الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مالٍ، ولا يرثني إلَّا ابنة لي، أفأَتَصدَّقُ بثُلُثَي مَالِي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا" فقلت: فالشَّطْرُ؟ قال: "لا" ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الثُّلُثُ، والثلث كثير، إنك أنْ تَذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرَهم عالة يتكفَّفُون الناس، وإنك لن تُنفِقَ نفقَة تبتغي بها وجه الله، إلَّا أُجرتَ، حتى ما تجعل في فِي امرأتِكَ" قال: فقلتُ: يا رسول الله! أُخَلَّفُ بعد أصحابي؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعملَ عملًا صالِحًا، إلَّا ازْدَدْتَ به درجةً ورِفْعَةً. ثُم لعلك أن تُخَلَّفَ حتى ينتفِعَ بك أقوامٌ ويُضَرَّ بك آخرُون. اللَّهمَّ! أَمْضِ لأصحابي هِجْرَتَهُم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائسُ سعد بن خولة"، يَرْثِي له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ ماتَ بمَكَّة.
متفق عليه: رواه مالك في الوصية (4) عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أنَّه قال: فذكر الحديث.
ورواه البخاري في الجنائز (1295) عن عبد الله بن يوسف، عن مالك به مثله.
ورواه مسلم في الوصية (1628) من طرق عن ابن شهاب بإسناده مثله.
وقوله: "لكن البائسُ سعد بن خولة" البائس: اسم فاعل من بئس يبأس إذا أصابه بؤس، وهو الضرر، وسعد بن خولة هو: زوج سبعة الأسلمية، وهو رجل من بني عامر بن لؤي، أنَّه هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وغيرها ثم رجع إلى مكة مختارًا، وتوفي بها في حجة الوداع، فرثى له النبي صلى الله عليه وسلم. فتحرَّج سعد بن أبي وقاص والمهاجرون من أن يموتوا بمكة.
وأما قوله: "يرثي له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة" فقيل: إنه من كلام سعد بن أبي وقاص، وقيل: إنه من كلام الزهري وعليه أكثر الناس.
21 - باب ما جاء في التعزية
• عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال:"لا تبكوا على أخي بعد اليوم" ثم قال: "ادعوا لي بني أخي" فجئ بنا كأنَّا أفْرخ، فقال:"ادعو لي الحلاق" فأمره فحلق رؤوسنا.
وزاد أحمد في روايته: ثم قال: "أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خَلقي وخُلقي" ثم أخذ بيدي فأشالها فقال: "اللَّهم! اخلُف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفْقَة يمينه" قالها ثلاث مرات. قال: فجاءت أمنا، فذكرت له يُتْمنا، وجعلتْ تُفْرِح له، فقال:"العيلة تخافين عليهم، وأنا وَلِيُّهم في الدّنيا والآخرة".
صحيح: رواه أبو داود (4192)، والنسائي (5227) كلاهما من حديث وهب بن جرير، قال:
حدثنا أبي، قال: سمعتُ محمد بن أبي يعقوب، يحدث عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر فذكر الحديث مختصرًا.
ورواه الإمام أحمد (1750) عن وهب بن جرير بإسناده بأتم منه كما ذكرت بعضه، والبعض الآخر في المواضع المناسبة، وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم (3/ 298) قطعةً منه وقال:"صحيح الإسناد".
تنبيه: سقط من النسائي "الحسن بن سعد" وهو ثابت في السنن الكبرى له (9295) فتنبه.
وقوله: "فحلق رؤوسنا" لأن أمهم شغلت بالمصيبة عن ترجيل شعورهم وغسل رؤوسهم، فخاف عليهم الوسخ والقمل، كما أفاده السيوطي.
• عن قرة المزني، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلسُ إليه نفرٌ من أصحابه، وفيهم رجل له ابنٌ صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجلُ أن يحضر الحلْقة لذكر ابنه، فحزن عليه ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ما لي لا أري فلانًا؟ " قالوا: يا رسول الله! بُنَيّه الذي رأيْتهُ هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بُنيه فأخبره أنَّه هلك فعزّاه عليه ثم قال:"يا فلان! أَيُّما كان أَحَبُّ إليك أن تمَتَّع به عمرك، أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجَدْته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ " قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتَحُها لي لهو أحبُّ إليَّ، قال:"فذاك لك".
صحيح: رواه النسائي (2088) عن هارون بن زيد -وهو ابن أبي الزرقاء- قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا خالد بن ميسرة، قال: سمعتُ معاوية بن قرة، عن أبيه فذكر الحديث.
