الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء، وُضِع على سريره في بيته، ثم دخل الناس على رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أَرسالًا، يُصلون عليه، حتى إذا فرغوا أَدخلوا النساء، حتى إذا فرغوا أَدخلوا الصبيان، ولم يَؤُمَّ الناس على رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أحدٌ.
لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يُحفر له، فقال قائلون: يُدْفَنُ في مسجده، وقال قائلون: يُدفَنُ مع أصحابه، فقال أبو بكر: إني سمعتُ رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: "ما قُبضَ نبيٌّ إلا دُفِنَ حيث يُقْبَضُ" قال، فرفعوا فراش رسول الله -صلي الله عليه وسلم- الذي توفي عليه، فحفروا له، ثُمَّ دُفِنَ صلى الله عليه وسلم وسط الليل من ليلة الأربعاء، ونزل في حُفْرَتِه علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقُثَم أخُوه، وشُقْران مولى رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، وقال أوس بن خَوْلي، وهو أبو ليلى لعلي بن أبي طالب: أنْشُدُكَ الله وحظَّنا من رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، قال له علي: انْزِلْ، وكان شُقْرانُ مولاه، أخذ قطيفةً كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يلبسُها، فدَفَنها في القبُر وقال: والله! لا يلبَسُها أحدٌ بعدَكَ أبدًا، فدُفِنَتْ مع رسول الله -صلي الله عليه وسلم-.
هذا الحديث رُوي من أوجه كثيرة كما سيأتي تخريجها كاملا في سيرة النبي -صلي الله عليه وسلم- العطرة.
وخلاصته أنه حسن، وعمل به الصحابةُ رضوان الله عليهم، ولم يخالفْه أحدٌ فصار كالإجماع.
وأما صلاة الناس على النبي -صلي الله عليه وسلم- أفرادًا فمجتمع عليه عند أهل السير، وأهل النقل فإنهم لا يختلفون فيه كما قال الحافظ ابن عبد البر. انظر "التمهيد"(24/ 394 - 402).
وقد قيل: بلغ المصلون على النبي -صلي الله عليه وسلم- ثلاثين ألفًا.
وأما ما رُوي عن ابن مسعود في وصية النبي -صلي الله عليه وسلم- أن يغسله رجال أهل بيته، وأنه قال: كفِّنوني في ثيابي هذا، أو في يمانية، أو بياض مصر، وأنه إذا كفَّنوه يضعونه على شفر قبره، ثم يخرجون عنه حتى تُصلي عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم الناس بعدهم فرادي، الحديث بتمامه سيأتي في موضعه.
رواه البيهقي والبزار من حديث مرة، عن ابن مسعود، قال الحافظ ابن كثير في "تاريخه" (5/ 265):"في صحته نظر".
فقه هذا الباب:
استدل أهل العلم بصلاة الصحابة على النبي -صلي الله عليه وسلم- أرسالًا وفرادى بأنه يسقط الفرض لو صلوا على جنازة فرادي لإجماع الصحابة على ذلك، ولكن السنة أن تُصلى بالجماعة لمواظبة النبي -صلي الله عليه وسلم- طيلة حياته، والصحابة بعده والمسلمون.
12 - باب ما جاء في أربع تكبيرات على الجنائز
• عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلي الله عليه وسلم- صلَّى على أصحمة النجاشي فكبَّر أربعًا.
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1334)، ومسلم في الجنائز (952) كلاهما من حديث
سَليم بن حَيَّان، حدثنا سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد الله فذكره.
• عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصفَّ بهم وكبَّر أربع تكبيرات.
متفق عليه: رواه مالك في الجنائز (14) عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكره.
ورواه البخاري في الجنائز (1245) عن إسماعيل، ومسلم في الجنائز (951) عن يحيى بن يحيى -كلاهما عن مالك به مثله.
• عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبَّر عليها أربعًا، ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثًا.
حسن: رواه ابن ماجه (1565) عن العباس بن الوليد، قال: حدثني يحيى بن صالح، قال: حدثنا سلمة بن كلثوم، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكر الحديث غير أنه لم يذكر "فكبَّر عليها أربعًا" وإنما رواه المِزِّي في ترجمة سلمة بن كلثوم (2450) بإسناده عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود، قال: حدثنا العباس بن الوليد بن صُبح الخلال بإسناده.
قال أبو بكر بن أبي داود: "ليس يُروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح "أنّه كبَّر على جِنازة أربعًا" إلا هذا. ولم يروه إلا سلمة، إنما يُروي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كبَّر على النجاشي أربعًا، وأنه صلى على قبر فكبَّر أربعًا".
ونقل المنذري في مختصر أبي داود كلام أبي بكر بن أبي داود ولفظه هكذا: "ليس يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح: "أنه كبَّر على جنازة أربعًا" إلا هذا. ولم يروه إلا سلمة بن كلثوم، وهو ثقة من كبار أصحاب الأوزاعي، قال: وإنما يُروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت أنه "كبّر على قبر أربعًا" و"أنه كبَّر على النجاشي أربعًا" وأما على جنازة هكذا فلا، إلا حديث سلمة بن كلثوم" قال المنذري: هذا آخر كلامه.
وفيه تصحيح هذا الحديث من ابن أبي داود.
قلت: وإسناده حسن من أجل سلمة بن كلثوم فإنه حسن الحديث لا يرتقي إلى درجة "ثقة".
• عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على النجاشي فكبَّر أربعًا.
حسن: رواه ابن ماجه (1538) عن سهل بن أبي سهل، قال: حدثنا مكي بن إبراهيم أبو السكن، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر فذكره.
وإسناده حسن لأجل سهل بن أبي سهل، وهو ابن زنجلة، قال أبو حاتم:"صدوق"، واعتمده الحافظ في "التقريب"، وذكره ابن حبان في "الثقات".
