الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدنيين أنه لا يفطر أحد بالحجامة" انتهى كلامه.
قلت: وهو قول سفيان الثوري، ومالك، وبعض أهل المدينة.
12 - باب فيمن استقاء عمدًا
• عن أبي هريرة، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقضِ".
حسن: وله طريقان عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.
أحدهما: عن عيسي بن يونس، عنه.
ومن طريقه رواه أبو داود (2380)، والترمذي (720)، وابن ماجه (1676)، والدارقطني (2273)، والبيهقي (4/ 219) وصحّحه ابن خزيمة (1960)، والحاكم (1/ 427).
قال الدارقطني: "رواته كلهم ثقات".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
ولكن نقل الترمذي عن البخاري أنه قال: "لا أُراه محفوظًا".
وقال هو: حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا من حديث عيسي بن يونس. وقال:"وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده" انتهى
وقال البيهقي: تفرّد به هشام بن حسان القردوسي. وقال: وبعض الحفاظ لا يراه محفوظًا (ولعله يقصد به البخاري).
وقال: قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "ليس من ذا شيء".
قلت: أما تفرد هشام بن حسان القردوسي الأزدي فلا يضرّ فإنه ثقة.
قال الحافظ في "التقريب": "ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين" وهذا منه.
وأما عيسي بن يونس فهو ابن أبي إسحاق السبيعي وهو "ثقة مأمون"، ثم هو لم ينفرد به كما قال الترمذي، بل توبع، وهو الآتي.
وثانيهما: ما رواه حفص بن غياث، عن هشام بن حسان، ومن طريقه رواه ابن ماجه، وابن خزيمة (1961)، والحاكم، والبيهقي، وأشار إليه أبو داود.
قال الحاكم: وتابعه عيسي بن يونس (أي تابع حفص بن غياث).
والبخاري رحمه الله لم يخرج هذا الحديث في "صحيحه"، ولكن أعله بقوله -كما ذكره في صحيحه: باب الحجامة والقيء للصائم-: وقال لي يحيى بن صالح: حدّثنا معاوية بن سلام، حدّثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان سمع أبا هريرة رضي الله عنه: "إذا قاء فلا يفطر، إنما
يخرج ولا يولج". ويُذكر عن أبي هريرة أنه "يفطر" والأول أصحّ".
ونقل عنه الترمذي في "العلل الكبير"(1/ 343): "سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه إلّا من حديث عيسي بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة. وقال: ما أراه محفوظًا. وقد روي يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم، أنّ أبا هريرة كان لا يرى القيء يُفطر الصّائم" انتهى.
قلت: والذي قاله البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 91 - 92): هو قال لي مسدّد، حدّثنا عيسي بن يونس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"من استقاء فعليه القضاء".
قال: ولم يصح، وإنما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، رفعه.
وخالفه يحيى بن صالح، قال: ثنا معاوية، قال: ثنا يحيى، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، سمع أبا هريرة، قال:"إذا قاء أحدكم فلا يفطر، فإنّما يخرج ولا يولج".
يفهم من قول البخاري أنه يقارن بين رواية عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة المرفوع.
وبين ما رواه يحيي بن صالح، عن معاوية
…
من كلام أبي هريرة.
ولا شك أن رواية عبد الله بن سعيد المرفوع ضعيف لضعف عبد الله بن سعيد، فإنّ أهل العلم مطبقون على تضعيفه؛ ولذا تجنب أصحاب الصحاح مثل ابن خزيمة والحاكم، وأصحاب السنن من إخراج هذا الحديث من طريق عبد الله بن سعيد، وإنما أخرجوه من طريق عيسي بن يونس، وحفص بن غياث بإسنادهما. ونصَّ الدارقطني -وهو إمام في النقد- بأنّ رجاله كلّهم ثقات.
ثم ما رواه عيسي بن يونس، وحفص بن غياث، فإن الجزء الأول منه وهو قوله:"من ذرعه القيء فليس عليه القضاء"، موافق لفتوى أبي هريرة، فلا مخالفة بين ما رواه وبين ما أفتى به.
وأما قوله: "من استقاء فعليه القضاء" فهو مسكوت عنه في فتواه.
وحيث رواه ثقتان حافظان، ولا معارض لهما فهو صحيح حسب القواعد الحديثية؛ لأنه لا علّة فيه ولا شذوذ.
ولذا صححه كثير من الحفّاظ، قال النووي في "المجموع" (6/ 316):"فالحاصل أن حديث أبي هريرة بمجموع طرقه وشواهده المذكورة حديث حسن. وكذا نص على حسنه غير واحد من الحفاظ، وكونه تفرد به هشام بن حسان لا يضر؛ لأنّه ثقة وزيادة الثقة مقبولة عند الجمهور من أهل الحديث والفقه والأصول".
وقال الترمذي عقب حديث أبي هريرة: "والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الصائم، إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه، وإذا استقاء عمدًا، فليقضِ، وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق".
• عن معدان بن أبي طلحة، أنّ أبا الدرداء حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر.
قال: فلقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد دمشق، فقلت له: إنّ أبا الدرداء أخبرني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر. قال: صدق أنا صببت عليه وضوءه.
صحيح: رواه أبو داود (2381)، والترمذي (87)، والنسائي في الكبرى (3107)، وأحمد (27502) وصحّحه ابن خزيمة (1957) وعنه ابن حبان (1097)، والحاكم (1/ 426)، والبيهقي (4/ 220) كلهم من طريق الحسين المعلم، عن يحي بن أبي كثير، حدثني عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يعيش بن الوليد بن هشام، حدثه أباه، قال: حدثني معدان بن أبي طلحة، فذكره.
