الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من طريق أبي عامر العقدي.
ورواه الترمذي (1003) من وجه آخر عن أسيد بن أبي أسيد واختصر على قوله: "ما من ميت يموت فيقوم باكية فيقول: وا جبلاه! وا سيداه! أو نحو ذلك، إلا وُكل به ملكان يلهزانه! أهكذا كنت؟ ".
وقال: "حسن غريب".
قلت: وهو كما قال، فإن مداره على أسيد بن أبي أسيد البراد وهو "صدوق".
• عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الميت يعذَّبُ بما نيح عليه".
صحيح: رواه الإمام أحمد (20110)، والطبراني في "الكبير"(6896) كلاهما من حديث عبد الصمد، حدثنا عمر بن إبراهيم، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة فذكر الحديث.
وإسناده صحيح، وأما سماع الحسن من سمرة فالصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أنه سمع منه مطلقًا، أعني حديث العقيقة وغيره.
8 - إنكار عائشة رضي الله عنها على ابن عمر أن الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه
• عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرت، أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: - وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذبُ ببكاء أهله، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب. ولكنه نسيَ، أو أخطأ، إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أَهلُها فقال:"إنكم لتبكون عليها، وإنها لتُعذب في قبرها".
متفق عليه: رواه مالك في الجنائز (37) عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن فذكرته.
ورواه البخاري في الجنائز (1289)، ومسلم في الجنائز (932/ 27) كلاهما من طريق مالك ابن أنس إلا أن البخاري اختصره.
وفي رواية: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يهودي فقال: "إن الميت ليعذّب وإن أهله ليبكون عليه".
• عن عروة بن الزبير قال: ذُكر عند عائشة أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الميت يُعذَّب في قبره ببكاء أهله" فقالت: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وإن أهله ليكون عليه الآن".
وقالت: وذلك مثل قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القَلِيب، وفيه قتلى بدرٍ من المشركين، فقال لهم ما قال:"إنهم ليسمعون ما أقول" إنما قال: "إنهم الآن ليعلمون أن ما كنتُ أقول لهم حق" ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [سورة النمل: 80].
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [سورة فاطر: 22] يقول: حين تبوؤا مقاعدهم من النار.
متفق عليه: رواه البخاري في المغازي (3978، 3979)، ومسلم في الجنائز (932) كلاهما من حديث أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه فذكره.
• عن عروة قال: ذُكر عند عائشة قول ابن عمر: الميت يُعَذّبُ ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئًا فلم يحفظه، إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي، وهم يبكون عليه، فقال:"أنتم تبكون وإنه ليعذَّبُ".
صحيح: رواه مسلم في الجنائز (931) من طرق، عن حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه فذكره.
• عن عبد الله بن عبيدالله بن أبي مليكة قال: تُوُفِّيَتْ ابنةٌ لعثمانَ بمكة وجئنا لنشهدَها، وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وإني لجالسٌ بينَهما - أو قال: جَلستُ إلى أحَدِهما، ثم جاء الآخَرُ فجلسَ إلى جَنبي- فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان: ألا تنهي عنِ البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الميِّتَ ليُعذَّبُ ببكاء أهله عليه".
فقال ابن عباس: قد كان عمرُ يقول بعضَ ذلك، ثم حدَّثَ قال: صدرتُ مع عمر من مكة، حتى إذا كنا بالبَيْداء إذا هو بركب تحت ظِلِّ سَمُرةٍ، فقال: اذهَبْ فانظر من هؤلاء الركبُ. قال: فنظرتُ فإذا صُهَيبٌ، فأخبرتُه، فقال: ادْعُهُ لي، فرجعتُ إلى صُهَيب قلتُ: ارتَحِلْ فالحقْ بأمير المؤمنين. فلما أصيبَ عمرُ دخلَ صُهيبٌ يَبكي يقولُ: وا أخاهُ وا صاحباهُ. فقال عمرُ: يا صُهيبُ أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الميِّت يُعذَّبُ ببعضِ بُكاء أهلِه عليه".
قال ابن عباس: فلما ماتَ عمرُ ذكرتُ ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر، والله! ما حدَّث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن الله ليُعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبُكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] قال ابن عباس عند ذلك: والله {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43] قال ابن مليكة: والله! ما قال ابن عمر شيئًا.
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1286، 1287، 1288)، ومسلم في الجنائز (928) كلاهما من طريق ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة فذكر الحديث بمثله واللفظ للبخاري.
