الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [2]: ماذا عليه إذا جامع وهو محرم
؟
• في المسألة أقوال:
الأول: ذهب أكثر أهل العلم إلى أن عليه بَدَنَة، صحَّ ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو قول عطاء، وطاوس، ومجاهد، وأحمد، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وهذا اختيار الإمام ابن باز، والإمام العثيمين رحمة الله عليهما.
الثاني: عليه بدنة؛ فإن لم يجد فشاة، وهو قول الثوري، وإسحاق.
الثالث: إن كان الجماع قبل الوقوف؛ فعليه شاة، ويفسد الحج، وإن كان بعد الوقوف؛ فعليه بدنة، ولا يفسد الحج، وهو قول أصحاب الرأي.
الرابع: عليه أن يستغفر الله ويتوب إليه، وليس عليه بدنة، وهو قول ابن حزم كما في «المحلَّى» (857)، واختاره الشوكاني كما في «السيل الجرار» (2/ 228).
قال أبو عبد الله غفر الله له: يعمل بما أفتى به الصحابي عبدالله بن عباس رضي الله عنهما؛ فعليه بدنة، والله أعلم.
(1)
مسألة [3]: وهل يلزمه أن يمضي في هذا الحج الفاسد حتى يكمله، وهل يلزمه قضاؤه
؟
• ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه يلزمه إتمام الحج الفاسد، وثبت هذا القول عن عمر، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو رضي الله عنهم، كما في «مصنف ابن أبي شيبة»
(1)
وانظر: «المغني» (5/ 167)، «المجموع» (7/ 414، 416)، «المحلى» (857)، «مجموع فتاوى ابن باز» (17/ 129)، «فتاوى العثيمين» (22/ 167).
(4/ 239)، و «سنن البيهقي» (5/ 167 - 168)، وكذلك ألزموه بالقضاء من العام المقبل، واستدل بعضهم بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196].
واستدلوا بما أخرجه ابن وهب في «موطئه» كما في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 192)، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبدالرحمن بن حرملة، عن ابن المسيب: أنَّ رجلًا من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؟ فقال لهما:«أتما حجكما، ثم ارجعا وعليكما حجة أخرى، فأقبلا؛ حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما، فأحرما وتفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، ثم أتما نسككما، وأهديا» ، لكن هذا المرسل في إسناده: ابن لهيعة، وفيه ضعف، والمحفوظ عن سعيد من قوله، أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 382)، عن يحيى بن سعيد، عنه موقوفًا عليه.
وفي الباب مرسل آخر: أخرجه أبو داود في «المراسيل» (140): حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلَّام، عن يحيى، أخبرني يزيد بن نعيم، أو زيد بن نعيم شك أبو توبة أنَّ رجلًا من جذام
…
، فذكر نحو مرسل ابن المسيب.
ورواه البيهقي في «الكبرى» (5/ 167)، من طريق: أبي داود، به، ثم قال: هذا منقطع، وهو يزيد بن نعيم الأسلمي بلا شك. اهـ
وكذلك ذكر الحافظ في «التقريب» في ترجمة (زيد بن نعيم) أنَّ صوابه (يزيد بن نعيم).
قلتُ: ويزيد بن نعيم الأسلمي حسن الحديث؛ إلا أنه لم يسمع من أحد من
الصحابة، وله رواية عن سعيد بن المسيب كما في «تهذيب الكمال» ؛ فيحتمل أنَّ هذا الحديث من روايته عنه؛ فيكون راجعًا إلى مرسل ابن المسيب، وتقدم أنَّ الراجح أنه من قوله، وإلا فسيكون معضلًا لا يصلح للاعتضاد، والله أعلم.
• وعن الحسن وطاوس: تصير الحجة التي جامع فيها عمرة، وعليه الحج من قابل، والهدي. وقال مالك: ليجعلها عمرة، ويحج من قابل، ويهدي.
• وذهب داود، وابن حزم إلى أنه لا يلزمه أن يستمر على هذا الحج الفاسد، وهو قول عطاء، وقتادة.
قال ابن حزم رحمه الله: قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، فمن الخطأ تماديه على عمل لا يصلحه الله عز وجل؛ لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم، فالله تعالى لا يصلح عمله بنص القرآن.
ثم قال: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج إنما يجب مرة، ومن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد ثم ألزمه حجًّا آخر؛ فقد ألزمه حجتين، وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يُحرم من موضعه؛ فإن أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك، وإن كان لا يدرك تمام الحج؛ فقد عصى وأمره إلى الله تعالى، ولا هدي في ذلك ولا شيء؛ إلا أن يكون لم يحج قط؛ فعليه الحج والعمرة. اهـ
قال الشوكاني رحمه الله في «النيل» (1905): فمن لم يقبل المرسل، ولا رأى حُجِّيَّة أقوال الصحابة؛ فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام، وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري. اهـ