الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "الكدى": جمع الكُدية، وهي القطعة الصلبة من الأرض، والقبور: إنما تحفر في المواضع الصلبة لئلا تنهار، والعرب تقول: ما هو إلا ضب كدية، إذا وصفوا الرجل بالدهاء والأرب، ويقال أكدى الرجل: إذا حفر فأفضى إلى الصلابة، ويضرب به المثل فيمن أخفق، فلم ينجح في طلبته". قاله الخطابي في معالمه.
3 - باب ما جاء من الأدعية لأصحاب القبور والاستغفار لأهل البقيع
• عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدًا مؤجَّلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم! اغفر لأهل بقيع الغرقد".
صحيح: رواه مسلم في الجنائز (974) من طرق، عن إسماعيل بن جعفر، عن شريك (وهو ابن أبي نمر) عن عطاء بن يسار، عن عائشة فذكرته.
• عن محمد بن قيس قال: سمعتُ عائشة تحدث فقالت: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى، قالت: لمَّا كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فَوَضَعَ رداءَه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظَنَّ أن قد رَقَدْتُ، فأخذ رداءَهُ رُوَيْدًا، وانتعلَ رُوَيدًا، وفتحَ البابَ رُوَيْدًا فخرج، ثم أجافَهُ رُوَيْدًا، فجعلتُ دِرْعي في رأْسي، واخْتَمَرْتُ، وتقنَّعْتُ إزاري، ثم انْطَلقْتُ على إثْرِهِ، حتَّى جاءَ البَقِيعَ فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرَّات، ثم انحرفَ فانحرفتُ، فأَسرع وأسرعتُ، فهرْوَلَ فَهَرْوَلتُ، فأحضرَ فأحضرْتُ، فسَبَقتُه فدخلتُ، فليسَ إلا أنِ اضْطَجَعْتُ، فدخل فقال:"ما لكِ يا عائشُ! حشْيًا رابيةً؟ قالت: قلتُ: لا شيء، قال: "لتُخبريني أو ليُخْبِرَنِّي اللَّطيفُ الخبيرُ" قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله! بأبي أنتَ وأُمِّي، فأَخْبرتُه، قال: "فأنتِ السَّوَادُ الذي رأيتُه أَمَامي؟ " قلتُ: نعم، فلَهَدَني في صَدْرِي لَهْدَةً أوجَعَتْنِي، ثم قال: "أظنَنْتِ أنْ يَحيفَ اللهُ عليكِ ورسولُه؟ " قالت: مهما يَكْتُم الناسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ جبريل عليه السلام -أتَاني حينَ رأيتِ فنَادَاني، فأَخْفَاهُ منكِ، فأجَبتُه، فأَخْفَيْتُهُ منكِ، ولم يكن يَدْخُلُ عَليكِ وقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وظَنَنْتُ أنْ قَدْ رَقَدْتِ، فكرهتُ أن أُوقِظَكِ، وَخَشيتُ أن تَسْتَوحِشي، فقال: إنَّ رَبَّكَ يَأمُرُكَ أنْ تأتيَ أهلَ البَقيع فتَسْتَغْفِرَ لَهُم" قالت: قلتُ: كيف أقولُ لهم؟ يا رسول الله قال: قولي: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم
الله المستقيمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لَلَاحقون".
صحيح: رواه مسلم في الجنائز (974: 103) عن هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا ابن جريج، عن عبد الله بن كثير بن المطلب، أنه سمع محمد بن قيس فذكره.
وقولها: "ثم أجافه" بالجيم - أي أغلقه.
وقوله: "ما لك يا عائش! حَشْيًا رابية؟ " عائش فيه ترخيم وهو حذف الحرف الأخير من المنادى.
و"حَشْيًا" - بفتح الحاء وإسكان الشين، معناه: وقد وقع عليك الحشا وهو الربو، والتهيج الذي يعرض للمُسْرع في مشيه، والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره، يقال: امرأة حشياء وحشية، ورجل حشيان وحشش، قيل: أصله من أصاب الربو حشاء.
