الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ناسيًا فلا قضاء عليه، إنّ الله أطعمه وسقاه".
رواه الدارقطني (2240)، والطبراني في "الأوسط"(3661) كلاهما من طريق الفزاريّ، عن عطية، عن أبي سعيد، فذكره.
وقال الدارقطني: الفزاري هنا هو محمد بن عبيد الله العرزمين
وقلت: والعرزمي هذا ضعيف باتفاق أهل العلم، وقد ضعّفه الدارقطني نفسه. وقال ابن حبان:"كان رديء الحفظ، وذهبت كتبه فجعل يحدِّث من حفظه فيهم، وكثرت المناكير في روايته"، وقال الحاكم:"متروك الحديث".
وبه أعلّه الهيثمي في "المجمع"(3/ 157) فمثله لا يكون شاهدًا، وإنما ذكرته للعلم به.
وظاهر الحديث يدل على أنّ من أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه، وهو رأي عامة أهل العلم، منهم: سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء.
قال الترمذي: "والقول الأول أصح".
قلت: بعذر مالك رحمه الله، فلعله لم يبلغه هذا الحديث.
فأمّا إذا وطئ زوجته ناسيًا في نهار رمضان فقد اختلف العلماء في ذلك:
فقال الشافعي وأهل الكوفة مثل قولهم فيمن أكل أو شرب ناسيًا.
وقال مالك: عليه القضاء.
وقال أحمد: عليه القضاء والكفارة، ولكل أدلة مبسوطة في كتب الفقه، وانظر للمزيد "المنة الكبرى"
(3/ 319).
3 -
باب تحريم الجماع في نهار رمضان على الصّائم، ووجوب الكفارة على من جامع فيه
• عن أبي هريرة، قال: بينا نحن جلوس عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، هلكتُ! قال:"مالك؟ ". قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هل تجدُ رقبةً تُعتقها؟ ". قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين؟ ". قال: لا. قال: فهل تجدُ إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا. قال: فمكث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أُتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَعَرَقٍ فيها تمر -والعَرَق: المكتل- قال: "أين السائل؟ " فقال: أنا. قال: "خُذْ هذا فتصدَّقَ به". فقال الرجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ ! فواللهِ ما بين لابتيها -يريد الحرّتين- أهلُ بيت أفقرُ من أهلِ بيتي. فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتّى بدتْ أنيابُه، ثم قال:"أطِعْمه أهلَك".
متفق عليه: رواه البخاريّ في الصوم (1936)، ومسلم في الصيام (1111)، كلاهما من طريق الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن، أنَّ أبا هريرة قال (فذكره) واللفظ للبخاريّ.
• وعن أبي هريرة، أنّ رجلًا أفطر في رمضان، فأمره النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يكفّر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا، فقال: لا أجد، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر، فقال:"خذْ هذا فتصدَّق به" فقال: يا رسول الله، ما أحد أحوج مني. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدتْ أنيابه، ثم قال:"كُلْه".
صحيح: رواه مالك في الصيام (29) ومن طريقه مسلم في الصيام (1111: 83) عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، فذكره. هكذا جاء مطلقًا.
رواه أيضًا من طريق ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، أنّ أبا هريرة حدّثه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا".
وقال ابن خزيمة (1943) بعد أن رواه من طريق مالك، وقال مالك في عقب خبره:"وكان فطر بجماع".
قلت: وهو الذي ثبت من الروايات الصحيحة، فإن الذين رووا هذا الحديث عن الزهري قيّدوه بالجماع وهم أكثر عددا كما قال الدارقطني في "العلل"(10/ 227) وذكر أسماءهم.
وقال البيهقي: "رواية الجماعة عن الزهريّ مقيدة بالوطء".
وقال في موضع آخر: رواه عشرون من حفاظ أصحاب الزّهريّ بذكر الجماع، بل وقد بلغ هذا العدد عند الحافظ ابن حجر أكثر من أربعين. انظر:"فتح الباري"(4/ 163).
بخلاف التخيير وإن كان تابعه على ذلك جماعة ذكرهم الدارقطني (2397) ولكنه قال: "وخالفهم أكثر منهم عددا فرووه عن الزّهريّ بهذا الإسناد: أنّ إفطار ذلك الرجل كان بجماع وأنّ النبي أمره أن يكفّر بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا". ثم ذكر هؤلاء فبلغ عددهم أكثر من ثلاثين شخصًا.
وأما ما روي عن أبي هريرة: "أنّ رجلًا أكل في رمضان، فأمره النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينًا" فهو ضعيف.
رواه الدارقطني (2308) من طريق أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، فذكره.
قال الدارقطني: "أبو معشر هو نجيح، وليس بالقوي".
وقد اختلف في زيادة أمره بقضاء يوم مكانه في هذا الحديث.
