الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هذا الوجه أخرجه أيضًا الإمام أحمد (16063).
وعبد الله بن أُنيس لم يرو عنه سوي موسي بن جبير، فهو في عداد المجهولين، وإن كان ابن حبان ذكره في الثقات (5/ 26)، ولذا قال فيه الحافظ:"مقبول".
وقوله: "غلول الصّدقة "الخيانة فيها.
وأمّا الترهيب من الغلول في الغنائم فسيأتي في كتاب الجهاد والسير.
4 - باب التغليظ في الاعتداء في الصّدقة
• عن سالم بن أبي أمية أبي النضر، قال: جلس إليَّ شيخٌ من بني تميمٍ في مسجد البصرة ومعه صحيفةٌ لَهُ في يده -قال: وفي زمان الحجَّاج- فقال لي: يا عبد الله! أترى هذا الكتاب مغنيًا عنِّي شيئًا عند هذا السلطان؟ قال: فقلت: وما هذا الكتاب؟ قال: هذا كتابٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبهُ لنا أنْ لا يُتَعَدَّى علينا في صدقاتنا. قال: فقلت لا والله! ما أظن أنْ يغني عنك شيئًا وكيف كان شأن هذا الكتاب؟ قال: قدمت المدينة مع أبي وأنا غلامٌ شابٌّ بإبل لنا نبيعُهَا وكان أبي صديقًا لطلحة بن عبيدالله التَّيميِّ فنزلنا عليه فقال لَهُ أبي: اخرج معي فبع لي إبلي هذه قال فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أنْ يبيع حاضرٌ لبادٍ ولكن سأخرج معك فأجلس وتعرض إبلك، فإذا رضيتُ من رجلٍ وفاءً وصدقًا ممَّنْ ساوَمَكَ أمرتُك ببيعه. قال: فخرجنا إلى السوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحةُ قريبًا فساوَمَنَا الرِّجالُ حتى إذا أعطانا رجلٌ ما نرْضى قال لَهُ أبي: أُبَايعُهُ؟ قال: نعم رضيتُ لكم وفاءَهُ فبايعوه فبايعناه، فلما قبضنا ما لنا وفرغنا من حاجتنا قال أبي لِطلحة: خذ لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا أنْ لا يتعدَّى علينا في صدقاتنا. قال: فقال: هذا لكم ولكل مسلمٍ. قال: على ذلك إنِّي أحبُّ أنْ يكون عندي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابٌ فخرجَ حتَّى جاء بنا إلى رسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسُول الله! إنَّ هذا الرَّجُلَ من أهل البادية صديقٌ لنا وقد أحبَّ أنْ تكتُبَ لَهُ كتابًا لا يتعدَّى عليه في صَدَقَتِهِ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا لَهُ ولكلِّ مُسْلِم". قال: يا رسول الله! إني قد أحِبُّ أنْ يكون عندي منك كتابٌ على ذلك قال: فكتب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب.
حسن: رواه الإمام أحمد (1404)، وأبو يعلى (644)، كلاهما من طريق محمد بن إسحاق، حدّثنا سالم أبو النّضر، قال: جلس إليَّ شيخ من بني تميم (فذكره). واللّفظ لأحمد، وزاد أبو يعلى في آخر الحديث: قلت: "لا أظنّ والله".
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق فإنه إذا صرَّح يحسّن حديثه، وسالم أبو النضر هذا المدني ثقة من رجال الجماعة.
ورواه أبو يعلى (643) من وجه آخر عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سالم المكي، أنّ أعرابيًّا قال: فذكر بعض الأحاديث.
وهو خطأ من حماد بن سلمة، فإن سالمًا هذا ليس بمكي كما زعم وإنما هو مدنيّ كما سبق، وفيه صحابي لم يسم، وجهالة الصحابي لا تضر كما هو معروف.
ولبعض فقرات الحديث شواهد في السنن ستأتي في مواضعها.
