الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وأجيب عن ذلك بأكثر من جواب:
الجواب الأول:
القول: بأن الأصل عدم الحدث، هذا ليس دليلًا شرعيًا، وإنما نحتاج إليه في مسألة ليس فيها نص، فنعمل بالأصل، وأما إذا وردت النصوص فهي أصل بنفسها، فلا تعارض بالنظر والاجتهاد، والله أعلم.
الجواب الثاني:
الشارع الذي قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا هو الذي أوجب الوضوء من النوم.
الجواب الثالث:
أن الشك قد يقوى حتى يصل إلى درجة الظن، والظن قد تعبدنا به بالجملة عند تعذر اليقين، ولذلك إذا شك المصلي في صلاته تحرى، والتحري ظن، قد يطابق الواقع وقد يخالفه، وإذا أمكن التحري عمل به، ولو لم يرد في النوم دليل خاص لكان مقيسًا على من زال عقله بإغماء أو جنون، فكيف وقد وردت أحاديث صحيحة في النوم بكونه ناقضًا للوضوء.
الجواب الرابع:
أن الوضوء من النوم تعارض فيه الظاهر والأصل، فالظاهر أن العين وكاء السه، فإذا نام استطلق الوكاء، والأصل عدم الحدث، والظاهر إذا قوي قدم على الأصل، ولهذا جاءت النصوص باعتبار النوم المستغرق حدثًا كما سيأتي ذكر الأدلة عليه إن شاء الله تعالى.
*
الدليل الرابع:
(414 - 268) حديث أنس، رواه مسلم، من طريق خالد هو ابن الحارث، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال:
سمعت أنسًا يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون، قال: قلت: سمعته من أنس؟ قال: إي والله
(1)
.
[زاد بعضهم: (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست محفوظة في الحديث، وزاد هشام: (حتى تخفق رؤوسهم) وليس فيها دليل على استغراق النوم؛ لأن الرأس قد تميل من النعاس، وزاد ابن أبي عروبة: (يضعون جنوبهم)، وزاد معمر عن قتادة، وإني أسمع لبعضهم غطيطًا، وهو ضعيف في قتادة]
(2)
.
(1)
مسلم (376).
(2)
هذا الإسناد يرويه عن قتادة جماعة من أصحابه، منهم شعبة، وهشام، وسعيد بن أبي عروبة، ومعمر، وأبو هلال، وبعضهم يزيد فيه ما ليس في حديث الآخر، وإليك بيان هذا الاختلاف.
الأول: شعبة، عن قتادة.
رواه خالد بن الحارث كما عند مسلم (376).
وأبو عامر العقدي كما عند أبي عوانة (738).
وشبابة كما في مسند أبي يعلى (3240).
وهاشم بن القاسم كما في شرح مشكل الآثار (3448)، أربعتهم عن شعبة، عن قتادة، ولم يختلف عليهم في لفظه:(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون لا يتوضؤون).
ورواه يحيى بن سعيد، عن شعبة، واختلف على يحيى فيه:
فرواه أحمد (3/ 277) عن يحيى به بلفظ خالد بن الحارث وأبي عامر العقدي وشبابة وهاشم بن القاسم، وما رواه أحمد عن يحيى موافقًا للجماعة أولى أن يكون مقدمًا في ألفاظ يحيى، وهو أجل من رواه عن يحيى، وكل من خالفه ممن رواه عن يحيى فهو دون أحمد بكثير.
ورواه محمد بن بشار، عن يحيى واختلف على ابن بشار فيه:
فرواه الترمذي (78) حدثنا محمد بن بشار، عن يحيى به بلفظ الجماعة، وهذا الطريق يوافق رواية أحمد عن يحيى، بل ويوافق رواية الجماعة عن شعبة.
ورواه أبو داود كما في مسائله للإمام أحمد (ص: 439).
والبيهقي (1/ 120) من طريق تمتام (محمد بن غالب)، كلاهما حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن شعبة به، بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يقومون، فيصلون ولا يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزاد فيه ابن بشار لفظ: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه محمد بن عبد السلام الخشني، عن محمد بن بشار كما في المحلى (1/ 213) من بلفظ:(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون، فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقومون إلى الصلاة). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومحمد بن عبد السلام الخشني ثقة، له ترجمة في تذكرة الحفاظ (2/ 649).
فهذه ثلاثة ألفاظ رواها محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد القطان، ولا شك أن الإمام أحمد مقدم على غيره:
أولًا: لإمامة أحمد رضي الله عنه في الحفظ والإتقان.
وثانيًا: أن ابن بشار قد اختلف عليه على ثلاثة ألفاظ، ولا شك أن الأئمة يقدمون الراوي الذي لم يختلف عليه في لفظ الحديث على الراوي الذي اختلف عليه في لفظه.