فرواه أبو داود (2293) وعنه الدارقطني (2305)، وابن خزيمة (1954)، والبيهقي (226)
كلّهم من حديث هشام بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان" بهذا الحديث، قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعًا. وقال فيه: "كُلْه أنت وأهل بيتك، وصمْ يومًا واستغفر الله".
وهشام بن سعد هو المدني مختلف فيه غير أنه حسن الحديث إذا لم يخالف لأنه رُمي بسوء الحفظ.
وهنا خالف في الإسناد، وزاد في المتن، وهو قوله:"وصُمْ يومًا".
ولذا قال ابن خزيمة: "هذا الإسناد وهم".
ولكن قوّاه البيهقيّ من وجهين:
أحدهما: رُوي ذلك عن سعيد بن المسيب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وهو ما رواه مالك في الصوم (30) عن عطاء بن عبد الله الخراسانيّ، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟ ". فقال: أصبتُ أهلي، وأنا صائم في رمضان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل تستطيع أن تُعتق رقبة؟ ". فقال: لا. فقال: "هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ ". قال: لا. قال: "فجالس"، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر، فقال:"خذ هذا فتصدّق به". فقال: ما أجد أحوج مني. فقال: "كُلْه وصم يومًا مكان ما أصبتَ".
قال مالك: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب: كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: ما بين خمسة عشر صاعًا إلى عشرين.
وهذا المرسل رواه أبو داود في مراسيله (102)، وانيهقي (4/ 227) كلاهما من طريق مالك.
قال أبو داود: "مالك يهم في اسم أبي عطاء ليس هو ابن عبد الله".
قلت: وهو كما قال؛ فإنّ عطاء هو ابن أبي مسلم، واسم أبيه ميسرة، وقيل: عبد الله، فلعلّ مالكًا اختار المرجوح، المهم أنه لا خلاف بأنه الخراساني.
ورفعه ابن ماجه (1671)، والبيهقي (4/ 226) من حديث عبد الجبار بن عمر، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، فذكره. كما رواه البيهقي (4/ 226) من طريق أبي مروان، ثنا إبراهيم بن سعد من وجهين.
وقال: رواه أيضًا أبو أويس المدنيّ، عن الزهري، ثم أسنده عنه.
وتابعه أيضًا عبد الجبار بن عمر، عن الزّهريّ، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وعبد الجبار بن عمر ضعيف كما قلت.
وقال: وقد روي ذلك أيضًا في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه. ثم أخرجه هو والإمام أحمد (6945)، وابن خزيمة (1955) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده، بمثل حديث الزّهريّ عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، حديث الواقع وزاد فيه. قال عمرو: وأمره أن يقضي يومًا مكانه.
وأعلّه ابن خزيمة بما ليس بعلة قادحة، فقال:"حدّثنا الحسين بن مهدي، نا عبد الرزاق، أخبرنا ابن المبارك، قال: "الحجاج بن أرطاة لم يسمع من الزهريّ شيئًا".
قلت: هنا لم يرو الحجاج عن الزّهريّ، وإنما يرويه عن عمرو بن شعيب.
والخلاصة أن لهذه الزيادة طرقًا أخرى ذكرها الحافظ في "التلخيص"(2/ 207)، وفي الفتح (4/ 172) وقال:"وبمجمع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلًا".
ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية بأنّ هذه الزيادة ضعيفة، وضعفها غير واحد من الحفاظ. "الفتاوي"(25/ 225).
وقال عبد الحقّ في "أحكامه"(2/ 231): "إنما يصح حديث القضاء مرسلًا، وكذلك رواه مالك أيضًا، وهو من مراسيل سعيد بن المسيب".
رواه مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني، عن سعيد بن المسيب، فذكر القصة، وقال:"كله وصم يوما مكان ما أصبت".
قال الحافظ ابن القيم في "تهذيب السنن"(3/ 273) بعد أن نقل كلام عبد الحقّ: "والذي أنكره الحفاظ ذكر هذه اللفظة في حديث الزّهريّ، فإن أصحابه الأثبات الثقات
…
لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، وإنما ذكرها الضعفاء عنه، ولكنه نقل عن الدارقطني بأنّ هؤلاء ثقات".
ثم قال: "ثقة الراوي شرط في صحة الحديث لا موجبة، بل لا بد من انتفاء العلّة والشّذوذ، وهما غير منتفين في هذه اللفظة" انتهى.
والمصححون ذهبوا إلى قبول هذه الزيادة بناء على قاعدة: "زيادة الثقة مقبولة" التي لا يختلف فيها أحد من نقّاد الحديث، وإنما يختلفون في تطبقها واشتراط بعض القيود في قبولها.
