الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخلاصة القول في حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدّه، أنه دائر بين ضعيف وإرسال، فإنّ المرفوع فيه سليمان بن أرقم أهل العلم مطبقون على تضعيفه؛ فالصّواب فيه أنه منقطع.
قال الزّهريّ: "جاءني أبو بكر بن حزم بكتاب في رقعة أدم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". فذكر بعض نصوص الكتاب في الديات.
رواه النسائي (4856) عن أحمد بن عبد الواحد، حدّثنا مروان بن محمد، قال: حدّثنا سعيد (وهو ابن عبد العزيز)، عن الزهريّ، فذكره.
وقد يرى البيهقيّ أن نصّ الكتاب الذي رواه داود بن سليمان (أو ابن أرقم) يوافق ما رواه غيره مرسلًا إلا أني لم أقف على نصّ الكتاب كاملًا من رواية من رواه مرسلًا. فإذا صحّ قول البيهقيّ فمن خالف شيئًا من هذا النّص فهو شاذ أو منكر.
والخلاصة فيه أنّ العلماء قبلوا كتاب أبي بكر بن حزم -سواء كان مرفوعًا أو مرسلًا-، وهو يوافق أيضًا كتاب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه كما قال البيهقيّ.
قال الزّيلعيّ في "نصب الراية"(2/ 342): "وقال بعضُ الحفَّاظ من المتأخِّرِينَ: وَنُسْخَةُ كتاب عمرو بن حزم تَلَقَّاها الأئمَّةُ الأربعة بالقبُول، وهي مُتَوَارَثَةٌ، كَنُسخَةِ عمرو بن شُعَيب عن أَبيه عن جَدِّه، وهي دائرة على سُليمان بن أرقم، وسليمان بن أَبِي دَاوُد الخولانيِّ عن الزّهريِّ، عن أبي بكر ابن محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أَبِيه، عن جدِّه، وكلاهما ضعيف، بل المرجّح في روايتِهما سليمان بن أرقم، وهو مترُوك، لكن قَالَ الشَّافعيّ رضي الله عنه في "الرّسالة": "لم يَقبلوه حتَّى ثَبَت عندهم أنَّه كتاب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم". وقال أحمد رضي الله عنه: "أرجو أن يكون هذا الحَدِيث صحيحًا". وقال يعقوب بن سفيان الفسويُّ: "لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصحّ منه، كان أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والتّابعون يرجعون إلَيْهِ، ويدعون آرَاءَهُم". انتهى.
قلت: وفي الباب أيضًا عن أبي ذرّ مرفوعًا: "في الإبلِ صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتُها، وفي البز أو تبر صدقته".
وهو حديث ضعيف، ينظر تخريجه في باب العروض التي للتجارة فيها زكاة.
2 - باب زكاة البقر
• عن معاذ بن جبل، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من البقر من كلّ أربعين مسنّة، ومن كلّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعة.
صحيح: رواه أبو داود (1576)، والترمذي (623)، والنسائي (2455)، وابن ماجه (1803) كلّهم من طرق عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن معاذ بن جبل، فذكره.
وصحّحه ابن خزيمة (226)، وابن حبان (4886)، والحاكم (1/ 398) وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وزاد بعضهم: "ومن كل حالم -يعني محتلمًا- دينارًا أو عدله من المعافر -ثياب تكون باليمن".
وقع خلاف بين أهل العلم في إدراك مسروق لمعاذ، فالذي عليه المحقّقون أنّه أدركه.
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 275): "قد رُوي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت، ذكره عبد الرزاق، حدثنا معمر والثوري عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ".
قلت: مسروق هو ابن الأجدع الهمدانيّ، وهو ممن يروي عن أبي بكر رضي الله عنه الذي توفي سنة ثلاث عشرة، ومعاذ بن جبل توفي سنة ثمان عشرة، وقد أطال الحافظ في "التلخيص" فراجعه.
ويؤيده ما رواه مالك موقوفًا على معاذ في الزكاة (24) عن حميد بن قيس المكيّ، عن طاوس اليمانيِّ، أنّ معاذ بن جبل الأنصاريّ أخذ من ثلاثين بَقَرَةً تَبِيعًا ومن أربَعين بقرة مُسِنَّةً وأتي بما دون ذلك فأَبَى أن يأخذ منه شَيْئًا وَقَال:"لم أَسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئًا حتَّى أَلْقَاهُ فأسأَله". فتوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ بن جبل.
