الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [2]: عقد الاستصناع
.
المستصنِع بالكسر هو طالب الصناعة، وهو المشتري، والمستَصنَع بالفتح هو المبيع، والبائع هو الصانع.
صورته: أن يأتي الرجل إلى مصنع، أو ورشة، ويطلب من صاحبه أن يعمل معه عقد بيع على استصناع أبواب، أو غرفة نوم، أو مجلس عربي، أو تصنيع أحذية، أو تصنيع ملابس، أو غير ذلك، وتكون المواد موجودة عند البائع، فيبرمان العقد، ويدفع بعض الثمن، فما حكم هذا الأمر؟ فيه خلاف:
• فالجمهور -ومنهم الشافعي، ومالك، وأحمد- على أنَّ عقد الاستصناع بالصورة المتقدمة لا يجوز، وهو قول زفر من الحنفية، واستدلوا بحديث:«لا تبع ما ليس عندك» ؛ فهو بيع معدوم، وإنما رخص ذلك في السَّلَم؛ لأنَّ رأس المال كاملًا يكون متوفرًا حال العقد، بخلاف عقد الاستصناع، فلا يشترط فيه تقديم رأس المال.
• والحنفية يرون جواز عقد الاستصناع، وهو قول بعض الحنابلة، وقال به مالك إذا كان حدد أجلًا، وقالوا: إنه من حاجة الناس، ولا غنى لهم عنه، وقالوا: عليه عمل المسلمين، وهو من عقود المعاوضات التي ليس فيه غرر، ولا جهالة.
قال الإمام عبد الرحمن السعدي -بعد ما ذكر مذهب الجمهور-: وقيل: يصح، وهو أولى؛ لعدم الجهالة، فشرط الصحة موجودٌ، والمانع مفقودٌ، ومن قال
بالتحريم؛ فعليه الدليل، وأنَّى له ذلك. اهـ
وقال الإمام العثيمين رحمه الله في كتاب «لقاء الباب المفتوح» (رقم 131 ص 26):
هذا لا بأس به؛ لأنه لم يبع عليه شيئًا معينًا، إنما اتفق معه على استصناع شيء معين، فالصواب: أنه لا بأس به، وليس فيه مانع، ويكون هذا ثابتًا في ذمته، ويعمل بمقتضى العقد. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: يظهر لي أن عقد الاستصناع ليس من باب: (بيع السَّلَم)؛ فإن صورته مختلفة؛ فبيع السَّلَم بيع لموصوف في الذمة غير موجود، وههنا المواد موجودة، ولكن بقي تصنيعها على الوجه المتفق عليه إلى أجل معلوم، وليس في هذا غرر ولا جهالة، فالأقرب أنه من باب:(بيع الشيء الغائب) مع خيار الرؤية، فإلحاقه بهذه الصورة أقرب، والله أعلم.
تنبيه: أبو حنيفة يجعل عقد الاستصناع مُلزِمًا للصانع، وليس بملزم للمشتري، وهذا قولٌ غريب، وأبو يوسف يرى أنه ملزم للطرفين، وهذا هو الذي رجحه كثير من الحنفية، ورجحه المجمع الفقهي بشرط أن تتوفر في المستصنَع الشروط، فإذا وجد المشتري خلافًا للشروط التي اشترطها؛ فليس الشراء لازمًا له.
شروط عقد الاستصناع:
1 -
بيان جنس المستصنع.
…
2 - بيان نوعه.
…
3 - بيان قدره.
4 -
أوصافه المطلوبة.
…
5 - تحديد الأجل.
مما يجوز في عقد الاستصناع.
1 -
تقديم كامل رأس المال.
…
2 - تأخير كامل رأس المال.
3 -
تقديم جزء من المال.
…
4 - دفعه أقساطًا.
5 -
يجوز أن يتضمن شرطًا جزائيًّا إذا اتفق عليه المتعاقدون.
مثال الشرط الجزائي من قبل البائع:
أن يقول للمشتري: سأصنع لك ما طلبت، ولكن إذا تراجعت عن الشراء فأطالبك بعشرة في المائة من ثمن المستصنع مثلًا.
مثال الشرط الجزائي من قِبَل المشتري:
أن يقول للصانع: لو تأخرت عن صناعة المطلوب، وصرت أنا عاجزًا عن شراء هذا المستصنع إلا بسعر أرفع، وأنا مستعجل؛ فيلزمك دفع الزيادة لتأخيرك لي عن ا لشراء في وقت الرخاء. والمجمع الفقهي، وهيئة كبار العلماء يجيزون هذا الشرط الجزائي.
(1)
(1)
انظر: «مختصر اختلاف العلماء» (3/ 35 - 36)«المبسوط» (12/ 138 - 139)، «الإنصاف» (5/ 74 - 75)، «الفروع» (4/ 24)، «فتح القدير» (7/ 114 - )، «الأم» (3/ 134) ط/الفكر «روضة الطالبين» (4/ 27 - 28)، «جواهر الإكليل» (2/ 37)، «مجلة المجمع للفقه الإسلامي» (العدد السابع/2/ 223).
787 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُودَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
يستفاد من الحديث المتقدم: أنَّ السلعة إذا اشتريت فلا يجوز بيعها حتى يحولها، وقوله «إلَى رِحَالِهِمْ» خرج مخرج الغالب، وليس ذلك بشرط، وإنما الواجب هو قبضها، وهذا الحديث محمول على ما ينقل، وأما العقارات، وما لا ينقل، أو يشق نقله؛ فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري.
ويستفاد من هذا الحديث: أنَّ هذا الحكم عام في الطعام وغيره من المتاع؛ لعموم قوله: «أن تُباع السِّلَع» ، و (السِّلَع) جمع (سِلعة)، وهي المتاع وما يُتَّجَرُ بِهِ، وقد تقدم ذكر أقوال العلماء في هذه المسائل، وبيان الراجح منها تحت حديث رقم (783).
(1)
صحيح. أخرجه أحمد (5/ 191)، وأبوداود (3499)، وابن حبان (4984)، والحاكم (2/ 40)، من طريق محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر به. وهذا إسناد حسن؛ لأن ابن إسحاق حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وقد صرح بالتحديث عند أحمد وابن حبان، وابن إسحاق قد توبع، فقد أخرجه الطبراني (4781) من وجه صحيح عن جرير بن حازم عن أبي الزناد به. وإسناده صحيح، فالحديث صحيح.