الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَتَذْبَحُوا جَذَعًا مِنْ الضَّأْنِ»
(1)
. رَوَاهُنَّ ابْنُ مَاجَهْ. وَرَوَى حَدِيثَ جَابِرٍ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى عَطَاءٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَحَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، حِينَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عِنْدِي عَنَاقًا جَذَعًا، هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. فَقَالَ:«تُجْزِئُكَ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَفِي لَفْظٍ: إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ.
(2)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ: قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: إنَّمَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ فِي الْأَضَاحِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْزِ لَمْ يُلَقِّحْ حَتَّى يَصِيرَ ثَنِيًّا.
تنبيه: لا يجزئ في الهدي من العيوب ما لا يجزئ في الأضاحي، وقد بينا ذلك بفضل الله عز وجل في كتاب الأضاحي.
مسألة [193]: وقت صيام الثلاثة الأيام
.
• أما وقت الجواز ففيه أقوال:
الأول: إذا أحرم بالعمرة، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في رواية، وهو الصحيح عند الحنابلة؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» أخرجه مسلم (1241)، من حديث ابن عباس رضي الله عنها، مع قوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196].
الثاني: إذا أحلَّ من العمرة، وهو قول أحمد في رواية.
(1)
أخرجه مسلم (1963)، وأخرجه أبو داود (2797)، ابن ماجه (3141).
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (2800)، والنسائي (7/ 223)، وإسناده صحيح، والحديث عند البخاري (5545)، ومسلم (1961)، بنحوه، وهو من حديث البراء بن عازب.
الثالث: بعد الإحرام بالحج، وهو قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} .
الرابع: العشر الأول من ذي الحجة، وهو قول عكرمة، وطاوس، وعطاء، والثوري، والأوزاعي.
الخامس: يجوز له الصوم في جميع أشهر الحج، نقل عن مجاهد، وهو خلاف المشهور عنه.
قال ابن حزم رحمه الله في «المحلى» (7/ 142): وقد أجاز قومٌ أن يصوم الثلاثة الأيام قبل أن يحرم بالحج، وهذا خطأ؛ لأنه خلاف أمر الله تعالى بأن يصومها في الحج، وما لم يحرم المرء فليس هو في الحج؛ فليس هو في وقت صيام الثلاثة الأيام، وأيضا فإنه لا يجب عليه الهدي المذكور، ولا الصيام المذكور إلا بتمتعه بالعمرة إلى الحج بنص كلام الله تعالى، وهو ما لم يحرم بالحج؛ فليس هو بعد ممن تمتع بالعمرة إلى الحج ولا يُجزئ أداء فرض إلا في وقته الذي أوجبه الله تعالى فيه. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: قول ابن حزم فيه قوة في ترجيح القول الثالث، ولكن يشكل عليه أنَّ بعض الصحابة أفتوا بالصوم قبل يوم الإحرام بالحج يوم التروية، ففي «مصنف ابن أبي شيبة» (4/ 3) بإسناد حسن، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قبل يوم التروية بيوم، ويوم التروية، ويوم عرفة.
وفي «صحيح البخاري» (1999)، عن ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم، قالا: الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فمن لم يجد هديًا، ولم يصم؛ صام أيام منى.
وعليه: فالذي يظهر لي -والله أعلم- أنَّ القول الأول أرجح؛ لأن عمرة التمتع دخلت في الحج كما في الحديث، ولأنَّ هذا هو ظاهر قول الصحابة كما تقدم، وأما كون الهدي يجب عليه يوم النحر، والصوم بدل منه؛ فقد تقدم أنَّ الهدي له تعلق بالذمة من حين يحرم بالعمرة، وتقديم الواجب بعد وجود سببه قد جاز في مواضع منها: تقديم كفارة الحنث قبل الحنث باليمين، ومنها: تعجيل الزكاة قبل تمام الحول.
ثم وجدت كلامًا لشيخ الإسلام رحمه الله يوافق ما ذكرته، فقد قال في «شرح العمدة» (2/ 339 - ): وأما وجه المشهور -يعني عن أحمد- فإنه إذا أحرم بالعمرة فقد انعقد سبب الوجوب في حقه، ودخل في التمتع؛ بدليل أنه لو ساق الهدي معه لمنعه الهدي من الإحلال؛ فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة:196]، وهذا يقتضي وقوع الصيام بعد الإحرام بالحج؛ لأنه إنما يكون متمتعًا بالعمرة إلى الحج إذا أحرم به؛ ولأنه قال:{فِي الْحَجِّ} ، فإذا صام قبله لم يجز. قلنا: هو ينوي التمتع ويعتمده من حين يحرم بالعمرة، ويسمى متمتعًا من حينئذٍ.
ثم قال رحمه الله: فإذا أحرم بالعمرة إلى الحج؛ فهو حاج، فإذا صامها حينئذٍ فقد صامها في حجه؛ لأنَّ العمرة هي الحج الأصغر، وعمرة التمتع جزء من الحج
بعض له؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» ، وشبك بين أصابعه، والمتمتع حاج من حين يحرم بالعمرة؛ إلا أنَّ إحرامه يتخلله حل، بخلاف من أفرد العمرة. اهـ
(1)
وأما وقت الاختيار:
• فاختار جماعةٌ من أهل العلم أن تكون ثلاثة آخرها يوم عرفة، فيصوم السابع، والثامن، والتاسع، وهو قول طاوس، وعطاء، والشعبي، ومجاهد، والحسن، والنخعي، وسعيد بن جبير، وعلقمة، وأحمد في رواية، وأصحاب الرأي، وبعض الشافعية، ورواية عن مالك، ومن اشترط من هؤلاء أن تكون الثلاثة بعد الإحرام بالحج، قال: يقدم الإحرام قبل صومها.
• واختار آخرون أن تكون ثلاثة آخرها يوم التروية، فيصوم السادس، والسابع، والثامن، وهو قول الشافعي وجماعةٍ من أصحابه، ورواية عن أحمد، ورواية عن مالك، واختاره الشيخ ابن باز، ومن اشترط منهم أن يكون الصيام بعد الإحرام، قال: يُقَدِّم الإحرام قبل صومها.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: والذي يظهر لي من حديث ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم أنَّ الصحابة كانوا يصومونها أيام التشريق؛ لقول عائشة، وابن عمر رضي الله عنهم: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
(2)
فظاهر هذا النص أنَّ
(1)
انظر: «المغني» (5/ 360)، «ابن أبي شيبة» (4/ 227)، «تفسير القرطبي» (2/ 399).
(2)
انظر: «صحيح البخاري» (1998).