الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْهَدْيِ، إذَا لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ التَّعْيِينِ.
وَإِنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ، لَزِمَهُ مِثْلُ المُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا فَوَّتَهُ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ، كَالْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ ابْتِدَاءً. انتهى.
مسألة [170]: كيف يحصل تعيين الهدي
؟
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (5/ 437): وَيَحْصُلُ الْإِيجَابُ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ. أَوْ بِتَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ نَاوِيًا بِهِ الْهَدْيَ، وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَلَا يَجِبُ بِالشِّرَاءِ مَعَ النِّيَّةِ، وَلَا بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ بِالشِّرَاءِ مَعَ النِّيَّةِ.
وَلَنَا: أَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يَجِبْ بِالنِّيَّةِ، كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ.
مسألة [171]: إذا ذبح عن الهدي الواجب شاة مغصوبة
؟
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (5/ 437): إذَا غَصَبَ شَاةً، فَذَبَحَهَا عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، لَمْ يُجْزِهِ، سَوَاءٌ رَضِيَ مَالِكُهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ، أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُعَوِّضْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ إنَّ رَضِيَ مَالِكُهَا.
وَلَنَا: أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً فِي ابْتِدَائِهِ، فَلَمْ يَصِرْ قُرْبَةً فِي أَثْنَائِهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ لِلْأَكْلِ ثُمَّ نَوَى بِهِ التَّقْرِيبَ، وَكَمَا لَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ نَوَاهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. انتهى.
مسألة [172]: حكم هدي التطوع إذا عطب في الطريق
؟
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (5/ 437 - ): مَنْ تَطَوَّعَ بِهَدْيِ غَيْرِ
وَاجِبٍ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْوِيَهُ هَدْيًا، وَلَا يُوجِبُ بِلِسَانِهِ وَلَا بِإِشْعَارِهِ وَتَقْلِيدِهِ، فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ إمْضَاؤُهُ، وَلَهُ أَوْلَادُهُ وَنَمَاؤُهُ وَالرُّجُوعُ فِيهِ مَتَى شَاءَ، مَا لَمْ يَذْبَحْهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّدَقَةَ بِشَيْءِ مِنْ مَالِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ.
الثَّانِي: أَنْ يُوجِبَهُ بِلِسَانِهِ، فَيَقُولَ: هَذَا هَدْيٌ. أَوْ يُقَلِّدَهُ أَوْ يُشْعِرَهُ، يَنْوِي بِذَلِكَ إهْدَاءَهُ، فَيَصِيرُ وَاجِبًا مُعَيَّنًا، يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِعَيْنِهِ، دُونَ ذِمَّةِ صَاحِبِهِ، وَيَصِيرُ فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ كَالْوَدِيعَةِ، يَلْزَمُهُ حِفْظُهُ وَإِيصَالُهُ إلَى مَحِلِّهِ، فَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، أَوْ سَوْقٍ، أَوْ ضَلَّ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّةِ، إنَّمَا تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِالْعَيْنِ، فَسَقَطَ بِتَلَفِهَا، كَالْوَدِيعَةِ.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَهْدَى تَطَوُّعًا، ثَمَّ ضَلَّتْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَإِنْ كَانَ نَذْرًا، فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ»
(1)
.
وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ:«مَنْ أَهْدَى تَطَوُّعًا، ثَمَّ عَطِبَ فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَكَلَ، وَإِنْ كَانَ نَذْرًا فَلْيُبْدِلْ»
(2)
.
(1)
ضعيف جدًّا: أخرجه الدارقطني (2/ 242)، وفي إسناده عبد الله بن شبيب، وهو واهي الحديث.
(2)
ضعيف منكر: أخرجه الدارقطني (2/ 242)، من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي، عن نافع عن ابن عمر به. وإسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن عامر، وقد خالف مالك فأوقفه على ابن عمر بلفظ:«من أهدي بدنة فضلت، أو ماتت، فإنها إذا كانت نذرًا أبدلها وإن كان تطوعًا، فإن شاء أبدلها وإن شاء تركها» . أخرجه البيهقي (5/ 243)، من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر به.
وقال البيهقي بعد ذكر الرواية المرفوعة: الصحيح رواية مالك، عن نافع، والله أعلم.
فَأَمَّا إنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَاجِبًا لِغَيْرِهِ، فَضَمِنَهُ، كَالْوَدِيعَةِ.
وَإِنْ خَافَ عَطَبَهُ، أَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ وَصُحْبَةِ الرِّفَاقِ، نَحَرَهُ مَوْضِعَهُ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا لَأَحَدٍ مِنْ صَحَابَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءً، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَضَعَ نَعْلَ الْهَدْيِ الْمُقَلَّدَ فِي عُنُقِهِ فِي دَمِهِ، ثُمَّ يَضْرِبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، لِيُعَرِّفَهُ الْفُقَرَاءَ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهُ هَدْيٌ، وَلَيْسَ بِمَيِّتَةٍ، فَيَأْخُذُوهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْ هَدْيِهِ الَّذِي عَطِبَ، وَلَمْ يَقْضِ مَكَانَهُ.