وأما الفقهاء فالجمهور منهم ذهبوا إلى وجوب القضاء عليه، منهم: مالك وأحمد وأبو حنيفة والشافعي في أظهر أقواله.
وللشافعي قول آخر: أنه لا يجب عليه القضاء إذا كفر، وله قول ثالث: أنه إن كفر بالصيام فلا قضاء عليه، وإن كفَّر بالعتق أو بالإطعام قضي. وهذا قول الأوزاعي.
• عن عائشة أنّها قالت: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: احترقتُ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لِمَ؟ ". قال: وطِئْتُ امرأتي في رمضان نهارًا. قال: "تصدَّقْ، تصدَّقْ". قال: ما عندي شيءٌ، فأمره أن يجلس، فجاءه عرقان فيهما طعام، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدَّق به.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الصوم (1935)، ومسلم في الصيام (1112) كلاهما من طريق يحيى بن سعيد، أنّ عبد الرحمن بن القاسم أخبره، عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوّام بن خويلد، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير أخبره، أنه سمع عائشة تقول (فذكرته).
واللفظ لمسلم، وفي رواية له: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدَّق بهذا". فقال: يا رسول الله، أغيَرنا؟ ! فواللهِ إنّا لجياعٌ ما لنا شيءٌ، قال: "فُكُلوه". هكذا رواه الشيخان مختصرًا.
ورواه أبو داود (2394) من طريق عمرو بن الحارث، أنّ عبد الرحمن بن القاسم حدّثه، أن محمد بن جعفر بن الزبير حدَثه، أنّ عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه، أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: أتى رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله، احترقتُ، فسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما شأنُه؟ " قال: أصبتُ أهلي. قال: "تصدَّقْ". قال: واللهِ! ما لي شيء، ولا أقدر عليه. قال:"اجلسْ"، فجلس. فبينما هو على ذلك؛ أقبل رجل يسوق حمارًا عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين المحترق آنفًا؟ ". فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تصدَّق بهذا". فقال: أعلى غيرنا؟ فوالله! إنّا لجياع ما لنا شيء. قال: "كلوه".
وتابعه على البعض محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بإسناده، وفيه: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل فارع أجم حسان.
رواه الإمام أحمد (26359) عن يعقوب، قال: حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق.
وقوله: "وهو جالس في ظل فارع أجم حسان" شاذ فإنّ الصحيح أنه كان في المسجد. الفارع من كلّ شيء: المرتفع العالي.
وفي الباب ما رُوي عن جابر بن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من أفطر يومًا في شهر رمضان في الحضر، فليهد بدنة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعًا من تمر للمساكين". رواه الدارقطني (2309) وقال: وفيه الحارث بن عبيدة ومقاتل بن سليمان ضعيفان.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أنس بن مالك مرفوعًا: "من أفطر يومًا من شهر رمضان من غير رخصة ولا عذر كان عليه أن يصوم ثلاثين يومًا، ومن أفطر يومين كان عليه ستون. ومن أفطر ثلاثة أيام كان عليه تسعون يومًا".
رواه الدارقطني (2310) من طريق مقاتل بن حيان، عن عمرو بن مرة، عن عبد الوارث الأنصاري، قال: سمعت أنس بن مالك، فذكره.
قال الدارقطني: "لا يثبت هذا الإسناد، ولا يصح عن عمرو بن مرة".
وروي أيضًا عن أنس مرفوعًا: "من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر فعليه صيام شهر". رواه الدارقطني (2311) من حديث مدل بن علي، عن أبي هاشم، عن عبد الوارث، عن أنس، فذكره.
قال الدارقطني: "مندل ضعيف".
وفي الباب ما رُوي عن ابن عمر، قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أفطرتُ يومًا من رمضان. قال: "من غير عذر ولا سفر؟ ". قال: نعم. قال: "بئس ما صنعتَ". قال: فما تأمرني؟ قال: "اعتق رقبة". نذكر باقي الحديث، وليس فيه ذكر للجماع.
رواه أبو يعلى (5725)، والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط".
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 161 - 168): "ورجاله ثقات".
قلت: ولكن فيه حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر، وحبيب كثير الارسال والتدليس، ولم يدرك ابن عمر بن الخطاب.
قال علي بن المديني: "حبيب بن أبي ثابت لقي ابن عباس، وسمع من عائشة، ولم يسمع من غيرهما من الصحابة".
فقه الحديث:
ظاهر الحديث يدل على الأمور الآتية:
1 -
إن المفطر في رمضان بإصابة أهله عليه الكفارة المذكورة، وهو أمر لا خلاف بين جمهور أهل العلم إلا من شذ، فقال: لا تجب مستندًا إلى أنه لو كان واجبًا لما سقط بالإعسار، وقد أجيب بأنه لم يسقط بالإعسار، بل دُفِعَ عنه من المال العام، إذ لو لم يكن واجبا لما دفع عنه. وفيه كلام طويل في كتب الحديث والفقه.
