الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
798 -
وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَحْتَكِرُ إلَّا خَاطِئٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: معنى الاحتكار وحكمه
.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (2131): الحُكرة: بضم المهملة، وسكون الكاف: حبس السلع عن البيع، هذا مقتضى اللغة.
قال: والاحتكار الشرعي: إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه، وحاجة الناس إليه. اهـ
قلتُ: وقد جاءت أحاديث في تحريم الاحتكار، منها: حديث معقل بن يسار عند أحمد (5/ 27) وغيره، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين؛ ليغليه عليهم؛ فإنَّ حقًّا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة» ، وهو حديث صحيح، يصححه شيخنا مقبل رحمه الله في «الصحيح المسند» (1131).
وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا بلفظ:«من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين؛ فهو خاطئ» أخرجه أحمد (2/ 351)، وفي إسناده: أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السِّندي، وهو ضعيف، ولكن الحديث يصح بشاهديه
(1)
أخرجه مسلم برقم (1605).
المتقدمين عن معمر، ومعقل رضي الله عنهما.
وأخرج ابن ماجه (2155) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: «من احتكر على المسلمين طعامهم؛ ضربه الله بالجذام والإفلاس» ، وهو حديث منكر، أُنكر على الهيثم بن رافع، وفي إسناده أيضًا أبو يحيى المكي، وهو مجهول، وفي الباب أحاديث أخرى.
وأصح أحاديث الباب هو حديث معمر، وحديث معقل رضي الله عنهما.
وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: الحكرة خطيئة. أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 103) بإسناد صحيح.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (6/ 316): وَالِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِيَ، فَلَوْ جَلَبَ شَيْئًا، أَوْ أَدْخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ شَيْئًا، فَادَّخَرَهُ؛ لَمْ يَكُنْ مُحْتَكِرًا، رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الْجَالِبُ لَيْسَ بِمُحْتَكَرِ؛ لِقَوْلِهِ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ»
(1)
، وَلِأَنَّ الْجَالِبَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَضُرُّ بِهِ، بَلْ يَنْفَعُ؛ فَإِنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا عِنْدَهُ طَعَامًا مُعَدًّا لِلْبَيْعِ، كَانَ ذَلِكَ أَطْيَبُ لَقُلُوبِهِمْ مِنْ عَدَمِهِ.
قلتُ: مقصوده رحمه الله بالشراء، أي: شراء سلع السوق والبلد.
(1)
أخرجه ابن ماجه (2153)، والحاكم (2/ 11)، وغيرهما، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي إسناده: علي بن سالم بن ثوبان، وعلي بن زيد بن جدعان، وكلاهما ضعيف.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى قُوتًا. فَأَمَّا الْإِدَامُ، وَالْحَلْوَاءُ، وَالْعَسَلُ، وَالزَّيْتُ، وَأَعْلَافُ الْبَهَائِمِ؛ فَلَيْسَ فِيهَا احْتِكَارٌ مُحَرَّمٌ. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: وهذا الذي ذكره ابن قدامة هو مذهب الجمهور، وقد استدلوا على ذلك بأنَّ سعيد بن المسيب كان يحتكر الزيت، فسئل عن ذلك؟ فقال: كان معمر يحتكر. وراوي الحديث أعلم بمعناه من غيره.
• وذهب الشوكاني رحمه الله إلى عموم تحريمه في غير الطعام مما يحصل به ضرر على المسلمين.
قال رحمه الله في «نيل الأوطار» : وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الِاحْتِكَارَ مُحَرَّمٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَالدَّوَابِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ:«الطَّعَامِ» فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إنَّمَا هُوَ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. اهـ
ثم نقل الشوكاني عن بعض الشافعية عدم جواز الاحتكار في غير الطعام إذا حصل به إضرار على المسلمين.