• عن عبد الله بن أبي مليكة قال: كنتُ إلى جنب ابن عمر، ونحن ننتظر جنازةَ أم أبان بنت عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقودُه قائد، فأُراه أخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جَنْبي، فكنت بينهما، فإذا صوت من الدار، فقال ابن عمر -كأنه يَعرِض على عمرو أن يقوم ينهاهم- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الميت ليُعذب ببكاء أهله".
قال: فأرسلها عبد الله مرسلة.
فقال ابن عباس: كنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حتى إذا كنا بالبيداء، إذا هو برجل نازل في شجرة، فقال لي: اذهب فاعلم لي من ذاك الرجل، فذهبتُ فإذا هو صهيب فرجعت إليه، فقلت: إنك أمرتني أن أعلم لك من ذاك، وإنه صهيب، قال: مره فليلحق بنا، فقلت: إن معه أهله، قال: وإن كان معه أهله (وربما قال أيوب: مره فليلحق بنا)، فلما قدمنا لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب يقول: وا أخاه! وا صاحباه! فقال عمر: ألم تعلم، أو لم تسمع (قال أيوب: أو قال: أو لم تعلم أو لم تسمع) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله".
قال: فأما عبد الله فأرسلها مرسلة، وأما عمر فقال: ببعض.
فقمتُ فدخلت على عائشة، فحدثتُها بما قال ابن عمر، فقالت: لا، والله! ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط "إنَّ الميت يعذَّب ببكاء أحد"، ولكنه قال:"إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابًا، وإن الله لهو أضحك وأبكى، ولا تزرُ وازرَةٌ وزر أخرى".
قال أيوب: قال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذِبين ولا مُكذَّبين. ولكن السمع يُخطئُ.
صحيح: رواه مسلم في الجنائز (928) عن داود بن رُشيد، حدثنا إسماعيل ابن عُلية، حدثنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة فذكره.
قوله: فأرسله عبد الله مرسلة -معناه أن ابن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي، ولم يُقيد بيهودي، كما قيدتُه عائشة، ولا بوصية كما قيده آخرون، ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوه عمر بن الخطاب.
لقد ثبت بأَسانيد صحيحة عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، والمغيرة بن شعبة، وعمران بن
حصين، وغيرهم أن الميت يعذب ببكاء أهله، وهل هذه الأحاديث الصّحيحة مخالفة لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} كما فهمت عائشة رضي الله عنها، وخصصت بأن ذلك كان لأجل عذاب اليهود، والأظهر أن تخطيئة هؤلاء الصحابة جميعًا لا يصح، لأنهم هكذا سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عنهم الثقات الضابطون، لا مطعن في صدقهم وحفظهم. لذا يجب تفسير هذه الأحاديث وتأويلها حيث لا تخالف الآية الكريمة.
ومن هذه التأويلات: إن الناس في الجاهلية، كانوا يتفاخرون بالنياحة عليه عند موتهم، فكانوا يوصون بذلك نساءهم وزوجاتهم، فلما حرِّمت النياحةُ وجب عليهم أن يمنعوا من ذلك، فلما لم يمنعوا، وقد نيح عليهم حسب العادات الجاهلية فكان ذلك سببًا لعذابهم، فمن تفطن لذلك منع منها مثل عمر بن الخطاب - ومن لم يتفطن ولم يمنع، وقد نيح عليه عُذِّب.
قال الخطابي رحمه الله: قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما ذهبت إليه عائشة لأنها قد روت (أن ذلك إنما كان في شأن يهودي) والخبر المفسر أولى من المجمل ثم احتجت بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحًا من غير أن يكون فيه خلاف الآية، وذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم بالبكاء والنوح عليهم، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم وهو موجود في أشعارهم كقول القائل وهو طرفة:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
…
وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد
وكقول لبيد:
فقوما فقولا بالذي تعلمانه
…
ولا تخمشا وجهًا ولا تحلفا الشعر
وقولا هو المرء الذي لا صديقه
…
أضاع ولا خان الأمين ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر
ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سَنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سَنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها"، وقولها (وهل ابن عمر) معناه: ذهب وهله إلى ذلك، يقال: وهل الرجل ووهم بمعنى واحد، كل ذلك بفتح الهاء، فإذا قلت وهل بكسر الهاء كان معناه فزع، وفيه وجه آخر ذهب إليه بعض أهل العلم، قال: وتأويله أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها، وجرى من قضاء الله سبحانه فيهم أن يكون عذابهم وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم مطرنا بنوء كذا، أي عند نوء كذا، كذلك قوله:"إن الميت يعذب ببكاء أهله" أي عند بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالًا لا سببًا،