ثالثًا: أن الترمذي قد روى الحديث عن ابن بشار موافقًا للإمام أحمد، وما وافق الإمام أحمد مقدم على غيره.
رابعًا: أن ابن بشار قد تكلم فيه بعضهم، فكان ابن معين لا يعبأ به، ويستضعفه، وكان القواريري لا يرضاه، والحق أنه ثقة لكنه قد يسهو ويغلط من غير عمد، ولذلك قال أبو داود: لولا سلامة في بندار لترك حديثه.
ورواه عبد الأعلى كما في مسند البزار، ونقله الزيلعي في نصب الراية (1/ 47) وابن حجر في تلخيص الحبير (1/ 21) عن شعبة به، بلفظ:(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثم يقوم إلى الصلاة).
وأخشى أن يكون عبد الأعلى قد دخل عليه لفظ سعيد عن قتادة على لفظ شعبة عن قتادة، فأن عبد الأعلى قد رواه تارة عن شعبة، عن قتادة، وتارة عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، فقد رواه أبو داود في مسائله لأحمد (ص: 439)، قال: حدثنا ابن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بلفظ:(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضعون جنوبهم فينامون، فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ).
ولا يعرف هذا اللفظ عن شعبة إلا ما كان من رواية محمد بن عبد السلام الخشني، عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة كما في المحلى (1/ 213) ولا يمكن الركون إلى هذه الرواية، وابن بشار مختلف عليه يرويه على ثلاثة ألفاظ، وسبقت الإشارة إلى ذلك، وكل من رواه عن شعبة لا يذكرون هذه اللفظ.
وقد رواه الترمذي عن ابن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة بدون هذه الزيادة.
كما رواه أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة بدون هذه الزيادة.
كما رواه كخالد بن الحارث عند مسلم وأبو عامر العقدي عند أبي عوانة، وشبابة عند أبي يعلى وهاشم بن القاسم عند الطحاوي في المشكل، ويحيى بن سعيد القطان من رواية أحمد عنه، ومن رواية ابن بشار فيما رواه الترمذي عنه، كل هؤلاء رووه عن شعبة ولم يذكروا لفظ (يضعون جنوبهم).
فتبين من هذا أن لفظ شعبة تضمن زيادتين: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأولى: قوله: (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد بها محمد بن بشار في أحد ألفاظه للحديث، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة مخالفًا للإمام أحمد فلا أشك بشذوذ هذه اللفظة.
الثانية: زيادة (يضعون جنوبهم) جاءت من طريق عبد الأعلى، عن شعبة،
ومن طريق يحيى بن سعيد من رواية محمد بن بشار عنه، وقد اختلف على ابن بشار في لفظه على ثلاثة ألفاظ.
وزيادة (يضعون جنوبهم) يحتمل أن تكون محفوظة، لأنها جاءت من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة كما سيأتي، ويحتمل أن تكون غير محفوظة من حديث شعبة، لأن أكثر من رواه عن شعبة لا يذكرها، وإن كانت قد تكون محفوظة عن من طريق سعيد، عن قتادة.
هذا ما يمكنني أن أقوله عن رواية شعبة، عن قتادة، والله أعلم.
الطريق الثاني: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.
رواه سعيد بن أبي عروبة واختلف عليه في لفظ:
فرواه خالد بن الحارث كما في مسند أبي يعلى الموصلي (3199).
وعبد الأعلى كما في مسائل أبي داود لأحمد (ص: 439).
وعبدة بن سليمان كما في الأوسط لابن المنذر (48) ثلاثتهم عن سعيد، عن قتادة، عن أنس كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يضعون جنوبهم، فينامون، منهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ، وهذا لفظ.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، خالد بن الحارث وعبد الأعلى وعبدة ممن روى عن سعيد قبل اختلاطه، وأخرج الشيخان البخاري ومسلم حديث ابن أبي عروبة من طريق خالد بن الحارث وعبد الأعلى، عنه، وقد زاد فيه سعيد قوله:(كانوا يضعون جنوبهم).
قال أبو حاتم عن سعيد: هو قبل أن يختلط ثقة، وكان أعلم الناس بحديث قتادة.
وقال أبو داود الطيالسي: كان أحفظ أصحاب قتادة.
وقال يحيى بن معين كما في تهذيب الكمال (11/ 9): أثبت الناس في قتادة سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة، فمن حدثك من هؤلاء الثلاثة بحديث - يعني: عن قتادة- فلا تبالي أن لا تسمعه من غيره. اهـ
وإذا كان سعيد بن أبي عروبة من أثبت أصحاب قتادة، فإن خالد بن الحارث من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة، قال ابن عدي: وأثبت الناس عنه -يعني: عن ابن عروبة- يزيد بن زريع وخالد بن الحارث. اهـ
وخالفه ابن أبي عدي.
