الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جموع أبواب ما جاء في غسل الشهداء والصلاة عليهم ودفنهم
1 - باب أن الشهيد في سبيل الله لا يُغَسَّل ولا يُنزع منه ثيابه التي استشهد فيها، ولا يُصَلِّى عليه
• عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في ثوب واحد، ثم يقول:"أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟ " فإذا أُشير إلى أحدهما قدَّمه في اللحد وقال: "أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة" وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغَسِّلُوا، ولم يُصَلِّ عليهم.
صحيح: رواه البخاري في الجنائز (1343) عن عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، قال: حدثني ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله فذكره.
ورواه النسائي (2002) من طريق معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلى أُحد: "زمِّلوهم بدمائهم، فإنه ليس كَلْم يُكْلَم في سبيل الله إلا يأتي يومَ القيامة يَدْمي لونُه لونُ الدم، وريحُه ريح المسك" وهذا إسناد صحيح غير أن عبد الله بن ثعلبة بن صُعير لم يحضر المشهد، لأنه كان صغيرًا، وإنما سمع ذلك من جابر بن عبد الله هكذا رواه عبد الرزاق (6633) وعنه الإمام أحمد (33660) عن معمر، عن الزهري، عن ابن أبي صُعير، عن جابر بن عبد الله فذكر الحديث بطوله وفيه:"زَمِّلوهم بدمائهم، فإني قد شهدت عليهم" فكان يُدفن الرجلان والثلاثة في القبر الواحد، ويسأل:"أيهم كان أقرأ للقرآن" فيقدمونه، قال جابر: فدفن أبي وعَمِّي يومئذ في قبر واحد.
قال البغوي في "شرح السنة"(5/ 366): "اتفق العلماء على أن الشهيد المقتول في معركة الكفار لا يُغَسَّلُ، واختلفوا في الصلاة عليه، فذهب أكثرهم إلى أنه لا يُصَلِّي عليه، وهو قول أهل المدينة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، وذهب قوم إلى أنه يُصلى عليه، لأنه رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي وبه قال إسحاق"، انتهى.
قلت: ولهم أيضًا حديث عقبة بن عامر كما سيأتي.
وأما ما رُوي عن ابن عباس قال: "أتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، فجعل يصلي على عشرةٍ عشرةٍ، وحمزة هو كما هو، يُرْفَعُون وهو كما هو موضوع"، فهو ضعيف.
رواه ابن ماجه (1513) عن محمد بن عبد الله بن نُمير، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن يزيد ابن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس فذكره.
ورواه البيهقي (4/ 12) من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن عباس قال:"لما قتل حمزة يوم أُحد أقبلت صفيةُ تطلبه لا تدري ما صنع، فلقيتُ عليًا والزبير فقال عليّ للزبير: اذكر لأمك، فقال الزبير: لا بل أنت اذكر لعمتك قال: فقالت: ما فعل حمزة فأرياها أنهما لا يدريان. قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أخاف على عقلها فوضع يده على صدرها ودعا لها" قال: فاسترجعت وبكت، قال: ثم جاء فقام عليه وقد مثل به فقال: "لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير" قال: ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم، فيوضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ويرفعون ويترك حمزة ثم يجاء بتسعة فيكبر عليهم سبعًا حتى فرغ منهم - لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عياش، عن يزيد بن أبي زياد وكانا غير حافظين"، انتهى.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من لا أتهم عن مقسم مولي عبد الله ابن الحارث، عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسُجِّي ببردة، ثم صلى عليه، فكبَّر ست تكبيرات، ثم أُتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة، ذكره ابن هشام في "السيرة"(2/ 97).
قال الهيثمي: "ولا يعرج بما يرويه ابن إسحاق إذا لم يذكر اسم راويه لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين، والأشبه أن تكون روايتُه غلطًا لمخالفتها الرواية الصحيحة عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم لم يُصل عليهم، وهو قد شهد القصة".
وقال السهيلي في "الروض الأنف": "قول ابن إسحاق في هذا الحديث: حدثني من لا أتهم - إن كان هو الحسن بن عمارة- كما قاله بعضهم فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث، وإن كان غيره فهو مجهول، ولم يُرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه، إلا في هذه الرواية، ولا في مدة الخليفتين من بعده". انتهى كلامه.
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 311): "قد ورد مصرحًا فيه بالحسن بن عُمارة كما رواه الإمام أبو قرة موسي بن طارق الزبيدي في "سننه" فذكر بطوله.
وأما ما رواه الطبراني في "الكبير"(11/ 62) بأن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن كعب القرظي والحكم بن عتيبة، عن مقسم ومجاهد، عن ابن عباس فذكره، إلا أنه قال فيه:"كبَّر عليه تسعًا" ففي طريقه إليه أحمد بن أيوب بن راشد البصريّ، ثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق بإسناده.
قال الهيثمي في "المجمع"(6/ 120): "أحمد بن أيوب بن راشد ضعيف، وجعله الحافظ في درجة "مقبول" أي إن تُوبع، ولكنه لم يتابع فهو ليِّن الحديث".
وكذلك لا يصح ما روي عن أبي مالك الغفاري أنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أُحد
عشرة عشرة، ثم كل عشرة منهم حمزة حتى صلى عليه سبعين صلاة.
