الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما مقصودهم أنه يلزمه أن يمكث تلك الليلة بمزدلفة، والتعبير بـ (المبيت بالمزدلفة) يشمل من مكث ليلًا فيها، سواء نام، أم لم ينم.
مسألة [119]: قوله: ثم اضطجع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى الفجر
.
السُّنَّةُ عند أهل العلم أن ينام الحاج في هذه الليلة كما فعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
مسألة [120]: متى يجوز للحاج أن يدفع من المزدلفة
؟
• في هذه المسألة أقوال:
الأول: يجوز الدفع بعد نصف الليل؛ فإن وصل قبل نصف الليل مكث إلى نصفه، وإن وصل بعد نصف الليل مكث يسيرًا، ثم جاز له الدفع، وهو مذهب أحمد، والشافعي، واستدلوا بإذنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للضعفة أن يدفعوا من الليل كما في «الصحيحين» عن جماعة من الصحابة، وفيهما عن أسماء بنت أبي بكر أنها تَحرَّت غروب القمر في تلك الليلة، فلما غاب القمر دفعت إلى منى، فرمت الجمرة، ثم صلت في منزلها بمنى، فقال مولاها: لقد غلَّسنا. قالت: كلا، أي بني، إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أذن للظعن.
(1)
ومغيب القمر في تلك الليلة يكون قريبًا من ثلث الليل الآخر.
الثاني: قال مالك: إن نزل فيها ولو يسيرًا؛ أجزأه، وإن مرَّ مرورًا؛ فلا يجزئه وعليه دمٌ.
الثالث: لا يجوز الدفع قبل طلوع الفجر إلا للنساء والضعفة، وهو قول أبي
(1)
أخرجه البخاري برقم (1679)، ومسلم برقم (1291).
حنيفة، وابن حزم، والشوكاني، وهو ظاهر اختيار شيخ الإسلام؛ إلا أنَّ الشوكاني، وشيخ الإسلام يريان وجوب الوقوف بمزدلفة حتى يسفر جدًّا كما في الحديث.
وهذا القول أقرب الأقوال؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إنما رخص للضعفة كما في حديث ابن عمر في «الصحيحين» أنه كان يقدم ضعفة أهله ويقول: أرخص لأولئك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. فدل على أن غيرهم لا رخصة لهم في الدفع قبل الفجر؛ لحديث عروة بن المضرس، وقد تقدم لفظه.
ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198]، وقد بين النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بفعله هذا الأمر الذي أمرنا الله به، وما وقع بيانًا لواجب؛ فهو واجب.
فإن دفع قبل طلوع الفجر؛ فسد حجُّه عند ابن حزم، وعليه دم عند أبي حنيفة، ويأثم عند الشوكاني وحجُّه صحيح، وهو الصواب، والله أعلم.
(1)
وَأَمَّا تَقَدُّمُ الضَّعَفَةِ مِنَ الَّليل؛ فهو مباحٌ عند عامة أهل العلم، وقال ابن قدامة في «المغني» (5/ 286): لا نعلم في ذلك خلافًا، ولكن قيَّد الشافعية، والحنابلة جواز تقدمهم من المزدلفة عقب نصف الليل.
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (2/ 252): والذي دلَّت عليه السنة إنما هو التعجيل بعد غيبوبة القمر، لا نصف الليل، وليس مع من حده بالنصف دليل، والله أعلم. اهـ
(1)
وانظر: «المغني» (5/ 284)، «المجموع» (8/ 151)، «شرح كتاب المناسك من العمدة» لشيخ الإسلام (2/ 523).