ورواه الإمام أحمد (15595، 20365) من وجه آخر عن شعبة، عن معاوية بن قرة بإسناده وزاد في آخر الحديث: فقال رجل: يا رسول الله! أَلَهُ خاصة أو لكلنا؟ قال: "بل لكلكم".
وإسناده صحيح، وقد صحَّحه ابن حبان (2947)، والحاكم (1/ 384).
وفي الباب ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني ميتًا- فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفنا معه، فلما حاذى بابه وقف، فإذا نحن بامرأة مقبلة، قال: أظنه عرفها، فلما ذهبت إذا هي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ " قالت: أتيت أهل هذا البيت، فترحمتُ عليهم، وعزيتُهم لميتهم. فقال:"لعلك بلغتِ معهم الكُدي" قالت: معاذ الله أن أكون بلغتُها، وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر. فقال:"لو بلغتها معهم ما رأيتِ الجنة، حتى يراها جدُّ أبيكِ".
رواه أبو داود (3123)، والنسائي (1880) كلاهما من طريق ربيعة بن سيف المعافري، عن أبي
عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكره، واللفظ للنسائي، ولفظ أبي داود نحوه.
قال النسائي: "ربيعة ضعيف".
قلت: وهو كما قال: قال فيه البخاري: "عنده مناكير"، وقال فيه الحافظ:"صدوق له مناكير".
وكذلك ما رُوي عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، يحدث عن أبيه، عن جده مرفوعًا:"ما من مؤمن يُعَزِّي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه وتعالى من حلل الكرامة يوم القيامة" فهو ضعيف أيضًا.
رواه ابن ماجه (1601) عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثني قيس أبو عُمارة مولى الأنصار، قال: سمعتُ عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فذكره.
ورواه عبد بن حميد في "المنتخب"(287) عن خالد بن مخلد البجلي بإستاده مثله.
وقيس أبو عمارة الفارسي مولي سودة بنت سعيد المديني، قال فيه البخاري:"فيه نظر".
وأورده العقيلي في "الضعفاء الكبير"(1524) وساق له حديثين آخرين وقال: "لا يتابع عليهما جميعًا" وبه أعلّه البوصيري في زوائد ابن ماجه. وأما ابن حبان فأورده في "الثقات".
وليَّن فيه الحافظ القول فقال: "فيه لين" والحق أنه ضعيف.
والعلة الأخرى: أن فيه إرسالًا، فإن عبد الله بن أبي بكر -جده محمد بن عمرو بن حزم أبو عبد الملك المدني- له رؤية وليس له سماع، قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين.
قال الحافظ في "النكت الظراف"(8/ 148): "هذا الحديث من رواية محمد بن عمرو بن حزم، فإن في الإسناد عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده -فجده هو "محمد" وله رؤية، والحديث مرسل، نقلت ذلك من خط ابن عبد الهادي".
وكذلك ما رُوي عن أنس مرفوعًا: "من عَزَّى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله حلة يُحْبَر بها" قيل: يا رسول الله وما يُحبر بها؟ قال: "يُغْبَطُ بها يوم القيامة".
رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 1572).
قال: كتب إلي مكحول، ثنا عبد الله بن هارون، حدثني قدامة بن محمد بن خشرم، حدثني أبي، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن ابن شهاب، عن أنس فذكره.
قال الشيخ: هذا الحديث بهذا الإسناد ليس له أصل. وقال أيضًا بعد أن ذكر حديثين آخرين: "لم أر لعبد الله بن هارون الفروي أنكر من هذه الأحاديث التي ذكرتها" وأورده ابن حبان في "المجروحين"(885) في ترجمة قدامة بن محمد بن خشرم الخشرمي، عن أبيه بإسناده كما سبق وقال:"لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".
وقدامة بن محمد هذا ذكره ابن عدي في "الكامل"، وابن الجَوْزي في "الضعفاء والمتروكين"(2763).
ورواه ابن أبي شيبة (3/ 260) عن وكيع، عن أبي مودود، عن طلحة بن عبيدالله بن كريز فذكره. وهذا موقوف عليه، فإن طلحة بن عبيدالله بن كريز تابعي.
وكذلك لا يصح ما رواه الترمذي (1076) عن محمد بن حاتم المؤدِّب، حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثتنا أم الأسود، عن منْية بنت عبيد بن أبي برزة، عن جدها أبي برزة مرفوعًا:"من عزَّي ثكلي كُسِي بردًا في الجنة".
قال الترمذي: "حديث غريب، وليس إسناده بالقوي".
قلت: وهو كما قال، فإن في الإسناد مُنية بنت عبيد لا يعرف حالها.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا: "من عزَّي مصابًا فله مثلُ أجره".