وأورده الهيثميّ في "المجمع"(3/ 83) وعزاه إلى أحمد وأبي يعلى وقال: "ورجاله رجال الصّحيح".
• عن جرير بن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"المعتدي في الصّدقة كمانعها".
صحيح: رواه الطبراني في الكبير (2275) عن الحسن بن علي المعمريّ، ثنا محمد بن همّام بن أبي خيرة السدوسيّ، ثنا عمر بن علي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، فذكره.
قال الهيثميّ في "المجمع"(3/ 83): "رجاله ثقات".
قلت: وهو كما قال، إسماعيل بن أبي خالد هو الأحمسيّ، وقيس هو ابن أبي حازم.
وأما ما روي عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المعتدي في الصّدقة كمانعه" فإسناده ضعيف.
رواه أبو داود (1585)، والترمذيّ (141)، وابن ماجه (1808) كلّهم من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك، فذكره.
وصحّحه ابن خزيمة (2335)، ورواه من هذا الوجه وزاد في أول الحديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له
…
".
قلت: في الإسناد سعد بن سنان ويقال: سنان بن سعد، ويقال: سعيد بن سنان، فيري البخاريّ وابن يونس أن الصّحيح: سنان بن سعد الكنديّ، المصريّ، وهو الذي صوبه أيضًا ابن حبان في "الثقات" (4/ 336) فقال: يروي عن أنس بن مالك، حدّث عنه المصريّون، وهم مختلفون فيه يقولون: سعد بن سنان وسعيد بن سنان وسنان بن سعيد، وأرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد، وقد اعتبرتُ حديثه فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يُشبه أحاديث الثقات، وما رُوي عن سعد بن سنان وسعيد بن سنان فيه المناكير كأنّهما اثنان".
هذا النّقل عن ابن حبان يدلّ على أنّهما اثنان والصّحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه شخص واحد، لم يرو عنه غير يزيد بن أبي حبيب، فإذا روى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب قال: عن سعد بن سنان، وإذا روى عمرو بن الحارث وعبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب
قالا: سنان بن سعد، وهو شخص واحد.
قال الترمذيّ: "حديث أنس حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلّم أحمد بن حنبل في سعد ابن سنان -هكذا يقول الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، عن سعد بن سنان، عن أنس بن مالك. ويقول عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس قال: وسمعت محمدًا يقول: الصحيح سنان بن سعد".
وقال: قوله: "المعندي في الصّدقة كمانعها" يقول: على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع. انتهي.
قال الإمام أحمد: لم أكتب أحاديث سنان بن سعد لأنهم اضطربوا فيها، فقال بعضهم: سعد ابن سنان، وبعضهم: سنان بن سعد.
قال أحمد: روي خمسة عشر حديثًا منكرة كلّها ما أعرف منها واحدًا.
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: اتركت حديثه لأن حديثه مضطرب غير محفوظة. وقال: سمعته مرة أخرى يقول: "يشبه حديث الحسن، لا يشبه حديث أنس".
وقال الجوزجانيّ: "أحاديث واهية لا تشبه أحاديث الناس عن أنس".
وقال النسائي، وابن سعد: منكر الحديث.
وبمقابل هذا الجرح المفسّر لا يلتفت إلى توثيق ابن معين له، وكذا قول الحافظ:"صدوق له أفراد".
ونقل الفاسيّ في كتاب "بيان الوهم والإيهام"(3/ 607) عن البخاريّ: "وهّنه أحمد". وقال ابن معين: سمع عبد الله بن يزيد من سنان بن سعد بعد ما اختلط، نفى هذا أنه اختلطه. انتهى.
تنبيه: وقع في "الميزان" للذهبي: "نقل ابن القطان أن أحمد وثّقه".
والصّحيح كما ذكرنا: "وهّنه".
وفي الباب عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم المصدّق فاعطه صدقتَك، فإن اعتدى عليك فولِّه ظهرك، ولا تلعنه. وقلْ: اللهم! إنْي أحتسب عندك ما أخذ مني".
