الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب إثبات عذاب القبر
قال الله تعالي: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [سورة التوبة: 101].
قوله: {مَرَّتَيْنِ} إحداهما في الدُّنيا، والأخرى في القبر.
وقوله: {إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} عذاب جهنّم.
وقال تعالي: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [سورة غافر: 45 - 46].
قوله: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ} أتباعه وأهل طاعته.
قوله: {وَحَاقَ} أي نزل وحلَّ.
وقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} أي أنهم في القبر يعرضون على النّار صباحًا ومساءً إلى أن تقوم الساعة.
وقوله: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وذلك يوم القيامة.
• عن أبي أيوب قال: خرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقد وجبتْ الشّمس فسمع صوتًا فقال: "يهود تُعذبُ في قبورها".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجنائز (1375)، ومسلم في صفة الجنّة والنار (2869) كلاهما من حديث شعبة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، عن البراء بن عازب، عن أبي أيوب فذكر الحديث. واللّفظ للبخاريّ، ولفظ مسلم قريب منه وفيه:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت الشّمس".
وقوله: "وجبت الشمس" أي سقطت، والمراد غروبها.
• عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: أتيتُ عائشة رضي الله عنها، زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، حين خسفتِ الشّمس، فإذا الناس قيام يصلُّون، وإذا هي قائمة تصَلِّي، فقلتُ: ما للناس؟ فأشارتْ بيدها إلى السماء، وقالت: سبحان الله، فقلت: آيَةٌ؟ فأشارت: أي نعم، قالتْ: فقُمْتُ حتى تجلَّاني الغَشْيُ، فجعلتُ أصُبُّ فوق رأسي الماء، فلمّا انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حمدَ الله وأثنى عليه، ثم قال:"ما من شيء كنتُ لم أرَه إِلَّا قد رأيتُه في مقامي هذا، حتّى الجنَّة والنار، ولقد أوحيَ إليَّ أَنَّكُمْ تُفْتَون في القُبُور مِثْل -أو قريبًا من- فِتْنَةٍ الدَّجَّال"، لا أدري أيَّتَهُما قالتْ أسماء، "يُؤتَي أحدُكم فيقال له: ما عِلْمُكَ بهذا الرّجُلِ؟ فأمَّا المؤمنُ، أو المُوقِنُ"، لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماءُ، "فيقول: محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات والهُدى، فأجبنا وآمنَّا واتبعنَا، فيقال له: نمْ صالحًا، فقد علمنا إن كنت
لموقِنًا، وأمّا المنافق، أو المرتاب"، لا أدري أيتهما قالت أسماء - "فيقول: لا أدري، سمعتُ الناس يقولون شيْئًا فقلتُه".
متفق عليه: رواه مالك في الكسوف (4) عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر فذكرته.
ورواه البخاري في الوضوء (184) وفي الكسوف (1053) من طريقين عن مالك بإسناده.
ورواه الشيخان - البخاري في العلم (86)، ومسلم في الكسوف (905) من وجهين آخرين عن هشام بإسناده نحوه.
• عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا فذكر فتنة القبر التي يفتتِن فيها المرأ، فلمّا ذكر ذلك ضَجَّ المسلمون ضجَّةً.
صحيح: رواه البخاري في الجنائز (1373) عن يحيى بن سليمان، حَدَّثَنَا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزُّبير، أنه سمع أسماء بنت أبي بكر فذكرته.
• عن أنس بن مالك أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن لا تدافَنُوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر".
صحيح: رواه مسلم في كتاب الجنة (2868) من طرق عن محمد بن جعفر، حَدَّثَنَا شعبة، عن قتادة، عن أنس فذكره.
• عن عائشة قالت: دخل عليَّ عجوزان من عُجْز يهود المدينة فقالتا لي: إن أهل القبور يعذَّبون في قبورهم، فكذبتُهما، ولم أُنْعِم أن أُصدقهما، فخرجتا، ودخل عليَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله! إن عجوزين وذكرتُ له، فقال:"صدقَتَا إنهم يعذبون عذبًا تسمعه البهائم كلُّها" فما رأيتُه بعد في صلاة إِلَّا تعوَّذَ من عذاب القبر.
