الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [14]: السرجين، والعذرة هل يجوز بيعها أم لا
؟
تقدم في كتاب الطهارة بيان حكم أرواث الحيوانات، والبيع مبني على طهارتها، ونجاستها، فمن قال: إنها نجسة؛ لم يُجَوِّز بيعها، ومن قال: ليست بنجسة؛ فإنه يبيح بيعها؛ لأنَّ النجس لا يجوز بيعه قياسًا على الميتة، والله أعلم.
(1)
فائدة: يجوز الانتفاع بعذرة الإنسان، وبوله في تسميد الأرض إذا كان لا يؤثر على الثمرة، ويجوز بيع الأسمدة الكيماوية التي من مكوناتها العذرة؛ لأنها قد استحالت.
(1)
وانظر: «المجموع» (9/ 230)، «المغني» (6/ 358).
768 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إذَا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالقَوْلُ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَتَارَكَانِ» . رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
(1)
(1)
صحيح. أخرجه أحمد (4442 - 4446)، وأبوداود (3511)، والنسائي (7/ 302)، والترمذي (1270)، وابن ماجه (2186)، والحاكم (2/ 45)، وغيرهم، والحديث باللفظ المذكور عند أبي داود والنسائي والحاكم وغيرهم من طريق عبدالرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده عن ابن مسعود به. وإسناده ضعيف؛ لأن عبدالرحمن مجهول، وأباه وجده مجهولا حال، وأعله ابن عبدالبر وعبدالحق وابن حزم بأن محمد بن الأشعث لم يسمع من ابن مسعود أيضًا. ورد هذا ابن الملقن وأثبت أنه أدركه ولا مانع من السماع.
وللحديث طريق أخرى من طريق القاسم بن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن جده عبدالله ابن مسعود أخرجه أحمد (4445)(4443)(4446)، والطيالسي (399)، والبيهقي (5/ 333)، والبغوي (2124) من طرق عن القاسم به. وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه، فإن القاسم لم يدرك عبدالله بن مسعود.
وقد أخرجه الدارمي (2552)، وأبوداود (3512)، وابن ماجه (2186)، وأبويعلى (4984)، والدارقطني (3/ 20 - 21)، والطبراني (10365) والبيهقي (5/ 333) من طريق القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه عن ابن مسعود.
ولكن ذكر الدارقطني في «العلل» (5/ 203 - 205) الخلاف في ذلك، وصوَّب أنه مرسل، وأن الصواب فيه: القاسم عن ابن مسعود، بدون ذكر عبدالرحمن.
وللحديث طريق أخرى من طريق عون بن عبدالله عن ابن مسعود، ولفظه «إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البائع، والمبتاع بالخيار» : أخرجه أحمد (4444)، وابن أبي شيبة (6/ 227)، والترمذي (1270)، والبيهقي (5/ 332)، وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه، فعون بن عبدالله لم يسمع من ابن مسعود.
وللحديث طريق أخرى، من طريق أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه، بلفظ:(أمر البائع أن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك).
أخرجه أحمد (4442)، والنسائي (7/ 303)، والدارقطني (3/ 19)، والحاكم (2/ 48)، والبيهقي (3/ 19)، وفي إسناده انقطاع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، وفيه أيضًا عبدالملك بن عبيد أو عبيدة مجهول، وقد وقع في بعض الطرق (عبدالملك بن عمير) وهو وهم من بعض الرواة كما نص على ذلك البيهقي و أشار إليه أحمد، وهوظاهر صنيع البخاري في «تاريخه» .
وللحديث طريق أخرى: أخرجه الطبراني (9987) حدثنا محمد بن هشام المستملي ثنا عبدالرحمن بن صالح ثنا فضيل بن عياض ثنا منصور عن علقمة عن ابن مسعود بلفظ: «البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا» .
قال ابن الملقن في «البدر المنير» (6/ 598): وهذا الطريق عندي أقوى طرقه، ولم يظفروا بها، ومن فضيل بن عياض إلى ابن مسعود أئمة أعلام، لكن عبدالرحمن بن صالح نسب إلى الرفض ووضع مثالب الصحابة، وهو كوفي عتكي، أخرج له النسائي في «الخصائص» ، وقال ابن معين: ثقة شيعي، لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يكذب في نصف حرف، وقال أبوحاتم: صدوق، وقال موسى بن هارون مرة: ثقة، وكان يحدث بمثالب أزواج النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه، وقال صالح جزرة: صالح إلا أنه يقرض عثمان، وقال البغوي: سمعته يقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر وعمر. اهـ
قلتُ: وقال أحمد: ثقة، وقال موسى بن هارون مرة: خرقت عامة ما سمعته منه. وقال أبوداود كان رجل سوء، وقال ابن عدي: لم يذكر في الحديث بالضعف، ولا اتهم فيه إلا أنه محترق في التشيع. اهـ من «التهذيب» .