وأما ما رُوي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كبَّر على النجاشي خمسًا فهو باطل، رواه الجوزقاني في "الأباطيل" (427) وقال:"هذا حديث باطل، وسعيد بن المرزبان هذا كان أعور من أهل الكوفة، قال أبو حفص عمرو بن علي: هو ضعيف الحديث، وقال يحيى بن معين: هو ليس بشيء، وعكاشة بن محصن هذا مجهول، هو ليس بعكاشة بن محصن الأسدي الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم"، انتهى.
وعلق عليه الدكتور الفريوائي محقق كتاب "الأباطيل" قائلًا: "لعله سقط من السند لفظ "ابن" كان فيه عن ابن عكاشة، والمراد به محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عكاشة بن محصن أحد المتروكين، نسب إلى جده الأعلى، وهو مذكور في "التهذيب" (9/ 430) انتهى.
• عن الشعبي قال: أخبرني من شهد النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه أتى على قبر منبوذ فصَفَّهم وكبَّر أربعًا.
قلت: يا أبا عمرو! من حدَّثك؟ . قال: ابن عباس رضي الله عنهما.
صحيح: رواه البخاري في الجنائز (1319) عن مسلم، (وهو ابن إبراهيم) حدثنا شعبة، حدثنا الشيباني، عن الشعبي فذكره، وسيأتي مفصلًا.
• عن يزيد بن ثابت، وكان أكبر من زيد، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما ورد البقيعَ فإذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقالوا: فُلانة، قال: فعرفها وقال: "ألا آذنتموني بها" قالوا: كنتَ قائلًا صائمًا، فكرهنا أن نؤذيك، قال:"فلا تفعلوا، لا أعرفنَّ ما مات منكم ميت، ما كنت بين أَظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه له رحمةٌ" ثم أتى القبر، فصفَفنا خلقَه، فكبَّر عليه أربعًا.
صحيح: رواه النسائي (2022)، وابن ماجه (1528) كلاهما من حديث عثمان بن حكيم الأنصاري، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت فذكره، وإسناده صحيح.
وصحَّحه أيضًا ابن حبان (3087) ورواه من هذا الوجه.
• عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف أنه قال: اشتكت امرأة بالعوالي مسكينةٌ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسألُهم عنها، وقال: إن ماتت فلا تُدفنوها حتى أصلي عليها، فتوفيت فجاؤا بها إلى المدينة بعد العتمة، فوجدوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد نام، فكرهوا أن يُوقِظوه، فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤا فسألهم عنها، فقالوا: قد دُفنت يا رسول الله، وقد جئناك فوجدناك نائمًا فكرهنا أن نوقظك، قال:"فانطلقوا" فانطلق يمشي، ومشوا معه حتى أرَوه قبرها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا وراءه فصلى عليها وكبر أربعًا.
صحيح: رواه النسائي (1969) عن يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل فذكره.
والحديث صحيح إلا أن أبا أمامة بن سهل واسمه أسعد مشهور بكنيته له رؤية ولم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وليس هو أبو أمامة الباهلي الصحابي المشهور، وأقام البيهقي (4/ 48) إسناد هذا الحديث فرواه من طريق الأوزاعي. قال: أخبرني ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف الأنصاري أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم، ويتبع جنائزهم، ولا يصلي عليهم أحد غيره، وإن امرأة مسكينة من أهل العوالي
…
فذكر بقية الحديث مثله، وزاد فيه بعض التفاصيل، وفيه:"أنه كبَّر أربعًا كما يكبر على الجنائز".
• عن أبي يعفور، عن عبد الله بن أبي أوفي قال: شهدته، وكبَّر على جنازة أربعًا، ثم قال ساعة يعني يدعو، ثم قال: أتروني كنتُ أكبر خمسًا؟ قالوا: لا. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكبر أربعًا.
صحيح: رواه البيهقي (4/ 35) من طرق عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا السري بن يحيى، ثنا قبيصة، ثنا الحسن بن صالح، عن أبي يعفور فذكره.
ورواه أيضًا إبراهيم الهجري، عن ابن أبي أوفى بمعناه إلا أنه قال: قالوا: قد رأينا ذلك. قال: ما كنت لأفعل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكبر أربعًا، ثم يمكث ما شاء الله، وذكر فيه قصة وهي أن ابنة له ماتت، وكان يتبع جنازتها على بغلةٍ خلفَها، فجعل النساء يبكين، فقال: لا ترثين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المرائي، فتفيض إحداكن من عَبرتها ما شاءت، ثم كبَّر عليها أربعًا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا.
رواه الإمام أحمد (19140) عن حسين بن محمد، حدثنا شعبة، عن إبراهيم الهَجري، عن عبد الله بن أبي أوفي فذكره.
إلا أن إبراهيم هو ابن مسلم الهَجري ضعيف، ولذا تعقب الذهبي على الحاكم (1/ 359 - 360) في قوله:"هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وإبراهيم بن مسلم الهجري لم يُنقم عليه بحجة" قال: "ضعَّفوا إبراهيم".
وهذا الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه (1503) وضعَّفه البوصيري في الزوائد من أجل إبراهيم الهجري.
قلت: إن كانت القصة غير صحيحة فأصل الحديث صحيح كما رأيت من طريق أبي يعفور، ولكن يُعكر هذا ما قاله الطبراني في الصغيره (268) بأن الحديث المشهور الذي رواه أبو يعفور عن ابن أبي أوفي هو قوله: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، نأكل فيهن الجراد، هكذا قال: ولا يعد من أبي يعفور وهو ثقة ضابط أن يروي عن ابن أبي أوفي حديثين مستقلين، فلا يُضعَّفُ