قال ابن عبد البر: "ظاهر هذا الحديث الوقوف على معاذ بن جبل من قوله، إلّا أنّ في قوله: أنه لم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما دون الثلاثين والأربعين من البقر شيئًا دليلًا واضحًا على أنه قد سمع منه عليه السلام في الثلاثين وفي الأربعين ما عمل به في ذلك، مع أن مثله لا يكون رأيًا إنّما هو توقيف ممن أمر بأخذ الزكاة من الذين يطّهرهم ويزكّيهم بها صلى الله عليه وسلم.
ولا خلاف بين العلماء أنّ السنة في زكاة البقر ما في حديث معاذ هذا وأنه النّصاب المجتمع عليه فيها. وحديث طاوس هذا عندهم عن معاذ غير متصل والحديث عن معاذٍ ثابتٌ متصّل من رواية معمر والثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ بمعنى حديث مالك". "الاستذكار" (9/ 157).
قلت: وقد رُوي أيضًا مثله عن ابن مسعود مرفوعًا: "في ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كلّ أربعين مسنّة". ولكن فيه انقطاع وضعف.
رواه الترمذيّ (622)، وابن ماجه (1804) كلاهما من حديث عبد السلام بن حرب، عن خُصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، فذكره.
قال الترمذي: هكذا رواه عبد السلام بن حرب، عن خصيف، وعبد السلام ثقة حافظ، وروى شريك هذا الحديث عن خُصيف، عن أبي عبيدة، عن أبيه، عن عبد الله، وأبو عبيدة بن عبد الله لم يسمع من عبد الله "يعني أبيه".
قلت: وفيه خصيف وهو ابن عبد الرحمن الجزري ضعّفه الإمام أحمد، وقال أبو حاتم: صالح يخلط، وتكلّم في سوء حفظه، وقال ابن حبان: كان شيخًا صالحًا، فقيهًا عابدًا إلّا أنه كان يخطئ
كثيرًا فيما يروي، ويتفرّد عن المشاهير بما لا يتابع عليه، وهو صدوق في روايته.
ومن طريقه أخرجه الإمام أحمد (3905) بأطول من هذا.
وفي الباب أيضًا عن ابن عباس قال: "لما بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعة، جذعًا أو جذعة، ومن كلّ أربعين بقرة بقرة مسنّة".
رواه البزّار (892)، والدّارقطنيّ (1928) من طريق بقية، حدثني المسعوديّ، عن الحكم، عن طاوس، عن ابن عباس، فذكره.
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": "وهذا موصول، ولكن المسعوديّ اختلط، وتفرّد بوصله عنه بقية بن الوليد، وقد رواه الحسن بن عمارة، عن الحكم، ولكن الحسن ضعيف" انتهى.
وقال البزّار: "إنّما يرويه الحفاظ عن الحكم، عن طاوس مرسلًا. ولم يتابع بقية على هذا أحد. ورواه الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن طاوس، عن ابن عباس، والحسن لا يحتجُّ بحديثه إذا تفرّد".
والخلاصة في هذا الباب أنه لا خلاف بين أهل العلم أن السّنة في زكاة البقر على ما جاء في حديث معاذ هذا، وأنه النصاب المجمع عليه فيها.
وفيه ردٌّ على ابن جرير الطّبريّ الذي ادّعى الإجماع المتيقن المقطوع به أن في كلّ خمسين بقرة بقرة، ولم يرد في حديث صحيح ولا في حديث ضعيف في كلّ خمسين بقرة بقرة، وإنما الصّحيح الذي لا خلاف فيه أنّ في كلّ أربعين مسنّة، وفي كلّ ثلاثين تبيعة. كما في حديث معاذ بن جبل، فيجب الأخذ به.
وقوله: "تبيعًا" وهي ما دخل في الثانية، وسمي تبيعًا لأنه فطم عن أمِّه، فهو يتبعها.
وقوله: "مسنّة" وهي ما دخلتْ في الثالثة، وقيل: الرابعة.
وأمّا في أوقاص البقر، فروي عن معاذ بن جبل قال:"لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقاص البقر شيئًا" فهو مرسل.
رواه الإمام أحمد (22010)، والطبراني في "الكبير"(20/ (348) كلاهما من حديث حماد ابن زيد، حدّثنا عمرو بن دينار، عن طاوس، عن معاذ بن جبل، فذكره.
وطاوس لم يدرك معاذًا (كما في "المراسيل لابن أبي حاتم" (99" ولذا أخرجه أبو داود في "المراسيل" (107) من وجه آخر عن طاوس قال: "إنّ معاذًا أتى باليمن" فذكره وزاد فيه: "والعسل".
وأمّا ما رواه الدّارقطنيّ (2/ 94) من طريق طاوس، عن ابن عباس، قال:"لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن". فذكره، ففيه الحسن بن عمارة ضعيف جدًّا.
والوقص في الزّكاة ما بين النّصابين.