الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنا لو جعلناه سببًا لكان مخالفًا للقرآن وهو قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، والله أعلم. انتهي.
وعلى هذا فحمل عائشة على عذاب اليهود أمر نسبي، فعذابهم لعدم إيمانهم بالله ورسوله، وعذاب المسلمين لعدم منعهم من النياحة بعد الموت.
وقد أطال الحافظ ابن القيم في تهذيب السنن في الدفاع عن الأحاديث التي رواها عمر وابنه وغيرهما، وقال: ومحال أن يكون هؤلاء كلهم وهموا في الحديث، ثم أجاب عن شبهة عائشة مثل إجابة الخطابي وزاد عليه.
9 - باب كراهية البكاء على من تُظله الملائكة بأجنحتها
• عن جابر بن عبد الله قال: جيئ بأبي يوم أحُد قد مُثِّل به حتى وُضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سُجي ثوبًا، فذهبت أريد أن أكشف عنه، فنهاني قومي، ثم ذهب أكشف عنه فنهاني قومي، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُفع، فسمع صوت صائحة فقال:"من هذه؟ " فقالوا: ابنة عمرو -أو أخت عمرو- قال: "فلم؟ تبكي أو لا تبكي، فما زالت الملائكة تُظله بأجنحتها حتى رُفع".
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1293)، ومسلم في فضائل الصحابة (2471) كلاهما من حديث سفيان، حدثنا ابن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله فذكره ولفظهما سواء.
وقوله: "تبكي أو لا تبكي" للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة، وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه.
10 - باب جواز البكاء على الميت وإظهار الحزن عليه
• عن أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنةُ النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنًا لي قُبض، فَأتِنا، فأرسل يُقرئ السلام، ويقول:"إن الله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمي، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلتْ إليه قسم عليه ليأْتِينَّها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبي، ونفسُه تتقَعْقَع، -قال: حسبته أنه قال: كأنها شنٌ، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله! ما هذا؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماءَ".
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1284)، ومسلم في الجنائز (923) كلاهما من طريق عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد فذكره، واللفظ للبخاري،
ولفظ مسلم قريب منه.
وبعد الرجوع إلى كتب التاريخ والسير تبين لي أن المُرسلة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم هي فاطمة، والصبي هو: محسن بن علي بن أبي طالب، لأن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أنه مات صغيرًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل إن المرسلة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم هي زينب، ولكن بشكل على هذا، اسم الصبي الذي مات، وزينب لم تلد إلا علي بن أبي العاص بن الربيع، وهو قد ناهز الحلم يوم الفتح، وأمامة التي عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة.
• عن عبد الله بن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَعُوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقَّاص وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال:"قد قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله! فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القومُ بكاءَ النبي صلى الله عليه وسلم بكوا. فقال:"ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، وبحزن القلب، ولكن يُعَذِّب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه".
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1304)، ومسلم في الجنائز (924) كلاهما من حديث ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن الحارث الأنصاري، عن عبد الله بن عمر فذكر الحديث، ولفظهما سواء.
• عن عائشة قالت: لما جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم قتلُ ابن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس، يُعرف فيه الحزنُ، وأنا أنظر من صائر الباب شَقِ الباب.
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1299)، ومسلم في الجنائز (935) كلاهما عن محمد ابن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعتُ يحيي، قال: أخبرتْني عمرة قالت: سمعت عائشة فذكرت الحديث.
• عن أنس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا حين قُتِل القُرَّاءُ، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حَزِن حُزْنًا قط أشدَّ منه.
متفق عليه: رواه البخاري في الجنائز (1300) عن عمرو بن علي، حدثنا محمد بن فُضيل، حدثنا عاصم الأحول، عن أنس فذكره. وأخرجه مسلم في المساجد (677/ 302) من وجه آخر عن عاصم نحوه.
• عن أنس بن مالك قال: شهدنا بنتًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، قال: فرأيتُ عينيه تدمعان، قال: فقال: "هل منكم رجل لم
يقارف الليلة؟ " فقال أبو طلحة: أنا، قال: "فانزل"، قال: فنزل في قبرها.
صحيح: رواه البخاري في الجنائز (1285) عن عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا فُليح ابن سُليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك فذكر الحديث.
وقوله: "لم يقارف" بالقاف والفاء، زاد ابن المبارك عن فليح:"أراه يعني الذنب" ذكره البخاري في باب: من يدخل قبر المرأة تعليقًا.
وقيل معناه: "لم يجامع تلك الليلة" رجحه الحافظ وغيره.
تنبيه: تحرف هلال بن علي في فتح الباري إلى "بلال بن علي".
• عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه، فقالت فاطمة: واكرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات عليه السلام قالت: يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دُفن قالت فاطمة: يا أنس! أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟ .
صحيح: رواه البخاري في المغازي (4462) عن سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس فذكره.
• عن أنس قال: لما قالت فاطمة ذلك، يعني لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: وا كرباه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنَيَّةُ! إنه قد حضر من أبيك ما ليس الله بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة".
حسن: رواه أحمد (12434) عن أبي النضر، حدثنا المبارك، عن ثابت البناني، عن أنس، فذكره.
وإسناده حسن من أجل المبارك وهو ابن فضالة -بفتح الفاء- البصري، مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا صرح؛ لأنه يدلس ويسوي، وقد صرَّح في الإسناد الثاني.
ثم إنه لم ينفرد به، بل تابعه عبد الله بن الزبير الباهلي أبو الزبير فقال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك، فذكر نحوه، وزاد فيه:"لا كَرْبَ على أبيك بعد اليوم". رواه ابن ماجه (1629)، والترمذي في "الشمائل"(380) كلاهما من هذا الوجه.