رواه أبو نعيم في مستخرجه على صحيح مسلم (829) من طريق بندار، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (282)، والمطالب العالية (147) حدثنا ابن المثني، كلاهما عن ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة به، بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يقومون، فيصلون، ولا يتوضؤون، قال: سمعته من أنس؟ قال: إي والله.
وابن أبي عدي وإن كان ثقة إلا أنه سمع من سعيد بعد اختلاطه. اهـ
ورواية ابن المثنى في مسائل أبي داود (439)، وفي مسند البزار (7077) يرويه عن عبد الأعلى. وقد اعتبره المحقق تصحيفًا، وصوب أنه عن ابن أبي عدي اعتمادًا على كشف البزار (282)، والمطالب العالية، وكلها من عمل ابن حجر، ويضاف إليه إتحاف الخيرة للبوصيري (1/ 354).
فهل هذا اختلاف على محمد بن المثنى، أو أن له شيخين في هذا الحديث، خاصة أن أبا نعيم في مستخرجه قد رواه من طريق بندار، عن ابن أبي عدي.
والذي يعنينا أن الراجح من رواية سعيد بن أبي عروبة، وجود زيادة (يضعون جنوبهم).
الطريق الثالث: هشام الدستوائي، عن قتادة.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 123) والدارقطني (1/ 131) عن وكيع،
وأخرجه أبو داود (200) ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن (1/ 119)، عن شاذ بن فياض،
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 153) من طريق وهب بن جرير، ثلاثتهم عن هشام، عن قتادة، عن أنس، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفقون برؤوسهم، ينتظرون صلاة العشاء، ثم يقومون، فيصلون، ولا يتوضؤون.
ولفظ ابن المنذر: ينعسون حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون، ولا يعيدون الوضوء.
وهذا سند رجاله كلهم ثقات، وزاد فيه هشام قوله:(يخفقون برؤوسهم) فإنها لم ترد من حديث قتادة إلا من طريق هشام. وخفقان الرأس يلزم منه الاستغراق في النوم، لأنه إذا خفق الرأس انتبه، وهي لحظة يسيرة، ولذلك جاءت كلمة (ينعسون) عند ابن المنذر.
وقد جاء لفظ: (حتى تخفق رؤوسهم) من غير طريق قتادة، لكن في سندها مبهم، فقد أخرج الشافعي في الأم (1/ 12) ومن طريقه أخرجه البغوي في شرح السنة (163) قال الشافعي: أخبرنا الثقة، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء، فينامون. أحسبه قال: قعودًا حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون.
هؤلاء كبار أصحاب قتادة: شعبة، وهشام، وسعيد بن أبي عروبة،
وقد انفرد كل واحد منهم بلفظ، وقد تبين لك شذوذ قوله:(على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قوله: (يضعون جنوبهم)، فرواها سعيد بن أبي عروبة، وهي محفوظة عنه، ووافقه عليها شعبة في بعض طرقه، إلا أن الأكثر عن شعبة عدم ذكرها، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= جاء في مسائل أبي داود (ص: 438): «سمعت أحمد بن حنبل يقول: اختلف شعبة، وسعيد، وهشام في حديث أنس:(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تخفق رؤوسهم ثم يصلون، ولا يتوضئون) في اللفظ، وكلهم ثقات.
فقوله: وكلهم ثقات هل يعني أن جميع الألفاظ صحيحة، مع قوله: اختلف شعبة وسعيد وهشام، أو يعني عدم وجود مرجح في هذا الاختلاف لكونهم في الضبط والاتقان على درجة واحدة، فيكون حكم باضطراب الحديث، أنا أميل إلى الثاني، ويرجحه أنه جاء في تلخيص الحبير (1/ 210):«قال الخلال: قلت لأحمد: حديث شعبة كانوا يضعون جنوبهم؟ فتبسم، وقال: هذا بمرة يضعون جنوبهم» . اهـ
فالعبارة عبارة تعليل، وليست تصحيح. والله أعلم.
الطريق الرابع: معمر، عن قتادة به،
أخرجه عبد الرزاق (483) عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة، وإني لأسمع لبعضهم غطيطًا - يعني: وهو جالس - فما يتوضؤون. قال معمر: فحدثت به الزهري، فقال رجل عنده: أو خطيطًا. قال الزهري: لا، قد أصاب غطيطًا.