وقوله: "رابية" أي مرتفعة البطن.
وقولها: "فلَهَدني" بفتح الهاء والدال، ورُوي "فلهزني" - بالزاي وهما متقاربان، ويقرب منهما "لكزه" و"وكزه"، فاللهد الدفع، واللهز الضرب بالكف على الصدر.
• عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأَرسلتُ بريرة في أثره لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إليّ بريرة، فأخبرتْني، فلما أصبحت، سألتُه فقلت: يا رسول الله! ، أين خرجت الليلة؟ قال:"بعثْتُ إلى أهل البقيع لأُصَلِّي عليهم".
حسن: رواه أحمد (24162) عن قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن علقمة ابن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة قالت: فذكرته.
وإسناده حسن من أجل أم علقمة واسمها مرجانة، وهي مختلفة فيها فلم يرو عنها إلا ابنها وشخص آخر، وذكرها ابن حبان في "الثقات"، وقال العجلي:"مدنية تابعية ثقة"، واضطرب فيها قول الذهبي فذكرها في "الميزان" في "المجهولات" وقال في الكاشف:"وثِّقَت".
ورواه النسائي (2038) وابن حبان (3748)، والحاكم (1/ 488) كلهم من طريق مالك -وهو في الموطأ- الجنائز (55) عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مرجانة، إلا أنه لم يذكر فيه رفع اليدين، فلعله اختصره.
وأما ابن حجر فقال فيها: "مقبولة" على قاعدته فيمن وثقه ابن حبان، وهو كما قال، فإنها تقبل عند المتابعة، وإلا فهي لينة الحديث، ولكن لا بأس بقبول حديثها لوجود شواهد له.
وأما ما رُوي عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع فيدعو لهم، فسألته عائشة عن ذلك فقال:"إني أُمرت أن أدعو لهم"، فلم يثبت.
رواه الإمام أحمد (26148) عن عبد الله بن عمرو، عن زهير، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه فذكره.
وأبو بكر هو: ابن محمد بن عمرو بن حزم ولد سنة (36 هـ) ولم يذكروا له سماعًا من عائشة مع أنه كان ممكنًا إذ ماتت عائشة رضي الله عنها سنة (57 هـ) على الصحيح.
ولكن اختلف على عبد الله بن أبي بكر، فيقال: ما رواه زهير وهو: ابن محمد، عن عبد الله بن أبي بكر لا يثبت فيه قوله:"عن أبيه" كما قال الدارقطني فإن صحَّ هذا فلقاء عبد الله بن أبي بكر عن عائشة أبعد، والله تعالى أعلم.
• عن بريدة بن الحُصَيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول (في رواية أبي بكر): السّلام على أهل الديار، (وفي رواية زهير): السلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله لَلاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية".
صحيح: رواه مسلم في الجنائز (975) عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، عن سفيان، عن علقمة بن مَرْثَدٍ، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه فذكره.
وزاد النسائي (2040) بعد قوله: "بكم لاحقون": "أنتم لنا فرط، ونحن لكم تبع، أسأل الله العافية لنا ولكم".
• عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: "السلام عليكم دارَ قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".
صحيح: رواه مالك في الطهارة (28) عن العلاء بن عبد الرحمن، ومن طريقه مسلم (249) في حديث طويل مضى في الطّهارة، باب فضل الوضوء والغرّ المحجلين من آثار الوضوء.
