الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للإفاضة، والطواف الركنَ، ولا بأس أن يجعله في نيته عن الوداع أيضًا، ولا يجزئه إذا نواه للوداع فقط، ذكر ذلك الإمام ابن عثيمين رحمه الله كما في «الشرح الممتع» .
قلتُ: والقول بالإجزاء هو مذهب مالك، والشافعي، والجمهور كما عزاه إليهم ابن رشد في كتابه «بداية المجتهد» (2/ 109).
بل مذهب مالك، والشافعي أنه يقع عن الإفاضة، ولو لم ينو، وفيه نظر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات» .
(1)
مسألة [6]: طواف الوداع في حق المرأة الحائض
.
الحائض مُرخَّصٌ لها ترك طواف الوداع عند عامة أهل العلم؛ لحديث الباب.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في «الفتح» (330): الحائض ممنوعة مِن الطواف في حال حيضها، فإن حاضت قبل طواف الإفاضة؛ فإنها لا تنفر حتى تطوف للإفاضة، وإن طافت طواف الإفاضة، ثُمَّ حاضت، فذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تنفر، كَما دلت عليهِ هَذهِ الأحاديث الثلاثة - أعني: حديث عائشة، وابن عمر، وابن عباس.
قلتُ: يعني بذلك: ما أخرجه البخاري عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن صفية بنت حيي قد حاضت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
انظر: «المغني» (5/ 338)، «الشرح الممتع» (7/ 401)، «بداية المجتهد» (2/ 109)، «أسنى المطالب» (1/ 457).
«لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن» ، فقالوا: بلى، قال:«فاخرجي»
(1)
.
وعن طاوس، عن ابن عباس، قال: رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت
(2)
.
وعن طاوس، عن ابن عمر قال: في أول أمره إنها لا تنفر، قال طاوس: ثم سمعته يقول: تنفر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهن
(3)
.
قال رحمه الله: وقد روي عَن عمر، وابنه عبد الله، وزيد بنِ ثابت، أنهم قالوا: لا تنفر حتى تطهر، وتطوف للوداع. ووافق جماعة مِن الأنصار زيد بنِ ثابت في قولِه هَذا، وتركوا قول ابن عباس.
فأما ابن عمر: فَقد صح عَنهُ برواية طاوس هَذهِ أنه رجع عَن ذَلِكَ.
وأما زيد: ففي «صحيح مسلم» عَن طاوس أيضًا، أنه قالَ: كنت معَ ابن عباس إذ قالَ زيد بنِ ثابت: أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون عهدها بالبيت؟ فقالَ لَهُ ابن عباس: إمَّا لا، فسل فلانة الأنصارية، هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالَ: فرجع زيد إلى ابن عباس يضحك، وَهوَ يقول: ما أراك إلا قَد صدقت
(4)
.
وأما عمر: فَقد روي أيضًا أنه رجع عما قاله في ذَلِكَ، فروى عبد الرزاق، أخبرنا محمد بنِ راشد، عَن سليمان بنِ موسى، عَن نافع، قالَ: رد عمر نساء مِن
(1)
أخرجه البخاري برقم (328)، وأخرجه أيضًا مسلم برقم (1211).
(2)
أخرجه البخاري برقم (329).
(3)
أخرجه البخاري برقم (330).
(4)
أخرجه مسلم (1328).
ثنية هرشي، وذلك أنهن أفضن يوم النحر، ثُمَّ حضن فنفرن، فردهن حتى يطهرن، ويطفن بالبيت، قالَ: ثُمَّ بلغ عمر بعد ذَلِكَ حديثٌ غير ما صنع، فترك عمر صنيعه الأول.
(1)
قالَ: وأخبرنا محمد بنِ راشد: أخبرني عبدة بنِ أبي لبابة، عَن هشام بنِ يحيى المخزومي، أن رجلًا مِن ثقيف أتى عمر بنَ الخطاب، فسأله عَن امرأة زارت يوم النحر، ثُمَّ حاضت؟ قالَ: فلا تنفر حتى تطهر، فيكون آخر عهدها بالبيت، فقالَ الرجل: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في مثل هَذهِ المرأة بغير ما أفتيت، فضربه عمر بالدرة، وقال: ولم تستفتني في شيء قَد أفتى فيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
(2)
وخرج الإسماعيلي في «مسند عمر» مِن طريق هشام بنِ عمار: ثنا صدقة: ثنا الشعيثي، عَن زفر بنِ وثيمة، أن رجلًا مِن ثقيف أتى عمر، فقالَ: امرأة منا حاضت، وقد أفاضت يوم النحر؟ فقالَ: ليكن آخر عهدها بالبيت. فقالَ: إن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى امرأة منا أن تصدر، فحمل عمر عليهِ، فضربه، وقال: تستفتيني في شيء قَد أفتى فيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
(3)
وقد روي على وجه آخر، خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من رواية الوليد بن عبد الرحمن، عن الحارث بن عبد الله بن أوس، قالَ: أتيت عمر بن الخطاب، فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر، ثم تحيض؟ فقالَ: ليكن
(1)
إسناده منقطع؛ لأن نافعًا لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
في إسناده هشام بن يحيى المخزومي، وهو مجهول الحال، لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
في إسناده انقطاع؛ زفر بن وثيمة لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
آخر عهدها بالبيت. قالَ الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ عمر: أربت عن يديك، سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكيما أخالف. والوليد هذا، ليس بالمشهور
(1)
.
وخرجه الإمام أحمد والترمذي من طريق آخر، عن الحارث بن عبد الله بن أوس، قالَ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت» . فقالَ لهُ عمر: خررت من يديك، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخبرنا به
(2)
. وفي إسناده: حجاج بن أرطاة، وقد اختلف عليهِ في إسناده.
وهذه الرواية تدل على أن الحارث بن أوس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الحائض بخصوصها إذا كانت قد أفاضت: أنها تحتبس لطواف الوداع، إنما سمع لفظًا عامًا، وقد صح الإذن للحائض إذا كانت قد طافت للإفاضة أن تنفر، فيخص من ذَلِكَ العموم، وعلى هذا عمل العلماء كافة من الصحابة فمن بعدهم.
وقد روى عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي فروة، أنه سمع القاسم بن محمد يقول: رحم الله عمر، كل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد أمروها بالخروج. يقول: إذا كانت أفاضت.
(3)
(1)
الوليد هو ابن عبد الرحمن الجرشي، وهو ثقة، والإسناد رجاله ثقات، وأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لم يبلغه الحديث في ذلك؛ فلما بلغه رجع عنه، والله أعلم.
(2)
أخرجه أحمد (15441)، والترمذي (946) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البيلماني، عن عمرو بن أوس، عن الحارث بن عبد الله بن أوس به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ الحجاج بن أرطاة مدلس فيه ضعف، وعبد الرحمن بن البيلماني ضعيف.
(3)
إسناده صحيح، رجاله ثقات، وأبو فروة هو عروة بن الحارث الهمداني.