رواه البيهقيّ (1/ 115، 137) عن أبي نصر بن قتادة، حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج، ثنا مطين، ثنا محمد بن طريف، ثنا حفص بن غياث، عن عاصم (الأحول)، عن أبي عثمان (النهديّ)، عن أبي هريرة، فذكره.
وأخرجه الترمذيّ في "العلل الكبير"(1/ 322) عن محمد بن طريف بإسناده وقال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: إّنما يروى هذا عن أبي عثمان، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
وكذا قاله أيضًا الدّارقطنيّ في "العلل"(11/ 217).
وأما ما رواه إسحاق بن راهويه (1/ 383) من وجه آخر عن كلثوم، نا عطاء، عن أبي هريرة. ففيه كلثوم وهو ابن محمد ضعيف.
وعطاء هو ابن أبي مسلم لم يسمع من أبي هريرة.
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن أمِّ سلمة زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بينا هو يومًا قائلٌ في بيتها وعنده رجلٌ من أصحابه يتحدثون إذ جاء رجلٌ، فقال: يا رسول الله! كم صدقه كذا وكذا من التمر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذا وكذا". قال الرجل: فإني فُلانًا تعدي عليَّ فأخذ مني كذا وكذا من التَّمْر، فازداد صاعًا، فقال لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكيف إذا سعى عليكم من يتعدى عليكم أشدَّ منْ هذا التَّعدي؟ ". فخاض القوم وبهرهم الحديث حتَّى قال رجل منهم: كيف يا رسول الله! إذا كان رجل غائبٌ عنك في إبله وماشيته وزرعه فأدَّي زكاة ماله فتعدَّي عليه الحق فكيف يصنع وهو غائبٌ عنك؟ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدَّى زكاة ماله طيِّب النفس بها يريد بها وجه الله والدار الآخرة، فلم يغيب شيئًا من ماله، وأقام الصلاة، ثم أدَّى الزَّكاة فتعدَّى عليه في الحقِّ، فأخذ سلاحًا فقاتل فقتل فهو شهيد".
رواه الطبرانيّ في الكبير (23/ 278)، وفي الأوسط (مجمع البحرين 1370) وهذا لفظه.
ورواه الإمام أحمد (26574) مختصرًا، كلّهم من حديث عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشّياني، عن علي بن الحسين، قال: حدّثتنا أمُّ سلمة قالت (فذكرته).
وأورده الهيثميّ في "المجمع"(3/ 82) وقال: "رواه أحمد مختصرًا، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الجميع رجال الصّحيح".
وصحّحه ابن خزيمة (2336)، وابن حبان (3193)، والحاكم (1/ 404) كلّهم من هذا الطّريق.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشّيخين".
قلت: القاسم بن عوف الشّيباني روى له مسلم وحده حديثًا واحدًا فقط، وهو حديث الأوّابين وقال النسائي عقب تخريج حديثه في اليوم والليلة "القاسم ضعيف الحديث"، كما قال الحافظ في "التهذيب، وتركهـ شعبه ولم يرو عنه، قال ابن المديني: ذكرناه ليحيي فقال: قال شعبة: دخلت عليه فحرك رأسه. قلت ليحيى: ما شأنه؟ قال: فجعل يحيد. فقلت: ضعّفه في الحديث؟ فقال: لو لم يضعّفه لروي عنه. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ومحله عندي الصّدق. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم أجد له متابعًا.
وفي حديثه نكارة في قوله: "فأخذ سلاحًا فقاتل فقُتل فهو شهيد" لأنّه من المعلوم أن الأحاديث الواردة في تعدي المصدقين على أموال الزكاة تحث على الصبر لا على القتال.
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن أمِّ سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مالٌ من صدقة، ولا عفا رجل عن مظلمة إلّا زاده الله بها عزًّا، فاعفوا يعزكّم الله، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر".