الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكفير، وإليه ذهب الزهريّ.
وفي الحديث فوائد أخرى، قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 173):"وقد اعتنى به بعض المتأخرين ممن أدركهـ شيوخنا، فتكلم عليه في مجلدين، جمع فيهما ألف فائدة وفائدة، ومحمله إن شاء الله تعالى فيما لخصته مع زيادات كثيرة عليه. فلله الحمد على ما أنعم". انتهى كلامه.
4 - باب الرخصة في إتيان النساء في ليالي رمضان
قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية [البقرة: 187].
قال ابن جرير في "تفسيره"(3/ 233): إن قال لنا قائل: وما هذه الخيانة التي كان القوم بختانون أنفسهم التي تاب الله منها عليهم فعفا عنهم؟
قيل: كانت خيانتهم أنفسهم التي ذكرها الله في شيئين:
أحدهما: جماع النساء. والآخر: المطعم والمشرب في الوقت الذي كان حرامًا ذلك عليهم.
• عن البراء بن عازب قال: لما نزل صومُ رمضان كانوا لا يقربون النّساء رمضان كلَّه، وكان رجالٌ يخونون أنفسهم، فأنزل الله:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} .
صحيح: رواه البخاريّ في التفسير (4508) من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، به.
قال ابن حجر في "الفتح"(8/ 181 - 182): "وظاهر سياق حديث الباب أن الجماع كان ممنوعًا في جميع الليل والنهار بخلاف الأكل والشرب فكان مأذونًا فيه ليلًا ما لم يحصل النوم، لكن بقية الأحاديث الواردة في هذا المعنى تدل على عدم الفرق -كما سأذكرها بعد-. فيحمل قوله: "كانوا لا يقربون النساء" على الغالب جمعًا بين الأخبار" انتهى.
5 - باب ما جاء في القبلة للصّائم
• عن عائشة أمِّ المؤمنين أنّها قالت: إن كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكتْ.
متفق عليه: رواه مالك في الصيام (14) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته.
ورواه البخاريّ في الصوم (1928) من طريق مالك، به.
ورواه مسلم في الصيام (1106: 62) من طريق سفيان (هو ابن عيينة)، عن هشام بن عروة، به.
ورواه أيضًا (64) من طريق القاسم (هو محمد بن أبي بكر)، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله
- صلى الله عليه وسلم يقبِّلُ وهو صائم، وأيُّكم يملك إِرْبه كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يملك إرْبه".
قولها: "إرْبه" بفتح الهمزة وكسرها، أصله: العضو، وهو هنا كناية عن الجماع. كأنها تمنع من ذلك خوفا من أن يقع الصائم في محظور، لا أنها تحرم ذلك، ولا أنها كانت ترى ذلك من خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم كما قال القرطبي في المفهم (3/ 164).
لأنه جاء في موطأ مالك في الصوم (17) عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها زوجها، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم. فقالت له: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم.
قال ابن حجر في الفتح (4/ 150): "إن فتوي عائشة هذه تدل على أنها لا ترى تحريمها، ولا كونها من الخصائص".
• عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلني. وهو صائم، وأنا صائمة.
صحيح: رواه أبو داود (2384)، وأحمد (25456) كلاهما من حديث سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن طلحة بن عبد الله -يعني ابن عثمان القرشي-، عن عائشة، فذكرته.
وصححه ابن خزيمة (2004) من وجه آخر عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم بإسناده. ولفظه: أهوى إلىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبِّلني. فقلتُ: إنّي صائمة. قال: "وأنا صائم" فقبَّلني. وإسناده صحيح.
• عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل بعضَ نسائه وهو صائم. قلت لعائشة: في الفريضة والتطوّع؟ قالت عائشة: في كلِّ ذلك، في الفريضة والتّطوّع.
صحيح: رواه ابن حبان (3045) من طريق عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت (فذكرته).
وإسناده صحيح؛ غير أني لم أقف على هذا الإسناد في النسخة المطبوعة لمصنف عبد الرزاق، وإنما فيه (8408): عن معمر وابن جريج، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل بعض نسائه وهو صائم. وهذا إما فيه سقط فإنّ معمرًا في الطبقة السابعة توفي سنة (153 هـ) لا يمكن أن يدرك أبا سلمة بن عبد الرحمن وهو من الطبقة الثالثة، توفي سنة (94 هـ)، أو فيه انقطاع.
ورواه أيضًا النسائي في "الكبرى"(3058) من طريق معمر، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة إلا أنه لم يذكر فيه قولها:"في الفريضة والتطوّع".
ولا يضرّ في صحة الحديث ما جاء من وجه آخر عن أبي سلمة، أن عمر بن عبد العزيز أخبره عن عروة، عن عائشة، كما رواه النسائي في "الكبرى"(3016) وغيره.
