.
واختلف العلماء في تفسير فعل ابن عمر، وكونه توضأ إلا رجليه،
فقال ابن تيمية كما سبق: إن الوضوء إذا كان مستحبًا وليس بواجب فله أن يقتصر على بعض أعضائه، وهذا قد يصح إذا سلم بأن الوضوء للجنب عند إرادة النوم مستحب، وليس بواجب، وفيه خلاف قوي جدًّا سوف أتعرض له في حينه إن شاء الله تعالى.
وقال ابن حجر: يحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه، على أن ذلك كان لعذر.
قلت: الأصل عدم العذر، ثم قوله:(وكان ابن عمر إذا أراد أن ينام، وهو جنب) ثم ذكر فعله، يدل على أن ذلك كان منه على الاستمرار، وليس لعارض أو عذر.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: لم يعجب مالكًا فعل ابن عمر، وأظنه أدخله -يعني في الموطأ- إعلامًا أن ذلك الوضوء ليس بلازم.
قلت: إذا كان ليس بلازم فلماذا يغسل معظم أعضاء الوضوء، ولو كان ابن عمر تركه بالكلية لكان ذلك مشعرًا بذلك، على أنه لا يتعدى أن يكون رأيًا لابن عمر، وفعل الصحابي ليس بحجة إلا إذا لم يخالف، والحجة فيما روى لا فيما رأى.
وقال الطحاوي: «هذا وضوء غير تام، وقد علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بوضوء تام، فلا يفعل هذا إلا وقد ثبت النسخ لذلك عنه» .اهـ
والطحاوي رحمه الله يتساهل في دعوى النسخ، حتى يرى فهم الصحابي للحديث نسخًا، والنسخ لا ينبغي أن يصار إليه إلا عند التعارض التام لدليلين شرعيين لم يمكن الجمع بينهما، وعلم المتأخر، وأما فهم الصحابي ورأيه لا ينسخ ما ثبت شرعًا.
والراجح والله أعلم فيما ظهر لي أن ابن عمر فهم أن هذا الوضوء هو الذي يتقدم غسل الجنابة، وقد ورد في صفة الوضوء عند الغسل للجنابة صفتان:
الأولى: أن يتوضأ وضوءًا كاملًا، ثم يغتسل.
الصفة الثانية: أن يتوضأ إلا موضع قدميه، ثم يغتسل، وكلا الصفتين ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسله للجنابة: فأخذ ابن عمر بإحدى الصفتين، وهذا فيه مجال للاجتهاد، وهل إذا توضأ للنوم، وأراد الاغتسال للجنابة يعيد الوضوء أم لا؟ هذه مسألة تحتاج إلى تأمل، والله أعلم.
* * *