• عن أبي هريرة قال: لما توفي بن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاح أُسامة بن زيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس هذا منّا، ليس لصارخ حظ، القلب يحزنُ، والعين تدمع، ولا نقول ما يُغضب الرّب".
حسن: رواه ابن حبان في صحيحه (3160) عن عمران بن موسي بن مجاشع، قال: حدثنا هُدْبة بن خالد القيسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة فذكره.
وأخرجه أيضا الحاكم (1/ 382) من طريق حماد بن سلمة بإسناده.
وإسناده حسن لأجل محمد بن عمرو وهو: ابن علقمة بن وقاص الليثي مختلف فيه غير أنه حسن الحديث، وهو من رجال الجماعة.
• عن جابر بن عَتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت، فوجده قد غُلب عليه، فصاح به، فلم يُجبه، فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"غُلبنا عليك يا أبا الربيع" فصاح النسوةُ ويبكين، فجعل جابر يسكتهنَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعهن، فإذا وجب، فلا تَبْكِيَنَّ باكية" قالوا: يا رسول الله! وما الوجوب؟ قال: "إذا مات" فقالت ابنتُه: والله إن كنتُ لأرجو أن تكون شهيدًا، فإنك كنت قد قضيت جهازك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله قد أوقع أجره على قدر نيِته. وما تعدون الشهادة؟ " قالوا: القتل في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنْب شهيد، والمبطون شهيد، والحَرِقُ شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمْعٍ شهيد".
حسن: رواه أبو داود (3111)، والنسائي (1846) كلاهما من طريق مالك (وهو في الموطأ - الجنائز- 36) عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن عتيك بن الحارث، وهو جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه، أنه أخبره أن جابر بن عتيك أخبره فذكره.
ورواه أيضًا الإمام أحمد (23753) من طريق مالك إلا أنه اختصره.
وصحَّحه ابن حبان (3189)، والحاكم (1/ 351 - 352) وروياه من طريق مالك. قال الحاكم:"صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، رواته مدنيون قرشيون .... ".
قلت: إسناده حسن من أجل عتيك بن الحارث وهو ابن عتيك بن قيس بن هيشة المعاوي الأوسي الأنصاري من أهل المدينة، يروي عن جابر بن عتيك وجماعة من الصحابة، روى عنه عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عنك والناس كذا في ثقات ابن حبان (5/ 286) وهو وإن لم أقف على من وثَّقه ولكن كونه من رواة مالك في الموطأ اكتسب قوة، لأن مالكًا كان أدرى الناس بأهل المدينة.
وأما من اضطرب في رواية هذا الحديث فلا يضر من أقامه.
فقد رواه ابن ماجه (2803) من وجه آخر عن أبي العُميس، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن أبيه، عن جده، أنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال قائل من أهله إن كنا لنرجو أن تكون وفاته قتلَ شهادة في سبيل الله
…
فأخطأ في الإسناد.
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(19/ 206): "هكذا يقول أبو العُميس في إسناد هذا الحديث، والصواب ما قاله مالك فيه، ولم يُقِمْه أبو العميس".
قولها: "قد قضيت جهازَك" أي قد أعددت ما تحتاج إليه في سفرك للغزو، أو رحيلك إلى الآخرة من عُدة أو عمل صالح.
• عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء عبد الأشهل، يبكين هَلْكاهن يوم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لكن حمزةَ لا بَواكي له" فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ويحهن ما انقلبن بعد؟ مروهن فلينقلبن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم".
حسن: رواه ابن ماجه (1591) عن هارون بن سعيد المصري، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أنبأنا أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر فذكره.
وإسناده حسن من أجل أسامة بن زيد وهو الليثي، وهو مختلف فيه غير أنه حسن الحديث وهو من رجال مسلم، وأخرجه الحاكم (3/ 194 - 195) وقال:"صحيح على شرط مسلم"، والحديث في مسند الإمام أحمد (5563) من رواية أسامة بن زيد به مثله.
ورواه أبو يعلى (3564) من وجهين: عن أسامة، عن نافع، عن ابن عمر، وعن أسامة، قال: وحدثني الزهري، عن أنس بن مالك فذكر الحديث. ومن الوجه الثاني رواه أيضًا الحاكم (1/ 381) وقال:"صحيح على شرط مسلم".
• عن ابن عباس قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنتًا له، تقضِي فاحتضنها، فوضعها بين ثدْييه فماتتْ وهي بين ثدْييه، فصاحت أم أيمن فقيل: أتبكي عند رسول الله؟ قالت: ألستُ أَراك تبكي يا رسول الله؟ قال: "لست أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه، وهو يحمد الله عز وجل".
صحيح: رواه الإمام أحمد (2475) عن أبي أحمد، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة، عن ابن عباس فذكره.
وإسناده صحيح، وعطاء بن السائب ثقة، وثَقه الأثمة إلا أنه اختلط في آخر عمره، لكن روي سفيان عنه قبل الاختلاط.
وقد رواه النسائي (1843) من طريق أبي الأحوص، والإمام أحمد (2412) من طريق أبي إسحاق، والبزار "كشف الأستار"(808) من طريق جرير بن عبد الحميد- هؤلاء الثلاثة عن عطاء بن السائب به مثله.
وهذه المتابعات تُقوي رواية سفيان، عن عطاء بن السائب، وتؤكد بأنه لم يختلط في هذا الحديث.
وذكره الهيثمي في "المجمع"(3/ 18) وعزاه إلى البزار وقال: "وفيه عطاء بن السائب مختلط".