الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وبه علَّله أيضًا الهيثميّ في "المجمع"(3/ 55) فقال: "رواه أحمد والبزّار، والطَّبراني في "الأوسط"، ورجال أحمد رجال الصَّحيح، وفي إسناد الطبرانيّ ابن لهيعة، وفيه كلام". وقد توبع في أصل الحديث.
7 - باب ما جاء أن أكثر عذاب القبر من البول والنميمة
• عن ابن عباس قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال:"أما إنهما لَيُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير، أمَّا أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من بوله". قال: فدعا بعسيب رطْبٍ فشقَّه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا، ثمّ قال:"لعلّه يُخفَّف عنهما ما لم ييبسا".
وفي رواية: "وكان الآخر لا يستنُزه عن البول، أو من البول".
متفق عليه: رواه البخاري في الوضوء (218)، وفي الجنائز (1361)، ومسلم في الطهارة (292) كلاهما من طريق الأعمش، قال: سمعت مجاهدًا يحدّث عن طاوس، عن ابن عباس
…
فذكر الحديث. واللّفظ لمسلم، وفي لفظ البخاريّ: ثم أخذ جريدة رطبة
…
وفيه أيضًا: قالوا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ فقال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا".
• عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يُرَفَّه عنهما ما دام الغصنان رطبين".
صحيح: رواه مسلم في الزهد والرقائق (3012) قال: حَدَّثَنَا هارون بن معروف ومحمد بن عباد، قالا: حَدَّثَنَا حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت، عن جابر بن عبد الله في حديث طويل. وسيأتي كاملًا في موضعه.
• عن أبي بكرة قال: بينما أنا أُماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي، ورجل عن يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنهما ليعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير، وبلي، فأيكم يأتيني بجريدة؟ " فاستبقنا، فسبقتُه، فأتيتُه بجريدة، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعة، وعلى ذا القبر قطعة، وقال:"إنه يُهوَّنُ عليهما ما كانتا رطْبتَين، وما يُعدَّبان إِلَّا في البول والغيبة".
حسن: رواه الإمام أحمد (20373) عن أبي سعيد مولى بني هاشم، والبزَّار (3636)، من طريق مسلم بن إبراهيم، كلاهما -أعني أبا سعيد ومسلم بن إبراهيم- عن الأسود بن شيبان، عن بحر بن مرَار، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة .. فذكر الحديث، وهذا إسناد حسن متصل؛ إن بحر بن مرَّار سمع عن جده عبد الرحمن بن أبي بكرة.
وبحر بن مَرَّار تكلم فيه القطان فقال فيه: إنَّه خولط. إِلَّا أنَّ ابن عدي بعد أن أخرج الحديث المذكور وغيره من رواياته قال: ولا أعرف له حديثًا منكرًا فأذكره، ولم أر أحدًا من المتقدِّمين ممَّن تكلَّم في الرجال ضعَّفه إِلَّا يحيى القطَّان، ذكر أنَّه خولط، ومقدار ما له من الحديث لم أر فيه حديثًا منكرًا".
وهذا هو الصواب؛ فحديثه هذا لا بأس به في الشواهد.
ولا يُعكِّر على هذا الاختلافُ عليه، أعني به ما رواه ابن ماجه (349) من طريق وكيعٍ، وأبو داود الطيالسي في مسنده (908) كلاهما عن الأسود بن شيبان، عن بحر بن مَرَّار، عن جد أبيه أبي بكرة، ففيه انقطاع؛ لأنَّ بحرًا لم يسمع من أبي بكرة، ولذا صوَّب الدَّارقطنيّ في "العلل" (7/ 156) الرواية الموصولة وقال أبو حاتم: هي أصح: "العلل"(1/ 370).
• عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول".
حسن: رواه البزّار "كشف الأستار"(243)، والطَّبراني في "الكبير"(11/ 84)، والحاكم (1/ 183 - 184) كلهم من طريق إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: فذكره.
وأبو يحيى القَتَّات مختلف فيه، والغالب عليه الضعف، ووثَّقه يحيى بن معين في رواية، وقد تابعه العوام بن حوشب عن مجاهد.
رواه الطبراني في "الكبير"(11/ 79) من طريق العوام بن حوشب، عن مجاهد، عن ابن عباس به مثله.
