الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثناء الفاتحة سكوتًا طويلًا لغير عذر وجب عليه إعادة قراءتها، ولو كان السكوت من أجل قراءة الإمام أو فَصَلَ بذكر مشروع كالتأمين ونحوه لم تبطل الموالاة، فإذا كان ذلك كذلك مع أن الموالاة في الكلام أوكد من الموالاة في الأفعال، فإذا فرق بين أفعال الوضوء لعذر لم يكن ذلك قاطعًا للموالاة.
*
الدليل الثالث:
القياس على الطواف والسعي، ومعلوم أن الموالاة في الطواف والسعي أوكد منه في الوضوء، ومع هذا فتفريق الطواف لمكتوبة تقام، أو صلاة جنازة تحضر ثم يبني الطواف ولا يستأنف، فإذا كان مثل هذا التفريق جائزًا فالوضوء أولى بذلك.
*
الدليل الرابع:
(370 - 224) ما رواه البخاري، من طريق ابن سيرين،
عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي -قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا- قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له: ذو اليدين قال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم فتقدم فصلى ما ترك. الحديث ورواه مسلم بنحوه
(1)
.
فإذا كانت الصلاة يجب فيها الترتيب والموالاة فلا يجوز تقديم السجود على الركوع، ولا يجوز أن يفرق بين أفعالها بما ينافيها، ثم مع ذلك إذا فرق بينها لعذر، كما في هذا الحديث، فقد سلم الرسول صلى الله عليه وسلم ساهيًا، وفصل بين أبعاض الصلاة بالقيام
(1)
البخاري (482) ومسلم (573).
إلى الخشبة والاتكاء عليها، وتشبيك أصابعه، ووضع خده عليها، والكلام منه، ومن ذي اليدين، ومع ذلك أتم الصلاة، ولم يكن هذا التفريق والفصل مانعًا من الإتمام، ومعلوم أنه لو فعل ذلك عمدًا لأبطل الصلاة بلا نزاع، فإذا كانت الصلاة التي لم تشرع إلا متصلة لا يستوي تفريقها في حال العذر وعدمه، فكيف يستوي تفريق الوضوء في حال العذر وعدمه؟ مع أن الوضوء أفعال منفصلة لا يجب اتصالها بالاتفاق
(1)
.
وهذا القول هو الراجح لقوة أدلته، وعدم المعارض لها، والله أعلم.
* * *
(1)
نقلت جل أدلة المالكية بشيء من التصرف من مجموع الفتاوى (21/ 135).
مبحث
في حد الموالاة
مدخل في ذكر الضابط الفقهي:
• أجمع العلماء على التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر.
[م-177] معنى الموالاة عند الفقهاء مأخوذ من المعنى اللغوي:
فالموالاة في اللغة هي التتابع، والموالاة في الوضوء: تتابع أفعال الوضوء من غير تفريق
قال بعضهم في تعريف الموالاة: ألا يشتغل المتوضئ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه
(1)
.
وقيل: أن يفعل الوضوء كله في فور واحد من غير تفريق
(2)
.
إلا أن التفريق تارة يكون يسيرًا، وتارة يكون كثيرًا، وكل واحد له حكم.
فالتفريق اليسير لا يضر على الصحيح، وحكي فيه الإجماع.
قال النووي: في المجموع: التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع
(1)
بدائع الصنائع (1/ 22)
(2)
التاج والإكليل (1/ 322).
الأمة، نقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما
(1)
.
وقال الحطاب من المالكية: التفريق اليسير لا يضر، ولو كان عمدًا.
قال القاضي عبد الوهاب: لا يختلف المذهب فيه، وحكى الاتفاق في ذلك
…
ابن الفاكهاني عن عبد الحق.
واختار بعض المالكية ومنهم ابن الجلاب المنع حتى في التفريق اليسير إذا لم يكن هناك عذر.
وقال ابن ناجي في شرح المدونة: ولا خلاف في أن التفريق اليسير مكروه -يعني: من غير عذر-.
قال الحطاب: وجه الكراهة ظاهر إذا كان التفريق لغير عذر وبذلك صرح الشبيبي في شرح الرسالة فقال: وأما التفرقة اليسيرة فغير مفسدة بغير خلاف إلا أنها تكره من غير ضرورة
(2)
.
والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وإذا ضبطنا الحد الذي تفوت فيه الموالاة لم يدخل في ذلك التفريق اليسير، وبالتالي لم تفقد الموالاة أصلًا حتى يكون هناك منع أو حتى كراهة.
وأما كلام أهل العلم في ضابط التفريق الكثير فهناك أقوال:
فقيل: الموالاة: هي التتابع في الأفعال من غير أن يتخللها جفاف عضو مع اعتدال الهواء، قال ابن عابدين: وظاهره أنه لو جف العضو الأول بعد غسل الثاني لم يكن ولاء. وهذا قول في مذهب الحنفية
(3)
.
وهو يشترط أن يفرغ من وضوئه قبل أن يجف أي عضو من أعضائه، فإن جف
(1)
المجموع (1/ 478).
(2)
انظر مواهب الجليل (1/ 224).
(3)
حاشية ابن عابدين (1/ 122).
عضو منها فهو تفريق كثير، وهذا أشد ما قيل في الولاء.
وقيل: إذا مضى بين العضوين زمن يجف فيه العضو المغسول مع اعتدال الزمن وحال الشخص، فهو تفريق كثير، وإلا فقليل، ولا اعتبار بتأخر الجفاف بسبب شدة البرد، ولا بتسارعه بشدة الحر، ولا بحال المبرود والمحموم، ويعتبر بالعضو الذي قبله، فلو أنه مسح رأسه قبل أن تنشف يداه، وبعد أن نشف الوجه فلا يضر.
وهذا قول في مذهب الحنفية
(1)
، وهو المشهور من مذهب الشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
قال النووي: هذا القول هو الصحيح الذي قطع به الجمهور
(4)
.
وقيل: هو الطويل المتفاحش. وهو مذهب المالكية
(5)
، وقول في مذهب الشافعية
(6)
، واختاره ابن عقيل من الحنابلة.
قال في مواهب الجليل: الموالاة: هي الإتيان بجميع الطهارة في زمن متصل من غير تفريق فاحش
(7)
.
وقال في المغني عن ابن عقيل الحنبلي: حد التفريق المبطل: ما يفحش في العادة؛ لأنه لم يحد في الشرع، فيرجع فيه إلى العادة كالإحراز والتفرق في البيع
(8)
.
(1)
قال في الفتاوى الهندية (1/ 8): الموالاة: وهي التتابع، وَحَدُّهُ: أن لا يجف الماء على العضو قبل أن يغسل ما بعده في زمان معتدل ولا اعتبار بشدة الحر والرياح ولا شدة البرد ويعتبر أيضًا استواء حالة المتوضئ كذا في الجوهرة النيرة. اهـ وانظر أيضًا حاشية ابن عابدين (1/ 122).
(2)
المجموع (1/ 478).
(3)
الفروع (1/ 154)، الإنصاف (1/ 140)، المغني (1/ 94).
(4)
المجموع (1/ 478).
(5)
حاشية الدسوقي (1/ 90، 91)، الخرشي (1/ 127) مواهب الجليل (1/ 224).
(6)
المجموع (1/ 478).
(7)
مواهب الجليل (1/ 224).
(8)
المغني (1/ 94).
وقيل: الكثير قدر يمكن فيه إتمام الطهارة، ذكره النووي في المجموع
(1)
.
وأجد أقوى الأقوال هو قول ابن عقيل الحنبلي، وذلك لأن كل شيء ليس له حد في الشرع ولا في اللغة مرده إلى العرف والعادة، فما عده الناس كثيرًا فهو كثير، وما عدوه قليلًا فهو قليل، ولا عبرة بتقدير المصاب بالوساوس، لأن زمن الطهارة يأخذ منه وقتًا كثيرًا، والله أعلم.
وبهذا البحث نكون قد فرغنا من الكلام على شروط الوضوء وسننه وآدابه وفرائضه، وسوف نتكلم إن شاء الله تعالى بحوله وقوته على نواقض الوضوء لنكون بهذا قد أتممنا الكلام على مباحث الوضوء، والله الموفق.
* * *
(1)
المجموع (1/ 478).