ومنهم من لم يذكر بين يعيش بن الوليد وبين معدان بن أبي طلحة أبا يعيش. والصواب إثباته في رواية الحسين المعلم ولذا رجح غير واحد من أهل العلم روايته على رواية غيره.
قال الترمذيّ: "وقد جوّد الحسين المعلم هذا الحديث". وقال: "حديث حسين أصح شيء في هذا الباب".
ونقل في "العلل الكبير"(1/ 168) عن البخاري أنه قال: "جوّد الحسين المعلم هذا الحديث".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه لخلاف بين أصحاب عبد الصمد فيه. قال بعضهم: عن يعيش بن الوليد، عن أبيه، عن معدان. وهذا وهم عن قائله، فقد رواه حرب بن شداد، وهشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير على الاستقامة".
ثم رواه حديث حرب بن شداد، وهشام الدستوائي بدون ذكر والد يعيش في الإسناد.
وقد سبقه إلى ذلك ابن خزيمة، فقال: إن الصواب ما رواه أبو موسى، وأن يعيش بن الوليد سمع من معدان، وليس بينهما أبوه" انتهي.
وقوله: "قاء فأفطر". الأصل أن الفاء للبية، ولكن عرف من دلالة الأحاديث الأخرى أن القيء ليس ناقضًا للوضوء كما أنه ليس مفطِّرًا، فلعله أفطر من الضعف الذي طرأ عليه، لأنه مع القيء قد لا يستطيع الاستمرار في الصوم خشية الضرر والمرض.
وأما البيهقي فأولًا حكم على الحديث بأنه مختلف في إسناده، ثم قال: فإن صحّ فهو محمول على ما لو تقيّأ عامدًا، وكأنّه صلى الله عليه وسلم كان مقطوعًا بصومه، ثم قال: ورُوي من وجه آخر عن ثوبان" وهو الآتي بعد حديث فضالة بن عبيد.
• عن فضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاريّ، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان يصومه، قال: فدعا بماء فشرب، فقلنا له: والله يا رسول الله، إن كان هذا اليوم كنت تصومه، قال:"أجل، ولكني قِئْتُ".
حسن: رواه الإمام أحمد (32963) عن يعقوب، قال: حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال:
حدثني يزيد بن أبي حيب، عن أبي مرزوق مولي تُجيب، عن حنش، عن فضالة بن عبيد، فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق فإنه مدلس، ولكنه صرَّح، كما أنه توبع.
رواه أحمد أيضًا (23948) من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به، نحوه.
ورواه الدارقطني (2259) من طريق المفضل بن فضالة وآخر، والبيهقي (4/ 220) منه ومن عبد الله بن لهيعة، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، بإسناده، نحوه مختصرًا.
قال البيهقي: وكذلك رواه يحيي بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب. وهو أيضًا محمول على العمد.
إذا صحَّ هذا فلا يضرّ ما رواه ابن ماجه (1675) من حديث محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، قال: سمعت فضالة بن عبيد الأنصاريّ، فذكر الحديث.
وهذا الذي أعلَّه البوصيريّ، فقال:"هذا إسناد ضعيف، أبو مرزوق التجيبي لا يعرف اسمه، لم يسمع من فضالة بن عبيد، بينهما حنش ومحمد بن إسحاق مدلي وقد عنعنه".
قلت: تدليس ابن إسحاق غير مؤثر كما رأيت لوجود التصريح منه، ومتابعة له. وأما أبو مرزوق فاسمه حبيب بن الشهيد التجيبي المصري، وقد ورد في بعض نسخ ابن ماجه "أبو روق" وهو تصحف.
وأما سماع أبي مرزوق من فضالة -كما في ابن ماجه- فلا يصح لوجود حنش بن عبد الله في الروايات الأخرى، ولذا الذي صحَّ لا يُعلّه الذي لم يصح.
وقد أكد ذلك أبو حاتم في "العلل"(1/ 238) قال عبد الرحمن: سمعت أبي، وذكر حديثًا رواه حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، عن فضالة ابن عبيد، فذكر الحديث.
قال: قال أبي: بين أبي مرزوق وفضالة حنش الصنعاني من غير رواية ابن إسحاق. انتهى.
قلت: قد يكون كما قال أبو حاتم: وقد يكون أن محمد بن إسحاق روي من وجهين: في أحدهما لم يذكر حنش الصنعاني كما في رواية حماد بن سلمة عنه، وفي رواية محمد بن عبيد رواه عنه الإمام أحمد (23935) عن محمد بن إسحاق.
وفي ثانيهما ذكر الواسطة كما سبق، وبالله التوفيق.
وفي الباب ما رُوي عن ثوبان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في غير رمضان، فأصابه غمٌّ آذاه، فتقيّأ فقاء، فدعا بوضوء فتوضأ، ثم أفطر. فقلت: يا رسول الله، أفريضة الوضوء من القيء؟ قال:"لو كان فريضة لوجدته في القرآن". قال: ثم صام رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد، فسمعته يقول:"هذا مكان إفطاري أمس".
رواه الدارقطني (2272) من حديث عتبة بن السكن الحمصي، حدّثنا الأوزاعي، حدّثنا عبادة ابن نُسي، وهبيرة بن عبد الرحمن، قالا: حدّثنا أبو أسماء الرّحبي، قال: حدّثنا ثوبان، فذكره.
قال الدارقطني: عتبة بن السكن متروك الحديث.