فإنّ هذا الخبر سمع أبو سلمة عن عمر بن عبد العزيز، عن عروة، عن عائشة كما سمعه عنها بدليل قوله:"قلت لعائشة". فأدّى على الوجهين، وكلاهما محفوظ.
• عن عائشة، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يمتنع من شيء من وجْهي وهو صائم.
حسن: رواه الإمام أحمد (25782) عن وكيع، عن زكريا، عن العباس بن ذريح، عن الشعبي، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة، فذكرته.
رواه ابن حبان في صحيحه (3546) من وجه آخر عن وكيع، به إلا أنه قال فيه: "لا يلمس من وجهي
…
".
وهو تصحيف ومخالف لما ثبت في الصحيح من تقبيل النبيّ صلى الله عليه وسلم إياها.
وإسناده حسن من أجل محمد بن الأشعث فإنه حسن الحديث وقد توبع.
وهو ما رواه أحمد (24699) وصححه ابن خزيمة (2001) كلاهما من حديث مطرف، عن عامر، عن مسروق، قال: قالت عائشة: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليظلّ صائمًا، ثم يقبّل ما شاء الله من وجهي حتى يفطر".
هذا لفظ أحمد. وأمّا لفظ ابن خزيمة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل صائمًا لا يبالي ما قبَّل من وجهي حتى يفطر". وقال يوسف: "فقبَّل ما شاء من وجهي". وقال الزعفراني: "فقبَّل أيَّ مكان شاء من وجهي".
قال الدارقطني: "ويشبه أن يكون القولان صحيحين عن الشعبي، عن مسروق ومحمد بن الأشعث، عن عائشة" العلل (15/ 137).
وأما ما رُوي عنها: "أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمصُّ لسانها" فهو منكر. رواه أبو داود (2386)، والإمام أحمد (24916)، وابن خزيمة (2003)، والبيهقي (4/ 234) كلّهم من طرق عن محمد بن دينار، حدّثنا سعد بن أوس العبدي، عن مِصدع أبي يحيى، عن عائشة، فذكرته.
قال ابن الأعرابي: "بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح".
قلت: وهو كما قال فإن فيه سلسلة من الضعفاء: محمد بن دينار مختلف فيه، والخلاصة فيه كما قال ابن حبان في "المجروحين" ترك الاحتجاج بما انفرد. وهذا مما انفرد به في قوله:"يمص لسانها".
وشيخه سعد بن أوس العبدي، قال فيه ابن معين: بصري ضعيف.
وشيخه مصدع أبو يحيى الأنصاري. قال ابن معين: لا أعرفه. وقال ابن حبان في "المجروحين" كان يخالف الأثبات في "الروايات" وينفرد بالمناكير.
وذكره العقيلي في "الضعفاء" وقال الحافظ ابن حجر: "مقبول" أي إذا توبع، هذا لم يتابع عليه فهو لين الحديث.
وبه أعلّه ابن خزيمة فقال: "إن جاز الاحتجاج بمصدع أبي يحيى، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح".
وقولها: "كان يمصُّ لسانها" هذا مما انفرد به هؤلاء الضعفاء، ولم يتابعوا عليه. وقد أعلّه المنذريّ بمحمد بن دينار، فقال:"ويمص لسانها" لا يقول إلا محمد بن دينار. وفي إسناده أيضًا سعد بن أوس، قال ابن معين:"بصري ضعيف".
ونقل الحافظ ابن القيم في "تهذيب السنن"(3/ 263) عن عبد الحق أنه قال: "لا تصح هذه الزيادة في مصّ اللسان؛ لأنّها من رواية محمد بن دينار عن سعد بن أوس، ولا يحتج بهما" انظر: الأحكام الوسطى (2/ 219).
• عن أمِّ سلمة، قالت: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حِضْتُ، فانسلَلْتُ فأخذتُ ثيابَ حيضتي، فقال:"مالكِ أنفِسْتِ؟ " قلت: نعم. فدعاني، فدخلتُ معه في الْخَميلة.
وكانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان من إناء واحد، وكان يقبِّلها وهو صائم.
متفق عليه: رواه البخاي في الصوم (1929)، ومسلم في الحيض (296) كلاهما من طريق هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، حدّثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنّ زينب بنت أمِّ سلمة حدَّثَتْه، عن أمِّها، فذكرته. واللفظ للبخاري. ولفظ مسلم نحوه، غير أنه لم يذكر الشاهد وهو قوله: وكان يقبّلها وهو صائم".
• عن عمر بن أبي سلمة، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُقبِّلُ الصَّائمُ؟ فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سلْ هذه" لأمِّ سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر. فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أما والله إنّي لأتقاكم لله، وأخشاكم له".