متفق عليه: رواه البخاري في الدّعوات (6366)، ومسلم في المساجد (586/ 125) كلاهما من حديث جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة فذكرته.
• عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرت أنكم تُفْتنون في القبور، قالت: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تُفْتَنُ يهود" قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل شعرتِ أنه أُوحي إليَّ أنكم تُفْتَنون في القبور؟ " قالت عائشة: فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذُ من عذاب القبر.
صحيح: رواه مسلم في المساجد (584) من طرق عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال:
حَدَّثَنِي عروة بن الزُّبير، أن عائشة قالت فذكرته.
• عن عائشة أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئًا من المعروف إِلَّا قالَتْ لها اليهودية: وقاكِ الله عذابَ القبر. قالت: فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليَّ، فقلتُ: يا رسولَ الله! ، هل للقبر عذابٌ قبلَ يوم القيامة؟ قال:"لا، وَعَمَّ ذاكِ؟ " قالت: هذه اليهودية لا نصنعُ إليها من المعروف شيئًا إِلَّا قالت: وقاكِ الله عذابَ القبر، قال:"كذَبَتْ يهُودُ، وهم عَلى الله عز وجل أكذبُ، لا عذاب دون يَوْمِ القيامة قالت: ثم مكثَ بعد ذاك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذاتَ يوم نصفَ النهار مشتملًا بثوبه، محمَّرة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: "أيُّها الناسُ! ، أظَلَّتْكُمُ الفِتَنُ كقطِعِ الليل المُظْلِم، أيُّها الناسُ، لو تعلمونَ ما أعلمُ، بكَيْتُم كثيرًا، وضحِكْتُمْ قليلًا، أَيُّها النَّاسُ! ، اسْتَعِيذُوا بالله من عذاب القبر، فإنَّ عذاب القَبْر حَقٌّ".
صحيح: رواه الإمام أحمد (24520) عن هاشم، قال: حَدَّثَنَا إسحاق بن سعيد، قال: حَدَّثَنَا سعيد، عن عائشة فذكرته.
وأورده الهيثميّ في "المجمع"(3/ 54 - 55) وقال: "هو في الصَّحيح باختصار .. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".
قلت: وهو كما قال، إسحاق بن سعيد هو: ابن عمرو بن العاص بن سعيد بن العاص الأموي الكوفيّ، وأبوه سعيد بن عمرو المدني ثمّ الدّمشقي من رجال الشيخين، ولا منافاة بين هذا الحديث وبين الأحاديث السابقة، فإنه صلى الله عليه وسلم أنكر عذاب القبر أولًا، ثمّ أعلم به، فأَعلم به أصحابه.
وفي الباب عن ابن مسعود مرفوعًا: "إنَّ الموتى ليعذبون في قبورهم حتّى إن البهائم لتسمع أصواتهم".
رواه الطبراني في "الكبير"(10/ 247) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يعلى بن المنهال السّكوني، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا أبو بكر بن عَيَّاش، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله ابن مسعود فذكره. قال الهيثميّ في "المجمع" (3/ 56):"إسناده حسن".
قلت: في الإسناد يعلى بن المنهال لم أعرف من هو؟ وإن كان ممن ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 305) فهو "مجهول" وفي الإسناد أيضًا أبو بكر بن عَيَّاش فإنه كبِر فاختلط عليه.
وأمّا ما رُوي عن عائشة مرفوعًا: "يُرسل على الكافر حيَّتان، واحدة من قبل رأسه، وأُخرى من قِبل رجليه، تُقْرضانه قَرْضًا، كلما فرغتا عادتا إلى يوم القيامة" فهو ضعيف.
رواه أحمد (25189) عن رَوح، حَدَّثَنَا حمّاد، عن عليّ بن زيد، عن أم محمد، عن عائشة فذكرته.
أورده الهيثميّ في "المجمع"(3/ 55) وقال: "رواه أحمد وإسناده حسن".