الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قتادة، فزيادته مقبولة، ولا تضرّ مخالفة من خالفه.
في حين إني إلى الآن لم أقف على رواية غير سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وقد رواه أبو يعلى في "مسنده" في موضعين (2536)، و (2755) عن عبيد الله بن عمر القواريريّ، عن خالد بن الحارث، حدّثنا سعيد (أي ابن أبي عروبة)، عن قتادة، بإسناده، مثله.
12 - المبايعة على عدم سؤال الناس شيئًا
• عن عوف بن مالك الأشجعيّ، قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ: "أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ ". وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ قَالَ: "أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ ". فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ ". قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَعَلامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: "عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا -وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً- وَلا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا".
فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ.
صحيح: رواه مسلم في الزكاة (1043) من طريق مروان بن محمد الدّمشقيّ، ثنا سعيد، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي مسلم الخولانيّ، عن عوف بن مالك الأشجعيّ، فذكر الحديث.
13 - باب ما جاء من الترهيب من المسألة
• عن عبد الله بن عمر، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (1474)، ومسلم في الزكاة (1040: 104) كلاهما من طريق الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن حمزة بن عبيد الله بن عمر، أنه سمع أباه، فذكر الحديث.
وقوله: "مُزعة لحم" بضم الميم معناه: القطعة الصغيرة من اللّحم.
• عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الْمَسْأَلَةُ كُدُوحٌ فِي وَجْهِ صَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ بَدَنَ فَلْيَسْتَبْقِ عَلَى وَجْهِهِ وَأَهْوَنُ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةُ ذِي الرَّحِمِ تَسْأَلُهُ فِي حَاجَةٍ، وَخَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".
صحيح: رواه الإمام أحمد (5680) عن أبي النّضر، حدّثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه، عن ابن عمر، قال (فذكره). وإسناده صحيح.
وقال الهيثميّ في "المجمع"(3/ 96): "رجاله رجال الصحيح".
قلت: وهو كما قال، إسحاق بن سعيد هو ابن عمرو بن العاص الأمويّ، وأبوه سعيد بن عمرو ابن سعيد بن أبي العاص الأمويّ، ثم الدّمشقيّ، كلاهما من رجال الصحيح.
وقوله: "كدوح" سيأتي معناه.
وقوله: "خير المسألة" هكذا في المسند، ومجمع الزوائد، وهكذا أيضًا في شعب الإيمان للبيهقي (3510) رواه من طريق أبي النّضر، والمشهور "خير الصّدقةِ عن ظهر غنى" كما تقدّم، وعلى تقدير صحة هذا اللفظ فمعناه أن الإنسان إذا احتاج إلى المسألة فليسأل الغني اللائق الذي يتصدق عن ظهر غني.
• عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (1465)، ومسلم في الزكاة (1052: 123) كلاهما من طريق هشام الدّستوائيّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، فذكره في حديث طويل يأتي بتمامه في موضعه.
• عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ".
صحيح: رواه مسلم في الزّكاة (1041) من طرق، عن ابن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، فذكره.
وأمّا ما رُوي عن عمر بن الخطاب مرفوعًا: "من سأل الناس ليُثْري ماله، فإنّما هو رَضْفٌ من النار يتلهبه من شاء فليقلّ، ومن شاء فليكثر". فهو ضعيف.
رواه ابن حبان (3391) عن أبي عروبة، قال: حدّثنا المغيرة بن عبد الرحمن الحرانيّ، حدّثنا يحيى بن السكن، قال: حدّثنا حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ، عن مسروق، قال: قال عمر، فذكره.
وفيه يحيي بن السكن البصريّ، قال أبو حاتم:"ليس بالقوي". الجرح والتعديل (9/ 155).
وقد رُوي موقوفًا على عمر، رواه ابن أبي شيبة (3/ 209) عن أبي معاوية، عن داود، عن الشعبيّ، قال: قال عمر (فذكره موقوفًا عليه) وهذا أصح.
قوله: "الرَّضْف" بفتح الرّاء، وسكون الضّاد المعجمة بعدها فاء: الحجارة المحماة.
• عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ فِي وَجْهِهِ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْغِنَى؟ قَال:"خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِن الذَّهَبِ".
قَالَ يَحْيَى بن آدم: فَقَالَ عبد الله بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ: حِفْظِي أَنَّ شُعْبَةَ لا يَرْوْي عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الرحمن بْنِ يَزِيدَ.
صحيح: رواه أبو داود (1626) -واللّفظ له-، والترمذيّ (650)، والنسائي (2593)، وابن ماجه (1840) كلّهم من طريق يحيى بن آدم، حدّثنا سفيان، عن حكيم بن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله، فذكره إلّا أنّ الترمذي فقد رواه من وجه آخر عن شريك، عن حكيم بن جبير بإسناده، وقال:"حديث حسن، وقد تكلّم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث".
ثم رواه أيضًا (651) من طريق يحيي بن آدم، بإسناده، مثله.
ومن هذا الوجه رواه الحاكم (1/ 407) إلا أنه سكت عليه.
ورواه أحمد (3675) عن وكيع، عن سفيان، عن حكيم بن جبير، بإسناده.
وإسناده صحيح من طريق زبيد وهو ابن الحارث الياميّ وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين.
وأما حكيم بن جبير فهو ضعيف جدًّا، ضعّفه ابن معين وأحمد، وغيرهما، وقال الدارقطني:"متروك".
فكأنّ الحديث عند سفيان كان على وجهين: أحدهما عن حكيم بن جبير، والثاني عن زيد بن الحارث، كلاهما عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه.
ومحمد وأبوه عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعيّ كلاهما ثقة، وأبوه من رجال الشيخين، فلا وجه لكلام شعبة على حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث، وهو وإن كان ضعيفًا في محمد بن عبد الرحمن، فالحديث صحيح من وجه آخر.
قال الترمذي: "والعمل على هذا عند بعض أصحابنا، وبه يقول الثوريّ، وعبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق، قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهمًا لم تحل له الصدقة".
وقال: "ولم يذهب بعض أهل العلم إلى حديث حكيم بن جبير ووسّعوا في هذا، وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر وهو محتاج، فله أن يأخذ من الزكاة وهو قول الشافعي وغيره من أهل الفقه والعلم".
وقوله: "خموش" هو مثل "خدوش" وزنًا ومعنى.
و"الكدوح": آثار الخدوش، وكلّ أثر من خدش أو عضّ أو نحوه فهو كدوح، ومنه يقال
للحمار الوحشي: مكدَّح؛ لأنّ الحمر تعضضُه.
• عن سمرة بن جندب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلا أَنْ يَسْأَلُ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَوْ فِي أَمْرٍ لا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا".
صحيح: رواه أبو داود (1639)، والنسائي (2600)، والترمذيّ (681) كلّهم من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن عقبة الفزاريّ، عن سمرة بن جندب، فذكره.
إلّا أن الترمذي فقد رواه من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، وقال:"حديث حسن صحيح".
وصحّحه أيضًا ابن حبان (3397) من طريق شعبة، ومن طريق آخر (3386) كلاهما عن عبد
الملك بن عمير، بإسناده مثله.
وفي رواية: "يسأل الرجل سلطانا" أي الذي بيده بيت المال، فيعطه منه إن كان مستحقًا.
وفي لفظ للترمذيّ: "كدٌّ يكدّ بها الرجل وجهه" والكَدّ -بفتح الكاف، وتشديد الدال- وهو الشّدة في العمل، وطلب الكَسْب، فيحصل منه التّعب والنّصب في الوجه.
• عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الرّجلَ منكم ليأتيني فيسألني فأُعطيه فينطلق، وما يحملُ في حضنه إلّا النّار".
صحيح: رواه عبد بن حميد (1113) عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، فذكره. وإسناده صحيح.
وصحّحه ابن حبان (3392)، ورواه من هذا الوجه.
وأما ما رُوي عن جابر، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من سأل وهو غني عن المسألة يُحشر يوم القيامة، وهو خموش في وجهه".
رواه الطبرانيّ في "الأوسط"(5463) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا أبي، قال: وجدتُ في كتاب أبي، عن إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، فذكره.
ومجالد هو ابن سعيد بن عمير من رجال مسلم إلا أنه ضعيف، وكان البخاريّ حسن الرأي فيه.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان إلّا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة.
قلت: لا يحتمل تفرّد محمد بن عثمان بن أبي شيبة؛ لأنه مختلف فيه، فكذبه عبد الله بن أحمد ابن حنبل، وقال ابن خراش: كان يضع الحديث.
وقال الدارقطني: "أخذ كتاب نمير فحدّث به".
ومشّاه ابن عدي فقال: "لم أرَ له حديثًا منكرًا، وهو على ما وصفه عبدان لا بأس به"، ووثقه صالح جزرة.
والخلاصة أنه إذا توبع فلا بأس به، أما إذا تفرّد فلا يحتمل تفرده.
وأما الهيثميّ فقال في "المجمع"(3/ 96): "رجاله موثقون".
• عن ثوبان، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من سأل مسألة وهو عنها غني، كانت شينًا في وجهه يوم القيامة".
حسن: رواه أحمد (22420)، والبزّار -كشف الأستار (932) -، والطبراني في الكبير (1407) كلّهم من طريق يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، فذكره.
وأورده المنذريّ في "الترغيب والترهيب"(1209) وقال: "رواة أحمد محتج بهم في الصحيح".
وقوله: "شين" أي أثر.
• عن سهل بن الحنظليّة -صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَسَأَلاهُ فَأَمَرَ لَهُمَا بِمَا سَأَلا وَأَمَرَ مُعَاوِيَةَ فَكَتَبَ لَهُمَا بِمَا سَأَلا، فَأَمَّا الأَقْرَعُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ فَلَفَّهُ فِي عِمَامَتِهِ وَانْطَلَقَ، وَأَمَّا عُيَيْنَةُ فَأَخَذَ كِتَابَهُ وَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَكَانَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَتُرَانِي حَامِلا إِلَى قَوْمِي كِتَابًا لا أَدْرِي مَا فِيهِ كَصَحِيفَةِ الْمُتَلَمِّسِ! فَأَخْبَرَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِن النَّارِ -وَقَال النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا يُغْنِيهِ؟ -وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمَا الْغِنَى الَّذِي لا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ؟ - قَالَ: "قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيه".
صحيح: رواه أبو داود (1629) عن عبد الله بن محمد النّفيليّ، حدّثنا مسكين، حدّثنا محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السّلوليّ، حدّثنا سهل بن الحنظلية، فذكره.
ورواه الإمام أحمد (17625) من وجه آخر عن ربيعة بن يزيد.
وصحّحه ابن خزيمة (2391) وذكره مختصرًا، وابن حبان (545، 3394) كلاهما من هذا الوجه.
وقوله: "صحيفة المتلمّس" المتلمِّس هو جرير بن عبد المسيح الضّبعي، شاعر جاهلي مشهور، هجا هو وطرفة بن العبد عمرو بن هند مالك الحيرة، فكتب لهما كتابين إلى عامله، أوهمهما أنه كتب لهما بجوائز، وهو إنما كتب إليه بقتلهما، فأمّا المتلمِّس ففضَّ الكتاب وعرف ما فيه فهرب ونجا، وأمّا طرفة فذهب ورفع الكتاب إلى العامل يطمع في الجائزة فقُتل.
وسُمّي المتلمّس لبيته الذي قاله، وهو:
فهذا أوان العرض طن ذبابه
…
زنابيره والأزرق المتلمس
قال الخطّابي: "اختلف الناس في تأويل حديث سهل، فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءَه لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث.
وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداءٌ وعشاء على دائم الأوقات فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة، حرمت عليه المسألة.
وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها".
يعني الأحاديث التي فيها تقدير الغني بملك خمسين درهما أو بملك خمس أوقية وغيرها من التقادير.
والصواب: أن ذلك يرجع إلى الرجل نفسه فإنه قد يكون له مال كثير، ولكن نظرا لكثرة أولاده وكثرة نفقاته في الضروريات الأخرى مثل التعليم وغيره فإنه يحق له المسألة أو يجوز أن يُعطى بدون سؤال.
وقد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس من سهم المؤلفة قلوبهم، فإن الظاهر من حالهما أنهما ليسا فقيرين وهما سيدا قومهما، ورئيسا قبائلهما.
وفي الباب عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل مسألة عن ظهر غني، استكثر بها من رضف جهنم". قالوا: ما ظهر غني؟ قال: "عشاءُ ليلة".
رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (1253) عن محمد بن يحيى بن أبي سمينة، حدثنا عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا حسين بن ذكوان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل حسين بن ذكوان، وهو أبو سلمة البصريّ ضعّفه ابن معين وأبو حاتم، وقال النسائيّ: ليس بالقوي.
ومع هذا ذكره ابن حبان في "الثقات"(6/ 136)، وأخرجه الدارقطني في سننه (1999) من وجه آخر عن عبد الوارث بن سعيد، عن حسين بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي حبيب.
فأدخل بين حسين بن ذكوان، وبين حبيب بن أبي ثابت "عمرو بن خالد" وهو القرشيّ مولاهم "متروك، رماه وكيع بالكذب" كما في التقريب.
إذا عرفتَ هذا فلا تغترنّ بقول الحافظ المنذريّ في "الترغيب والترهيب"(1214): "رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند، والطبرانيّ في الأوسط، وإسناده جيد".
وقوله: "الرَّضْف" الحجارة المحماة على النار.
وفي الباب أيضًا عن عائذ بن عمرو أنّ رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله، فأعطاه، فلما وضع رجله على
أُسْكُفَّة الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئًا".
رواه النسائيّ (2586) عن محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفيّ، قال: حدّثنا أمية بن خالد، قال: حدّثنا شعبة، عن بسطام بن مسلم، عن عبد الله بن خليفة، عن عائذ بن عمرو، فذكره.
وفي إسناده عبد الله بن خليفة، ويقال: خليفة بن عبد الله البصري، لم يرو عنه إلّا بسطام بن مسلم؛ ولذا قال الحافظ في التقريب:"مجهول".
وقال: وهم من زعم أنّ شعبة روى عنه.
قلت: لعله يقصد به الذهبي فإنه ذكره في "الكاشف" أن شعبة أيضًا روى عنه.
والحديث في مسند الإمام أحمد (20644) عن روح، حدّثنا بسطام بن مسلم بإسناده مختصرًا، وكرّره بالاسناد نفسه، فذكره مطوّلًا عن عائذ بن عمرو المزنيّ، قال: بينما نحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أعرابي قد ألَحَّ عليه في المسألة يقول: يا رسول الله! أطعمني، يا رسول الله! أعطني. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المنزل، وأخذ بعضادتي الحجرة وأقبل علينا بوجهه وقال:"والذي نفس محمد بيده! لو تعلمون ما أعلم في المسألة ما سأل رجل رجلًا وهو يجد ليلة تُبيِّته" فأمر له بطعام.
وقوله: "الأُسْكُفَّة" بسكون السين، وضم الكاف، وتشديد الفاء: عتبة الباب.
قوله: "بعضادتي الباب" العضّادتان: بكسر العين وهما خشبتان من جانبي الباب.
وفي الباب أيضًا عن عبد الله بن عباس مرفوعًا: "لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل".
رواه الطبراني في "الكبير"(12/ 108) عن أحمد بن داود المكي، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، ثنا جرير بن حازم، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، فذكره.
قال الهيثميّ في "المجمع"(3/ 93): "فيه قابوس، وفيه كلام وقد وُثِّق".
قلت: قابوس بن أبي ظبيان الجنّبيّ مختلف فيه، فوثقه ابن معين، وقال الإمام أحمد: ليس بذاك، وقال النسائي: ليس بالقوي ضعيف، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له.
والخلاصة فيه كما في التقريب: "فيه لين"، وفي الكاشف: قال أبو حاتم وغيره: لا يحتج به. وأبوه: أبو ظبيان هو حصين بن جندب.
وفي الباب أيضًا عن عمران بن حصين مرفوعًا: "مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة". رواه الإمام أحمد (19821)، والطبراني في الكبير 18/ (362)، والأوسط (8173)، والبزار في مسنده (3572) كلّهم من طريق الحسن البصريّ، عن عمران بن حصين.
وفيه انقطاع؛ فإنّ الحسن بن أبي الحسن البصريّ اختلف في سماعه من عمران بن حصين، فالذي عليه جمهور أهل العلم أنه لم يسمع منه.
وفي الباب أيضًا عن مسعود بن عمرو مرفوعًا: "لا يزال العبد يسأل وهو يُعطى حتى يخلق