(1)
وَقَالَ مَالِكٌ: يُبَاحُ لِرُفْقَتِهِ، وَلِسَائِرِ النَّاسِ، غَيْرِ صَاحِبِهِ أَوْ سَائِقِهِ، وَلَا يَأْمُرُ أَحَدًا يَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ أَمَرَ مِنْ أَكَلَ، أَوْ حَزَّ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهِ، ضَمِنَهُ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِذَلِكَ، بِمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَاجِيَةَ بِن كَعْبٍ، صَاحِبِ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ؟ قَالَ:«انْحَرْهُ، ثُمَّ اغْمِسْ قَلَائِدَهُ فِي دَمِهِ، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا صَفْحَةَ عُنُقِهِ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ»
(2)
. قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 2/34)، نا عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال:«بعث معي عبد الله ببدنة تطوعًا، فعطب في الطريق، فنحرتها، فتصدقت منها بطائفة، ورجعت إليه ببعضها، فأكل ولم يبدل» . إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.
(2)
صحيح: أخرجه أبو داود (1762)، والترمذي (910)، والنسائي في «الكبرى» (4137)، وابن ماجه (3106)، وأحمد (4/ 334)، من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ناجية به. وإسناده صحيح.
وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: «وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ» . رُفْقَتُهِ وَغَيْرُهِمْ.
وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ الْبُدْنَ، ثُمَّ يَقُولُ:«إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَخَشِيتَ عَلَيْهَا، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1)
. وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «وَيُخَلِّيهَا وَالنَّاسَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ»
(2)
. وَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَ بِثَمَانِي عَشْرَةَ بَدَنَةً مَعَ رَجُلٍ، وَقَالَ:«إنْ ازْدَحَفَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اُصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهَا فِي صَفْحَتِهَا، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ»
(3)
. وَهَذَا صَحِيحٌ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَمَعْنًى خَاصٍّ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى عُمُومِ مَا خَالَفَهُ.
وَلَا تَصِحُّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ رُفْقَتِهِ وَبَيْنَ سَائِرِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشْفِقُ عَلَى رُفْقَتِهِ، وَيُحِبُّ التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ، وَرُبَّمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُؤْنَتِهِ. وَإِنَّمَا مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُهُ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهَا؛ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهَا، فَيُعْطِبَهَا لِيَأْكُلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهَا، فَتَلْحَقَهُ التُّهْمَةُ فِي عَطَبِهَا لِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ، فَحُرِمُوهَا لِذَلِكَ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا، أَوْ بَاعَ أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَوْ رُفْقَتَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا.
(1)
أخرجه مسلم برقم (1326).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 225)، وإسناده صحيح.
(3)
صحيح: إسناد سعيد بن منصور مرسل، والحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم (1325)، من طريق موسى بن سلمة، عن ابن عباس به، وفيه:«ست عشرة بدنة» .
وَإِنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، أَوْ خَافَ عَطَبَهَا، فَلَمْ يَنْحَرْهَا حَتَّى هَلَكَتْ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا بِمَا يُوصِلُهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُ الضَّمَانِ إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْعَاطِبِ.
وَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهَا فَقِيرًا، أَوْ أَمَرَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَطْعَمَ فَقِيرًا بَعْدَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ. اهـ
قال الإمام أبو الحسين العِمراني رحمه الله في «البيان» (4/ 419 - ): وإن أتلف المهدي الهديَ؛ لزمه ضمانه؛ لأنه أتلف مال المساكين، ويضمنه بأكثر الأمرين: من قيمته، أو هديٍ مثله.
وقال مالك، وأبو حنيفة: يجب عليه قيمته يوم التلف.
دليلنا: أنه لزمه الإراقة، والتفرقة، وقد فوت الجميع؛ فلزمه ضمانهما، كما لو أتلف شيئين. فإن كانت القيمة مثل ثمن مثله اشترى بها هديًا مثله. وإن كان الثمن أقلَّ من قيمة هدي مثله؛ لزمه أن يشتري مثله. وإن كانت أكثر؛ فإن أمكنه أن يشتري بها هديين مثله؛ اشترى بها هديين، وإن لم يمكنه؛ اشترى هديًا مثله.
ثم قال: وإن أتلفه أجنبي؛ وجبت عليه القيمة يوم التلف، لا غير، والفرق بينه وبين المهدي: أن المهدي وجبت عليه الإراقة، وهذا لم تجب عليه الإراقة. اهـ
قلتُ: ما قرره العمراني رحمه الله من قول الشافعية أقرب، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «البيان» (4/ 427).