قلتُ: وهو قول مالك كما في «المدونة الكبرى» (3/ 313)، و «الأوسط» (10/ 159)، والرَّاجح أنَّ هذا ليس مخصوصًا بالأقوات، بل أي شيء يحتكر،
وفي احتكاره مضرة للناس؛ فلا يجوز، وأمثلة ذلك البترول ومشتقاته، ونحو ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: الثَّالِثُ، أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ بِشِرَائِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: يَكُونُ فِي بَلَدٍ يُضَيِّقُ بِأَهْلِهِ الِاحْتِكَارُ، كَالْحَرَمَيْنِ، وَالثُّغُورِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّيِّقِ، بِأَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ قَافِلَةٌ فَيَتَبَادَرُ ذَوُو الْأَمْوَالِ فَيَشْتَرُونَهَا، وَيُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ. فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ الِاتِّسَاعِ وَالرُّخْصِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ؛ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ. اهـ
قال الشوكاني رحمه الله: وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَقَصْدِ إغْلَاءِ السِّعْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مَعْقِلٍ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ» ، وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:«يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» .اهـ
قال السُّبُكِي رحمه الله: الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الشِّرَاءِ، وَحَصَلَ بِهِ ضِيقٌ؛ حُرِّمَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَسْعَارُ رَخِيصَةً، وَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَيْهِ؛ فَلَيْسَ لِمَنْعِهِ مِنْ شِرَائِهِ وَادِّخَارِهِ إلَى وَقْتِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ مَعْنًى، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالرُّويَانِيُّ: وَرُبَّمَا يَكُونُ هَذَا حَسَنَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ بِهِ النَّاسَ، وَقَطَعَ المَحَامِلِيُّ فِي المُقْنِعِ بِاسْتِحْبَابِهِ. اهـ
(1)
(1)
انظر: «نيل الأوطار» (2280)، «شرح مسلم» (11/ 43)، «المغني» (6/ 316 - 317).
تنبيه: ادِّخار الإنسان القوت لنفسه وعياله لا يدخل في الاحتكار، بل هو جائزٌ، فقد كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يدَّخر لأهله قوت سنة كما في «الصحيحين» .
(1)
قال الشوكاني رحمه الله: قَالَ ابْنُ رِسْلَانَ فِي «شَرْحِ السُّنَنِ» : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ مِنْ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ
…
، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَا يَدَّخِرُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قُوتٍ، وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ سَمْنٍ، وَعَسَلٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ
(2)
تنبيه: المدة التي يجوز فيها خزن السِّلع راجعة إلى وقت حاجة الناس إليها.
(1)
أخرجه البخاري برقم (2904)، ومسلم (1757)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
«نيل الأوطار» (2280).
799 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
وَلِمُسْلِمٍ: «فَهُوَ بِالخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» .
(2)
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَلَّقَهَا البُخَارِيُّ: «وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، لَا سَمْرَاءَ» . قَالَ البُخَارِيُّ: وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.
(3)
800 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَزَادَ الإِسْمَاعِيلِيُّ: مِنْ تَمْرٍ.
(4)
(1)
أخرجه البخاري (2148)، ومسلم (1515)(11).
(2)
أخرجه مسلم برقم (1524)(24)(25).
(3)
أخرجه مسلم برقم (1524)(25). من طريق قرة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة. وعلقه البخاري في «صحيحه» عقب الحديث (2148). وقول البخاري (والتمر أكثر) إشارة إلى إعلال الحديث بلفظ (الطعام)، وقد اختلف في ذكر الطعام على ابن سيرين، فبعض الرواة رواه عنه بذكر الطعام، وبعضهم رواه عنه بذكر التمر بدل الطعام، والظاهر أن رواية التمر هي المحفوظة كما أشار إليه البخاري، فإن بعض من رواه عن ابن سيرين بلفظ (الطعام) قد جاء عنه أنه رواه بلفظ (التمر).
وأيضًا روى الحديث عن أبي هريرة جمع، ولم يذكر واحد منهم (الطعام) وإنما ذكروا التمر، وهم الأعرج وهمام بن منبه وأبوصالح ومحمد بن زياد ومجاهد والوليد بن رباح والشعبي والنخعي وموسى بن يسار وثابت مولى عبدالرحمن بن زيد. وانظر رواياتهم في «فتح الباري» (2148) و «مسند أحمد» و «الصحيحين» . وقد حمل بعض أهل العلم رواية (الطعام) على أن المراد بذلك (التمر)؛ لأنه كان طعامهم.
(4)
أخرجه البخاري برقم (2149)(2164). وعنده في الموضع الأول زيادة: (من تمر).