رواه البيهقي (4/ 12) وقال: "هذا أصح ما في هذا الباب، وهو مرسل، أخرجه أبو داود في "المراسيل" (417) بمعناه قال: حدثنا هنَّاد، عن أبي الأحوص، عن عطاء، عن الشعبي، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد على حمزة سبعين صلاة، بدأ بحمزة فصلى عليه، ثم جعل يدعو بالشهداء فيصلي عليهم، وحمزة مكانه. قال: وهذا أيضًا منقطع، وحديث جابر موصول، وكان أبوه من شهداء أحد". انتهى كلام البيهقي.
وكذلك لا يصح ما رُوي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بحمزة، وقد مُثِّل به، ولم يُصَلِّ على أحد من الشهداء غيره، رواه أبو داود (3137) عن عباس العنبري، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا أسامة، عن الزهري، عن أنس فذكره. وصححَّه الحاكم (3/ 196) وقال:"على شرط مسلم"، وقال النووي في "المجموع" (5/ 265): فرواه أبو داود وإسناده حسن، أو صحيح".
قلت: لم يتنبه هؤلاء إلى أن في الإسناد علة خفية ذكرها البخاري كما في "العلل الكبير"(1/ 411) للترمذي أنه سأل البخاري عن حديث عبد الرحمن بن كعب، عن جابر بن عبد الله في شهداء أحد فقال:" هو حديث حسن"، وحديث أسامة بن زيد، عن ابن شهاب، عن أنس غير محفوظ، غلط فيه أسامة بن زيد"، انتهى.
فأبدى البخاري علة خفية في الإسناد والمتن، فأما الإسناد فما رواه الليث بن سعد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر هو الأصح من رواية أسامة بن زيد عن ابن شهاب، وأما المتن فجابر يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على أحد من شهداء أُحد، وكان فيهم أبوه عبد الله، فهو أعرف الناس بالصلاة على شهداء أُحد بخلاف ما ذكره أسامة بن زيد فإنه جعل حمزة ممن صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم رأيت أن أسامة بن زيد اضطرب في متن الحديث، فرواه أبو داود (3135) من طريق ابن وهب، عن أسامة بن زيد بإسناده بأن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يُصَلِّ عليهم، وكذلك رواه الترمذي (1016) من طريق أبي صفوان، عن أسامة في سباق طويل وفيه أيضًا:"فدفنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُصَلِّ عليهم" قال الترمذي: حديث أنس حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أنس إلا من هذا الوجه".
فمرة قال: "لم يُصَلِّ على أحد من الشهداء غير حمزة" وأخرى في الصلاة على شهداء أُحد نفيًا عامًا، فلعل هذا يعود إلى سوء حفظه، لأنه وصف به، قال الحافظ في "التقريب":"صدوق يهم" وهو أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، وبهذا صحَّ تعليل البخاري لهذا الحديث، والحافظ في "التلخيص"(759)، وكذا أعله الدارقطني.
وقال الحافظ ابن القيم في "تهذيب السنن": "والذي يظهر من أمر شهداء أُحد أنه لم يُصَلِّ عليهم عند الدفن، وقد قتل معه بأحد سبعون نفسًا، فلا يجوز أن تخفي الصلاة عليهم، وحديث
جابر بن عبد الله في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح، وأبوه عبد الله أحدُ القتلى يومئذ، فله الخبرة ما ليس لغيره".
• عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزًى له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه:"هل تفقدون من أحدٍ؟ " قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، ثم قال:"هل تفقدون من أحد؟ " قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، ثم قال:"هل تفقدون من أحد؟ " قالوا: لا. قال: "لكني أفقد جُلَيبيبًا فاطلبوه" فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف عليه فقال:"قتل سبعةً، ثم قتلوه هذا مني، وأنا منه، هذا مني وأنا منه" قال: فوضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم قال: فحفر له، ووضع في قبره، ولم يذكر غُسْلًا.
صحيح: رواه مسلم في المناقب (2472) عن إسحاق بن عمر بن سَليط، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نُعيم، عن أبي برزة فذكره.
• عن عبد الله بن الزبير قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضُهم إلى دون الأعراض إلى جبل بناحية المدينة، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان حنظلة بن أبي عامر الثقفي هو، وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود، فعلاه شداد بالسيف حتى قتله، وقد كاد يقتل أبا سفيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن صاحبكم حنظلة تُغَسِّله الملائكة، فسلوا صاحبتَه".
فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فذاك قد غسَّلته الملائكة".
حسن: رواه ابن حبان في صحيحه (7025)، والحاكم (3/ 204) من طريق محمد بن إسحاق ابن إبراهيم، ثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي، قال: قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن جده فذكر الحديث.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق فإنه مدلس إلا أنه صرَّح بالتحديث، وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم. وجد يحيى بن عباد هو: عبد الله بن الزبير، فيكون الحديثُ مرسل صحابي، لأن عبد الله بن الزبير لم يدرك يوم أُحد، كان له سنتان، والجمهور يحتجون بمرسل الصحابي كما قال النووي في "الخلاصة"(3368).
وقوله: "أعراض المدينة، أي قراها التي في أوديتها، وقيل: أعراض المدينة هي: بطون سوادها حيث الزرع والنخل. وقولها: "الهائعة" أي الصوت الذي تفْزَعُ عنه وتخاف.