وأخرجه الدارقطني (1/ 130) والبيهقي (1/ 120) من طريق ابن المبارك، أنا معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا. قال ابن المبارك: هذا عندنا، وهم جلوس. قال الدارقطني: صحيح.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا أن معمرًا انفرد عن قتادة بقوله: (وإني لأسمع لبعضهم غطيطًا) ولم يذكر هذه الزيادة أصحاب قتادة المقدمين فيه، من أمثال شعبة وهشام وسعيد ابن أبي عروبة، ورواية معمر عن قتادة فيها كلام، قال ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري (1/ 299): قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: قال معمر: جلست إلى قتادة، وأنا صغير، لم أحفظ عنه الأسانيد. قال الدارقطني في العلل: معمر سيء الحفظ لحديث قتادة. اهـ
وبالتالي تكون رواية سماع الغطيط زيادة منكرة.
وأما تصحيح الدارقطني مع كون هذا التصحيح في السنن، وليس في العلل، وبينهما فرق كبير فلعله يقصد تصحيح الحديث في الجملة وليس لهذه اللفظ، باعتبار أن مسلمًا قد أخرج هذا الحديث، وقد رواه الطبقة الأولى من أصحاب قتادة مثل شعبة وهشام وسعيد بن أبي عروبة، ولم يقصد تصحيح ما خالف فيه معمر أصحاب قتادة، لأني سبق أن نقلت عن الدارقطني قوله: معمر سيء الحفظ لحديث قتادة.
الطريق الخامس: أبو هلال الراسبي، عن قتادة. =
• وأجيب عن هذا الحديث:
الجواب الأول:
هناك أحاديث صحيحة موجبة للوضوء من النوم فإما أن نحاول أن نجمع بينها وبين هذا الحديث، وإما أن نقول بالتعارض:
واختلف العلماء في الجمع بينهما:
فقال بعضهم: المراد منه نوم الجالس الممكن مقعدته، حمله على هذا ابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي والشافعي كما في تلخيص الحبير
(1)
.
لكن يمنع منه زيادة (يضعون جنوبهم) على القول بصحة هذه الزيادة.
(2)
.
وجمع بعض العلماء بين هذا الحديث وأحاديث النقض بالنوم؛ بأن النوم ليس
= أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (3444) والدارقطني في السنن (1/ 130) من طريقين عن أبي هلال به، بلفظ: كنا نأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ننتظر الصلاة، فمنا من ينعس وينام، أو ينعس، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وهذا إسناد فيه لين، أبو هلال الراسبي قال فيه الحافظ في التقريب: صدوق فيه لين، ومع ذلك فالنعاس مقدمات النوم:(فمنا من ينعس وينام، أو ينعس) والله أعلم.
هذا ما وقفت عليه من طرق الحديث، والجزم بأن لفظة (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست محفوظة في الحديث، لتفرد محمد بن بشار بها، عن يحيى بن سعيد.
انظر أطراف المسند (1/ 490)، تحفة الأشراف (1271)، إتحاف المهرة (1500، 1619).
(1)
سنن الترمذي (78)، والدارقطني (1/ 130، 131)، وتلخيص الحبير (1/ 210).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 393).
حدثًا ينقض الوضوء على أي وضع كان، وإنما هو سبب للحدث، فالنوم الخفيف الذي لا يكون معه غياب للعقل لا يوجب الوضوء، وهذا هو المراد من فعل الصحابة رضي الله عنهم، وأحاديث النقض بالنوم يقصد بها النوم الثقيل الذي يغيب معه الوعي.
قال القرطبي في المفهم: «وهذا النوم في هذه الأحاديث هو الخفيف المعبر عنه بالسنة التي ذكرها الله تعالى في قوله تعالى: (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)
…
قال المفضل: السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب».اهـ
وقال ابن حبان في صحيحه: «الرقاد له بداية ونهاية، فبدايته النعاس الذي هو أوائل النوم، وصفته أن المرء إذا كلم فيه سمع، وإن أحدث علم، إلا أنه يتمايل تمايلًا، ونهايته زوال العقل، وصفته أن المرء إذا أحدث في تلك الحالة لم يعلم، وإن كلم لم يفهم، فالنعاس لا يوجب الوضوء على أحد، قليله وكثيره على أي حالة كان الناعس، والنوم يوجب الوضوء على من وجد على أي حالة كان النائم على أن اسم النوم قد يقع على النعاس، والنعاس على النوم، ومعناهما مختلفان، والله عز وجل فرق بينهما بقوله:(لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) إلخ كلامه رحمه الله تعالى
(1)
.
وإن قلنا بالتعارض فإن الأحاديث الموجبة للوضوء ناقلة عن البراءة الأصلية فتكون مقدمة على غيرها، والأولى القول بالجمع؛ لأنه لا يصار إلى التعارض والجمع ممكن.
الجواب الثاني:
إذا كانت لفظة (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ترد إلا من رواية محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، وقد خالفه فيها الأمام أحمد، حيث روى الحديث عن يحيى بدونها، كما رواه جماعة عن شعبة بدونها، وإذا لم تكن لفظة (على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
صحيح ابن حبان (3/ 383).