قال الخطابي في معالم السنن: "فيه من العلم أن السلام على الموتَى كهو على الأحياء في تقديم الدعاء على الاسم، ولا يقدم الاسم على الدعاء كما تفعله العامة، وكذلك هو في كل دعاء الخير كقوله تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] وكقوله عز وجل: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130] وقال في خلاف ذلك: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78] فقدم الاسم على الدعاء، وفيه أنه سمي المقابر دارًا، فدل على أن اسم النار قد يقع من جهة اللغة على الربع العامر المسكون، وعلى الخراب غير المأهول كقول الشاعر:
يا دار مَيّة بالعلياء فالسند
ثم قال:
أقْوات وطال عليها سالف الأمد
وأما قوله: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" فقد قيل إن ذلك ليس على معنى الاستثناء الذي يدخل الكلام لشكّ وارتياب، ولكنه عادةُ المتكلِم يُحسِّن بذلك كلامه ويُزينه، كما يقول الرجل
لصاحبه: "إنك إن أحسنتَ إليّ شكرتك إن شاء الله، وإن ائتمنتني لم أخنك إن شاء الله" في نحو ذلك من الكلام، وهو لا يريد به الشك في كلامه. وقد قبل: أنه دخل المقبرة، ومعه قوم مؤمنون محققون بالإيمان، والآخرون يظن بهم النفاق، فكان استثناؤه منصرفًا إليهم دون المؤمنين، فمعناه اللحوق بهم في الإيمان، وقيل إن الاستثناء إنما وقع في استصحاب الإيمان إلى الموت لا في نفس الموت" انتهى كلامه.
وقد رُوي عن أبي مُويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستغفار لأهل بقيع، قال: بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل، فقال:"يا أبا مُوَيْهِبة! ، إنّي قد أُمرتُ أن أستغفِرَ لأهلِ البقيعِ، فانطلقْ معي" فانطلقتُ معه، فلما وقف بين أظهرهم، قال:"السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهل المقابر! ، ليَهْنِ لكم ما أَصْبَحْتُم فيه مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ الناسُ، لَو تَعْلَمُونَ ما نَجَّاكُمُ اللهُ مِنْهُ، أَقبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلَهَا آخِرُها، الآخرَةُ شَرٌّ مِنَ الأولَى"، قال: ثم أقبل عليّ، فقال:"يا أبا مُوَيْهِبة! إني قد أوتيتُ مَفاتيحَ خَزائن الدُّنْيا والخُلْدَ فيها ثُمَّ الجَنَّةَ، وخُيِّرْتُ بينَ ذلك وبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عز وجل والجنة" قال: قلتُ: بأبي وأمِّي، فخُذْ مفاتيح الدنيا والخُلد فيها، ثم الجنة، قال:"لا والله يا أبا مُويْهِبة! ، لقد اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي والجَنَّة" ثم استغفَرَ لأهل البقيع، ثم انصرف، فبُدئَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح.
رواه الإمام أحمد (15996، 15997) من وجهين: أحدهما: من طريق يعلى بن عبيد، عن عبيد بن جبير، عن أبي مُوَيهِبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوجه الثاني: من طريق عبد الله بن عمر العبلي، قال: حدثني عبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي مُوَيهِبة واللفظ للطريق الثاني.
وفي الإسنادين عبيد بن جبير لم يوثقه أحد، ذكره ابن حبان في "الثقات"، فهو "مقبول" حسب تعريف ابن حجر، إلا أنه لم يترجم له في "التقريب"، لأنه من رجال "التعجيل" وفي الإسنادين أيضًا بعض المجاهيل.
وأما قول الحاكم (3/ 55 - 56): "صحيح على شرط مسلم" فهو ليس كما قال، فإن عبد الله بن عمر العبلي ليس من رجال مسلم، لعله وقع له وهم فظن أنه عبيد الله بن عمر بن حفص فقال ما قال. والصحيح أنه عبد الله بن عمر العبلي كما في المصادر الأخرى.
وأما ما رُوي عن ابن عباس قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال:"السلام عليكم يا أهل القبور! يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر" فهو ضعيف.
رواه الترمذي (1053) عن أبي كريب، حدثنا محمد بن الصلت، عن أبي كدينة، عن قابوس ابن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس فذكره.
قال الترمذي: "حسن غريب، وأبو كدينة اسمه يحيى بن المهلب، وأبو ظبيان اسمه حصين بن