صحيح: رواه مسلم في الصيام (1108) عن هارون بن سعيد الأيليّ، حدّثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن عبد ربِّه بن سعيد، عن عبد الله بن كعب الحميريّ، عن عمر بن أبي سلمة، فذكره.
• عن عبد الله بن فَروخ، قال: إنّ امرأة سألتْ أمَّ سلمة، فقالت: إنّ زوجي يقبّلني وهو صائم وأنا صائمة، فما ترين؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة.
حسن: رواه الإمام أحمد (26500)، والطبراني في الكبير (23/ 295)، والنسائي في "الكبرى"(3074) كلّهم من طرق عن طلحة بن يحيى، قال: حدثني عبد الله بن فروخ، فذكره.
وإسناده حسن من أجل عبد الله بن فروخ التيمي مولى آل طلحة؛ فإنه حسن الحديث.
وأمّا ما رُوي عن أبي قيس، قال: أرسلني عبد الله بن عمرو إلى أمِّ سلمة أسألها: هل كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم؟ فإن قالت: لا، فقل لها: إنَّ عائشة تخبر الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبّل وهو صائم. قال: فسألها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم؟ قالت: لا. قلت: إنّ عائشة تخبر الناس أنّ رسول الله كان يقبل وهو صائم. قالت: لعلّها إيّاها كان لا يتمالك عنها حبًّا! أمّا إياي فلا. فهو منكر.
رواه أحمد (26533)، والطبراني في الكبير (23/ 340)، والنسائيّ في الكبرى (3072) كلّهم من طريق موسى بن علي، عن أبيه، عن أبي قيس، فذكره. أعله النسائي بمخالفة أبي قيس، ثم ذكر الروايات الصحيحة عن أمّ سلمة بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وأنها صائمة.
قلت: وفي الإسناد موسي بن عُليّ -بالتصغير- اللّخميّ أبو عبد الرحمن المصري، كان ثقة؛ وثقه أحمد، وابن معين، والعجلي، والنسائي وغيرهم.
ولكن الثقة أحيانًا يروي بما لا يوافق عليه، بل يخالف ما عليه جمهور أهل العلم وهذا الحديث من هذا القسم فإنه ثبت بالتواتر تقيل النبيّ صلى الله عليه وسلم لها ولعائشة؛ ولذا رد أهل العلم حديثه هذا من أجل تفرّده ومخالفته الثقات، كما قال ابن عبد البر:"ما انفرد به فليس بالقوي". ذكره الحافظ في "التهذيب".
قلت: لا بد من القيد بالمخالفة، وإلا فليس كلّ ثقة إذا تفرّد يكون منكرًا.
وقال في "التمهيد"(5/ 124): "وهذا حديث متصل، ولكنه ليس يجيء إلّا بهذا الإسناد، وليس بالقوي، وهو منكر على أصل ما ذكرنا عن أمّ سلمة".
وقال: "والأحاديث المذكورة عن أبي سلمة معارضة، نه وهي أحسن مجيئًا، وأظهر تواترًا، وأثبت نقلًا منه".
وظهر من كلامه أنه لم يحكم عليه بالنكارة إلا لمخالفته الأحاديث الصحيحة المتواترة.
• عن حفصة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم
صحيح: رواه مسلم (1107) من طريق الأعمش، عن مسلم، عن شُتَيْر بن شَكَل، عن حفصة، فذكرته. ومسلم هو ابن صُبيح أبو الضّحي.
• عن ابن عباس، قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصيبُ من الرؤوس وهو صائم.
صحيح: رواه أحمد (2241، 3392)، وعبد الرزاق (7407) ومن طريقه البزار - كشف الأستار (1020)، والطحاوي في "شرحه"(3292) كلّهم من حديث أيوب، عن عبد الله بن شفيق، عن ابن عباس، فذكره. وإسناده صحيح.
قال الهيثمي في "المجمع"(3/ 167) بعد أن عزاه لأحمد والبزار والطبراني: "رجال أحمد رجال الصحيح".
قال البزار: ومعني يصيب من الرؤوس، أي يقبّل.
• عن جابر بن عبد الله، قال: قال عمر بن الخطاب: هششتُ فقبلتُ وأنا صائم. فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرًا عظيمًا! قبلتُ وأنا صائم؟ قال:"أرأيتَ لو مضمضتَ من الماء وأنت صائم؟ ". قلت: لا بأس. قال: "فَمَهْ؟ ! ".
صحيح: رواه أبو داود (2385)، وأحمد (138)، والبيهقي (4/ 261)، وصححه ابن خزيمة (1999)، وابن حبان (3044)، والحاكم (1/ 431) كلّهم من حديث الليث بن سعد، عن بُكير بن عبد الله، عن عبد الملك بن سعيد، عن جابر بن عبد الله، فذكره.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
ولكن فيه عبد الملك بن سعيد ليس من رجال البخاري، وإنما أخرج له مسلم.