2 -
إنّ هذه الكفارة تكون على الترتيب الذي جاء في الحديث مرتبة ككفارة الظهار في كتاب الله في قوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة المجادلة: 2 - 3].
وبه قال جمهور أهل العلم منهم: أبو حنيفة، وأصحابه، والشافعي، وأحمد في رواية.
وذهب مالك إلى التخيير كما في حديث أبي هريرة الذي رواه في الموطأ. وهي رواية ثانية عن أحمد، إلا أنّ مالكًا يختار الإطعام لأنه يشبه البدل من الصيام، وقد رُوي عن مالك أنه قال: الذي نأخذ به في الذي يصيب أهله في نهار رمضان إطعام ستين مسكينًا، أو صيام ذلك اليوم. وليس التحرير والصيام من كفارة رمضان في شيء".
قال ابن قدامة في "المغني"(4/ 380): "وهذا القول ليس بشيء لمخالفته الحديث الصحيح، مع أنه ليس له أصل يعتمد عليه، ولا شيء يستند إليه، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.
وأما الدّليل على وجوب الترتيب فالحديث الصّحيح رواه معمر، ويونس، والأوزاعي، واللّيث، وموسى بن عقبة، وعبيدالله بن عمر، وعراك بن مالك، وإسماعيل بن أمية، ومحمد بن أبي عتيق وغيرهم عن الزّهريّ عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
للواقع على أهله: "هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا، قال:"فهل تستطيع أن نصوم شهرين متابعين؟ ". قال: لا. قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ ". قال: لا. وذكر سائر الحديث وهذا لفظ الترتيب، والأخذ بهذا أولي من رواية مالك لأن أصحاب الزّهريّ اتفقوا على روايته هكذا سوى مالك وابن جريج فيما علمنا، واحتمال الغلط فيهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه؛ ولأن الترتيب زيادة، والأخذ بالزيادة متعين. ولأنّ حديثنا لفظُ النبي صلى الله عليه وسلم وحديثهم لفظ الرّاوي، ويحتمل أنه رواه بـ "أو" لاعتقاده أن معنى اللّفظين سواء، ولأنّها كفارة فيها صوم شهرين متتابعين، فكانت على الترتيب ككفارة الظِّهار والقتل" انتهى كلامه.
3 -
ذهب مالك في "الموطأ" إلى أن المفطر في رمضان بأكل أو شرب، أو جماع أنّ عليه الكفارة المذكورة، كما يدل عليه ظاهر الحديث الذي لم يقيد بالجماع. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وعند الشافعي في رواية: عليه مع القضاء العقوبة لانتها كهـ حرمة الشهر. وقال أحمد: لا أقول بالكفارة إلا في الفتيان. ذكره الأثرم أي عليه القضاء ولا كفارة عليه.
والقول الثاني للشافعي: عليه القضاء وليس عليه الكفارة؛ لأنّ الحديث ورد في المجامع، وليس الأكل منه. بدليل إجماعهم أن المستقيء عاما عليه القضاء فقط.
4 -
ذهب جمهور أهل العلم منهم الأئمة الأربعة وغيرهم أن المجامع في رمضان عليه قضاء ذلك اليوم مع الكفارة، للزيادة التي ثبتت في الحديث كما مضى.
قال ابن عبد البر: ومن جهة النظر والقياس أن الكفارة عقوبة للذنب الذي ركبه، والقضاء بدل من اليوم الذي أفده، فكما لا يسقط عن المفسد حجّه بالوطء البدل إذا أهدى، فكذا قضاء اليوم". الاستذكار (10/ 100). وقال الشافعي في أحد قوليه: من لزمه الكفارة لا قضاء عليه؛ لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمر الأعرابي بالقضاء.
وحكي عن الأوزاعي: إن كفّر بالصيام فلا قضاء عليه، لأنه صام شهرين متتابعين.
5 -
وليس في الحديث ما يدل على أن الكفارة لا تلزم الفقير كما ذهب إليه البعض محتجًا بظاهر الحديث؛ بل الحديث يدل على عكس من ذلك فإنّ الأعرابي الذي قال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أطعم ستين مسكينًا". فقال: لا أجد. فلم يسقط عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم بل أمهله، فلما جاء له. قال:"خذ هذا وتصدَّق". فأخبر أنه ليس بالمدينة أحوج إليه منه.
وقد ثبت في الحديث: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غني، فلم ير له أن يتصدّق على غيره ويترك نفسه وعياله.
ففيه تأجيل لا تعطيل، فمتى ما يجد يجب عليه، سواء يتصدق على أهله أو على غيره.
أو أنه يحمل على أن هذا خاص لذلك. الرجل، ولو أن رجلًا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من