الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - باب ما لا يجوز من الثمرة في الصّدقة
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267].
• عن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور، ولون الحُبيق أن يؤخذ في الصّدقة.
قال الزهريّ: لونين من تمر المدينة.
قال أبو داود: وأسنده أيضًا أبو الوليد، عن سليمان بن كثير، عن الزّهريّ.
حسن: رواه أبو داود (1607) عن محمد بن يحيى بن فارس، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا عبّاد، عن سفيان بن حسين، عن الزّهريّ، عن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، فذكره.
وصحّحه ابن خزيمة (2313) ورواه من طريق سعيد بن سليمان.
قلت: إسناده حسن من أجل متابعة سليمان بن كثير سفيانَ بن حسين وهو أبو محمد أو أبو الحسن الواسطيّ، وهو ثقة في غير الزهريّ.
ولعلّ أبا داود تنبّه لذلك فذكر هذه المتابعة قائلًا: "وأسنده أيضًا أبو الوليد، عن سليمان بن كثير، عن الزهريّ". ووصله ابن أبي حاتم في تفسيره (2802) عن أبيه، عن أبي الوليد، به.
وسليمان بن كثير هو العبديّ البصريّ لا بأس به، ولكن في غير الزهريّ كما قال الحافظ في التقريب.
فاجتماعهما في رواية هذا الحديث عن الزهريّ مشعر بأنّهما لم يخطئا فيه.
ولكن يعكّر هذا ما رواه النسائيّ (2494) وصحّحه ابن خزيمة (2312) كلاهما من حديث عبد الجليل بن حميد اليحصبيّ، أنّ ابن شهاب حدّثه قال: حدّثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] قال: "هو الجعرور ولون الحبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ في الصدقة الرّذالة".
فلم يقل عبد الجليل بن حميد "عن أبيه"، وتابعه على ذلك محمد بن أبي حفصة. ومن طريقه رواه ابن خزيمة أيضًا (2311).
وأبو أمامة واسمه أسعد بن سهل، ولد في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة، وما روي عنه فهو مرسل، وقد رُوي عن جماعة من الصحابة منهم أبوه سهل بن حنيف. فلا يستبعد أن يكون هذا الحديث سمعه من أبيه.
فيكون الطريقان محفوظين، فكان أبو أمامة أحيانًا يسنده عن أبيه، وأحيانًا يرسله. فكان الزهريّ يرويه على الوجهين. فإذا كان كذلك فلا يُعلُّ المسند بالمرسل، والله أعلم.
• عن عوف بن مالك قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا، وقد علَّق
رجلٌ قنًّا حشفًا، فطعن بالعصا في ذلك القِنو وقال:"لو شاء ربُّ هذه الصّدقة تصدَّق بأطيب منها". وقال: "إنّ ربَّ هذه الصّدقة يأكل الحشف يوم القيامة".
حسن: رواه أبو داود (1608)، والنّسائيّ (2495)، وابن ماجه (1821) كلّهم من حديث يحيى بن سعيد، عن عبد الحميد بن جعفر، حدّثني صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة الحضرميّ، عن عوف بن مالك، فذكره.
وصحّحه ابن خزيمة (2467)، وابن حبان (6774)، والحاكم (2/ 285)، (4/ 425 - 426).
وذكره الحافظ في "الفتح" وقال: "إسناده صحيح".
قلت: هو حسن بما قبله لأنّ فيه صالح بن أبي عريب رُوي عنه جماعة، ولكن لم يوثقه غير ابن حبان، ولذا قال الحافظ في التقريب "مقبول" أي إذا توبع، ولم يتابع فهو ليّن الحديث.
لكن لا بأس به في الشّواهد، وقد صحّحه عددٌ من أهل العلم كما مضى.
وأخرجه أيضًا الإمام أحمد (23976) من هذا الطريق وزاد في آخره: "ثم أقبل علينا فقال: أما والله! يا أهل المدينة لتدعُنَّها أربعين عامًا للعوافي".
قال: "فقلت: والله أعلم قال يعني الطّير والسّباع". قال: وكنا نقول: إنّ هذا الذي تسميه العجم الكراكي". انتهي.
والكراكي: جمع كَرْكي - وهو طائر معروف كبير أغبر اللون، طويل العنق والرجلين، أبتر الذنب، قليل اللّحم.
وقوله: "قنًّا حشفّا" القنّ -بالكسر والفتح- مقصور، هو العذق بما فيه من الرّطب. والقِنْو - بكسر القاف أو ضمها، وسكون النون- جمعه: قنوان، وأقناء.
والحشف: بفتحتين - هو اليابس الفاسد من التمر.
• عن البراء بن عازب في قوله سبحانه: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُخْرِجُ إِذَا كَانَ جِدَادُ النَّخْلِ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ الْبُسْرِ، فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَأْكُلُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ فَيَعْمِدُ أَحَدُهُمْ فَيُدْخِلُ قِنْوًا فِيهِ الْحَشَفُ يَظُنُّ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي كَثْرَةِ مَا يُوضَعُ مِنَ الْأَقْنَاءِ، فَنَزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} يَقُولُ: لَا تَعْمِدُوا لِلْحَشَفِ مِنْهُ تُنْفِقُونَ {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يَقُولُ: لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صَاحِبِهِ، غَيْظًا أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكُمْ مَا لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهِ حَاجَةٌ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ صَدَقَاتِكُمْ".
حسن: رواه ابن ماجه (1822) عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، قال: حدّثنا
عمرو بن محمد العنقريّ، قال: حدّثنا أسباط بن نصر، عن السُّديّ، عن عدي بن ثابت، عن البراء ابن عازب، فذكره.
ورواه الترمذي (2987) من وجه آخر عن السّديّ، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب، قال: وهذا لفظه: " {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: نزلت فينا معشر الأنصار، كنّا أصحاب نخل، فكان الرّجلُ يأتي من نخله على قدر كثرته وقلّته، وكان الرّجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلِّقه في المسجد، وكان أهل الصُّفّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع أتي القنو فضربه بعصاه فيسقط البُسْر والتَّمرُ فيأكل، وكان ناسٌ ممّن لا يرغبُ في الخير يأتي الرجلُ بالقِنُو فيه الشِّيصُ والحَشَف، وبالقنو قد انكسر فيعلِّقه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} قالوا: لو أنَّ أحدهم أُهدي إليه مثلُ ما أعطاهُ لم يأخذْه إلا على إغماض أو حياء. قال: فكُنّا بعد ذلك يأتي أحدُنا بصالح ما عنده".
• قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب، وأبو مالك هو الغفاريّ، ويقال: اسمه غزوان".
قلت: إسناده حسن من أجل السّديّ وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة من رجال مسلم مختلف فيه، فكذّبه الجوزجانيّ وأفرط فيه لعلّه لتشيّعه، ووثقه الإمام أحمد وقال النسائي:"صالح"، وقال ابن عدي:"له أحاديث يرويها عن عدّة شيوخ وهو عندي مستقيم الحديث، صدوق لا بأس به".
قلت: ولعلّ هذا الحديث مما يرويه عن شيخين وكلاهما صدوقان، وصحّحه الحاكم (2/ 285) على شرط مسلم.
• * *