وإسناده صحيح، وليس فيه علة، ولكن نقل المنذري عن النسائي أنه قال:"هذا حديث منكر".
كذا قال! ولا أعرف سبب النكارة.
ورده الذهبي في "الميزان"(2/ 655) في ترجمة عبد الملك بن سعيد، عن جابر، فذكر الحديث. ثم نقل قول النسائي، وقال:"رواه بكير بن الأشج، وهو مأمون عن عبد الملك، وقد روى عنه غير واحد، فلا أدري ممن هذا؟ " انتهى.
وقوله: "هششت" الهشاشة والهشاش: الارتياح والخفة والنّشاط.
وأما ما رُوي عنه بخلاف هذا، وهو أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام قال: فرأيته لا ينظرني. فقلت: يا رسول الله، ما شأني؟ فالتفت إليَّ فقال:"ألستَ المقبِّلَ، وأنتَ الصَّائم؟ ". فوالذي نفسي بيده لا أقبل وأنا صائم امرأةً ما بقيتُ.
فهو ضعيف. رواه البزار -كشف الأستار (1018) -، والبيهقي (4/ 232) كلاهما من حديث أبي أسامة، عن عمر بن حمزة، ثنا سالم، عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن الخطاب، فذكره.
قال البزار: "لا نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه بهذا اللفظ، وقد رُوي عن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا" انتهي.
وقال الهيثمي في "المجمع"(3/ 165): رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.
قلت: وهو كما قال إلا أنّ كلامه يُشعر بصحة الحديث، فإن عمر بن حمزة وهو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب وإن كان من رجال مسلم إلا أنه ضعيف، ضعفه أكثر أهل العلم، وبأنه روي حديثًا مخالفًا لا تقوم به الحجة كما قال الطحاوي (3289) وفي كلامه نكارة.
قال البيهقي: تفرد به عمر بن حمزة، فإن صح فعمر بن الخطاب كان قويًا مما يتوهم تحريك القبلة شهوته، ففيه رد على وجهن كما قال ابن التركماني: أحدهما: إن عمر بن حمزة ضعفه ابن معين.
وقال أبو أحمد والرازي: أحاديثه مناكير.
والثاني: أنّ الشرائع لا تؤخذ من المنامات، ولا سيما وقد أفتى النبيّ صلى الله عليه وسلم عمر في اليقظة بإباحة القبلة
…
".
• عن عطاء بن يسار، عن رجل من الأنصار، أنّ الأنصاريّ أخبر عطاء أنه قبَّل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، فأمر امرأته فسألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"إنّ رسول الله يفعل ذلك". فأخبرته امرأتُه فقال: إنّ النبيَّ يُرخّص له في أشياء، فارجعي إليه، فقولي له: فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: قال: إنّ النبي صلى الله عليه وسلم يرخّص له في أشياء؟ فقال: "أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بحدود الله".
صحيح: رواه أحمد (23682) عن عبد الرزاق -وهو في مصنفه (7412) - أخبرنا ابن جريج، أخبرني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، فذكره.
وإسناده صحيح. ولا يضر جهالة الأنصاري فإنه صحابي، والصحابة كلهم عدول.
ولكن رواه مالك في الصيام (14) عن عطاء بن يسار، مرسلًا.
وفيه أن المرأة دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أمُّ سلمة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل وهو صائم، فرجع فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شرًّا.
قال ابن عبد البر: "هذا الحديث مرسل عند جميع رواة الموطأ عن مالك".
قلت: ومن وصله عنده زيادة علم -وهي مقبولة عند المحدثين- ومن طريق عبد الرزاق رواه أيضًا ابن حزم في "المحلي"(6/ 306)، واستدل به في الرد على من ادعى أن القبلة من خصوصيات النبيّ صلى الله عليه وسلم.
• عن عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير العُذْريّ -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح على وجهه، وأدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانوا ينهوني عن القبلة تخوفًا أن أتقرب لأكثر منها، ثم المسلمون اليوم ينهون عنها. ويقول قائلهم: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له من حفظ الله ما ليس لأحد.
صحيح: رواه الإمام أحمد (23669) عن حجاج (هو المصيصي)، حدّثنا ليث -يعني ابن سعد-، حدّثني عُقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، فذكره.
ورواه الطحاوي في شرح المعاني (3325) من وجه آخر عن يحيى بن أيوب، قال: حدثني عقيل، بإسناده مختصرًا. وإسناده صحيح.
قال الطحاوي: "بيَّن في هذا الحديث المعنى الذي من أجله كرهها من كرهها للصائم، وأنه إنما هو خوفهم عليه منها أن يجره إلى ما هو أكبر منها، فذلك دليل على أنه إذا ارتفع ذلك المعنى الذي من أجله منعوه منها أنها له مباحة".