قلتُ: فالذي نقم عليه هو التشيع، وأما الضبط والصدق فلم يتكلم عليه أحد فيهما، وعلى هذا فالإسناد صحيح، والحديث صحيح، وأما قول الحافظ في «التلخيص» (3/ 74)،:(لكن اختلف في عبدالرحمن بن صالح، وما أظنه حفظه، فقد جزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول، وذكره الدارقطني في «العلل» فلم يعرج على هذه الطريق)؛ فهو رد للحديث بما لا يقتضيه، فليس لنا علم بكون الشافعي قصد هذه الطريق أيضًا، والأظهر أنه يقصد الطرق السابقة. وأما الدارقطني فإنه لم يستوعب في علله جميع طرق الحديث، وإنما ذكر الخلاف في طريق القاسم بن عبدالرحمن، ولم يذكر بقية الطرق كلها.
فالحاصل مما تقدم أن الحديث صحيح، والله تعالى أعلى وأعلم.
تنبيه: رواية (استحلف البائع) لم أرها إلا في طريق أبي عبيدة عن أبيه، وقد تقدم الكلام عليها، وجميع طرق الحديث بدون هذه الزيادة، فالحديث صحيح بدونها.
تنبيه آخر: زيادة «والمبيع قائم بعينه» جاءت في طريق القاسم بن عبدالرحمن فحسب، ولم تذكر في جميع طرق الحديث؛ فهي زيادة شاذة، وقد ذكر الدارقطني في «العلل» (5/ 204)، والبيهقي في «الكبرى» (5/ 333) أنه تفرد بها ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبدالرحمن، ولكني وجدتها أيضًا في رواية معن بن عبدالرحمن عن القاسم في «مسند أحمد» (4446)، والله أعلم.
تنبيه آخر: ما رُوي: «إذا اختلف البيعان؛ تحالفا» .
قال الرافعي: هذه الرواية غريبة على هذا النمط، لم أرها كذلك في شيء من كتب الحديث.
وقال ابن الملقن رحمه الله: هذه رواية غريبة لم أجدها في شيء من كتب الحديث بعد البحث التام، وإنما توجد في كتب الفقه، والعجب منه يعني الرافعي أنه يستدل بها في شرحيه مع قوله هذا الكلام. اهـ
قال الحافظ رحمه الله: وأما قوله: «تحالفا» فلم يقع عند أحد منهم. انظر: «البدر المنير» (6/ 597)، «التلخيص الحبير» (3/ 75).
فائدة على هذا الحديث: قال ابن عبد البر رحمه الله في «التمهيد» (12/ 231) ط/مرتبة: وهذا الحديث عند جماعة العلماء أصل تلقوه بالقبول، وبنوا عليه كثيرًا من فروعه، واشتهر عندهم بالحجاز والعراق شهرة يُستغنى بها عن الإسناد كما اشتهر عندهم قوله عليه السلام:«لا وصية لوارث»
(1)
، ومثل هذا من الآثار التي قد اشتهرت عند جماعة العلماء استفاضة يكاد يُستغنى فيها عن الإسناد؛ لأن استفاضتها وشهرتها عندهم أقوى من الإسناد. اهـ
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله في «شرح البلوغ» (3/ 477): ولو نظرنا إلى عموم هذا الحديث؛ لقلنا كل اختلافين يقع بين المتبايعين فالقول قول البائع؛ فإنْ لم يحلف ترادا البيع، أي: فَسَخَاه، ولكن هذا الحديث ليس على هذا الإطلاق باتفاق العلماء؛ فإنَّ العلماء لم يتفقوا على أنَّ القول قول البائع في كل صورة، بل اتفقوا على أنه ليس القول قول البائع في كل صورة، وأنَّ من الصور ما لايمكن فيه قبول قول البائع بالاتفاق، ومن الصور ما القول فيها قول المشتري بالاتفاق؛ فصار هذا الحديث ليس على إطلاقه، وإنما يرجع فيه إلى الحديث الأصل في باب
(1)
سيأتي تخريجه في «البلوغ» رقم (954).