رواه الترمذي (1073)، وابن ماجه (1602) كلاهما من طريق علي بن عاصم قال: حدثنا والله محمد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله فذكر الحديث.
قال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفًا ولم يرفعه، ويقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم بهذا الحديث نقموا عليه".
وأخرجه البيهقي (4/ 59) من هذا الوجه وقال: "تفرد به علي بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه، وقد رُوي عن غيره، والله أعلم".
وأدخله ابن الجَوْزي في "الموضوعات"(3/ 223).
وقال الخطيب في تاريخه (11/ 450 - 454): "ومما أنكره الناس على علي بن عاصم -وكان أكثر كلامهم فيه- بسبه حديث محمد بن سوقة ثم ساق الحديث بأسانيد مختلفة وتقل عن يعقوب بأنه: حديث كوفي منكر، يرون أنه لا أصل له مسندًا ولا موقوفًا
…
قال الخطيب: "وقد روى حديث ابن سوقة عبدُ الحكيم بن منصور مثل ما رواه علي بن عاصم، رُوي كذلك عن سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل ومحمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن بن مالك ابن مغول والحارث بن عمران الجعفري، كلهم عن أبن سوقة، وقد ذكرنا أحاديثهم في مجموعنا لحديث محمد بن سوقة، وليس شيء منها ثابتًا". انتهي.
وقال الحافظ في "التلخيص"(2/ 138) بعد أن نقل كلام الخطيب: "ويُحكي عن أبي داود أنه قال: عاتب يحيى بن سعيد القطان علي بن عاصم في وصل هذا الحديث، وإنما هو عندهم منقطع، وقال له: إن أصحابك الذين سمعوه معك لا يسندونه، فأبى أن يرجع".
ثم قال الحافظ: "وله شاهد أضعف منه من طريق محمد بن عبيدالله العرزمي، عن أبي الزبير، عن جابر ساقها ابن الجَوْزي في الموضوعات".
قلت: وهو كما قال، فإن العرزمي متروك، فلا يستشهد به.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن القاسم بن عبد الله بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت التعزية سمعوا قائلًا يقول:"إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودركًا من كل ما فات، فبالله فثِقُوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب"، قال البيهقي (4/ 60):"وقد رُوي معناه من وجه آخر عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، ومن وجه آخر عن أنس بن مالك. وفي أسانيده ضعف". انتهي.
وقال الذهبي في "مهذب السنن الكبري"(3/ 1404): هذا مرسل، والقاسم كذَّبه أحمد بن حنبل، ثم ذكر كلام البيهقي.
وقوله: رُوي عن أنس بن مالك، قلت: رواه الطبراني في "الأوسط"(8120) عن أنس قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد أصحابه حزان يبكون حوله، فجاء رجل طويل صبيح فصيح في إزار ورداء، أشعر المنكبين والصدر، فتخطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذ بعضادي الباب، فبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال:"إن في الله عزاءً من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، وعوضًا من كل ما فات، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، فإنما المصاب من لم يجبره الثواب" فقال القوم تعرفون الرجل، فنظروا يمينًا وشمالًا فلم يروا أحدًا، فقال أبو بكر: هذا الخضر أخو النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 3): "رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه عباد بن عبد الصمد أبو معمر ضعَّفه البخاري".
وقال ابن حبان: "منكر الحديث جدًّا، يروي عن أنس بن مالك ما ليس من حديثه، وما أُراه سمع منه شيئًا، فلا يجوز الاحتجاج به فيما وافق الثقات، فكيف إذا انفرد بالأوابد والطامات""المجروحين"(791).
وكذلك لا يثبت ما رُوي عن زرارة بن أبي أوفى قال: عزى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا على ولده فقال: "آجرك الله، وأعظم لك الأجر" وزرارة بن أبي أوفي تابعي، لم تثبت صحبته.
وكذلك ما رُوي عن حسين بن أبي عائشة، عن أبي خالد -يعني الوالبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم عزَّي رجلًا فقال:"يرحَمك الله ويأجرك" رواه ابن أبي شيبة (3/ 260) والبيهقي (4/ 60) وقال: هذا مرسل.
قلت: وأبو خالد الوالبي اسمه هرمز، جعله الحافظ في التقريب "مقبول" أي حيث يتابع، إلا أنه لم يتابع عليه فهو "لين الحديث" مع الإرسال فيه.
وابن أبي عائشة لم بوثقه أحد، غير أن ابن حبان ذكره في "الثقات"(2/ 59).
انظر للمزيد "باب التعزية" في "المنة الكبرى"(3/ 102 - 106).
وأما ما رُوي عن معاذ بن جبل أنه مات ابن له، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزيه بابنه: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فأعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، فإن