والعوام بن حوشب وثَّقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وغيرهم.
ولم يحكم عليه الحاكم بشيء، بل ذكره شاهدا لحديث أبي هريرة وهو الآتي:
• عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر عذاب القبر من البول".
صحيح: رواه ابن ماجه (348) عن أبي بكر بن أبي شيبة - وهو في مصنفه (1/ 122) قال: حَدَّثَنَا عفّان، قال: حَدَّثَنَا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة فذكر الحديث.
ورواه الدَّارقطنيّ (1/ 128) وقال: "صحيح"، والحاكم (1/ 183) وقال:"صحيح على شرط الشّيخين ولا أعرف له علة"، وأورده البوصيري في "زوائد ابن ماجه" وقال:"هذا إسناد صحيح رجاله عن آخرهم محتج بهم في الصحيحين" وحكى الترمذيّ في "العلل" عن البخاري أنه قال: "هذا حديث صحيح".
وسئل أبو حاتم عن هذا الحديث فقال: "هذا حديث باطل مرفوعًا". "العلل"(1081). يعني الباطل هو الرفع، والصحيحُ أنه موقوف، ذكره الدَّارقطنيّ في "العلل" (1518) رواية أبي عوانة هذه ثمّ قال:"وخالفه ابنُ فضيل فوقفه، ويشبه أن يكون الموقوف أصحُّ".
قلت: هذه من الصناعة الحديثية، وأمّا من فقه الحديث فالصحيح أنه مرفوع؛ لأن مثل هذا الحكم لا يمكن صدوره إِلَّا من الشارع، فمن نظر إلى صناعة الحديث رجّح الوقفَ، ومن نظر إلى فقه الحديث رجّح الرفعَ، وكان الإمام البخاريّ رحمه الله سبّاقًا في اختيار هذا المنهج، ولذا حكم على كثير من الأحاديث بالرفع مع أن الصناعة الحديثية تُرَجِّجُ جانب الوقف كما هو ظاهر من صنيع الإمام الدَّارقطنيّ في "الإلزامات والتتبع"، والنسائي في "السنن الكبرى والصغري".
وهذا مما تميّز به البخاريّ رحمه الله عن غيره، ثمّ نهج هذا المنهج من جاء بعده مثل الحاكم والنووي وابن كثير والحافظ ابن حجر وغيرهم.
وهذا مثال لاختلاف أنظار العلماء، وليس فيه ردُّ أحدٍ على أحدٍ، إنّما هو راجعٌ إلى أصولهم وضوابطهم.
• عن أبي هريرة، قال: كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على قبرين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتّى رعد كُمُّ قميصه، فقلنا: ما لك يا نبي الله؟ قال: "ما تسمعون ما أسمع؟ " قلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: "هذان رجلان يُعذَّبان في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنب هين" قلنا: مِمَّ ذلك يا نبيَّ الله؟ قال: "كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة" فدعا بجريدتين من جرائد النخل، فجعل في كل قبر واحدة، قلنا: وهل ينفعهما ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم يخفف عنهما ما داما رَطْبَتَيْن".
صحيح: رواه ابن حبَّان (824) قال: أخبرنا أبو عروبة، قال: حَدَّثَنَا محمد بن وهب بن أبي كريمة، قال: حَدَّثَنَا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم، قال: حَدَّثَنِي زيد بن أبي أُنَيْسة، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة فذكر الحديث.
ورجاله ثقات، أبو عروبة هو الحسين بن محمد بن معشر الحراني حافظ مترجَم في "تذكرة الحفاظ" (2/ 774) وأبو عبد الرحيم هو: خالد بن يزيد، ويقال: ابن أبي يزيد الأموي مولاهم الحرانيّ، ثقة من رجال مسلم.
• عن أبي هريرة قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: "ائتوني بجريدتين" فجعل إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، فقيل: يا نبي الله! أينفعُه ذلك؟ قال: "لن يزال يُخفَّف عنه بعض عذاب القبر ما كان فيهما نُدوٌّ".
صحيح: رواه أحمد (9686) عن محمد بن عبيد، عن يزيد -يعني ابن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة فذكره. ورواه البيهقي في إثبات عذاب القبر (136) من طريق ابن أبي شيبة، ثنا محمد بن عبيد بإسناده، وإسناده صحيح.