الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها في «الصحيحين»
(1)
، قالت: فأما الذي حلوا، فطافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجِّهم. ولأنهما نسكان منفصلان: عمرة منفصلة، وحج منفصل؛ فوجب لكل منهما سعي وطواف.
الثاني: أنَّ على المتمتع سعيًا واحدًا، وهو سعي العمرة، فيكفيه عن سعي الحج، وهو قول عطاء، وطاوس، ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام؛ لحديث جابر المتقدم قريبًا:«لم يطف النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا» .
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الأول هو الصواب؛ لما تقدم، وهو ترجيح الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ مقبل رحمة الله عليهم، وأما حديث جابر الذي استدلوا به فهو في حق من ساق الهدي؛ جمعًا بينه وبين حديث عائشة، والله أعلم.
(2)
مسألة [215]: أعمال يوم النحر، وتقديم بعضها على بعض
.
أعمال يوم النحر هي: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي للمتمتع، وللقارن والمفرد إذا لم يسعيا بعد طواف القدوم.
والسُّنَّةُ هو الترتيب بينها كما ذكرتُ عند جميع أهل العلم.
• واختلف أهل العلم في تقديم بعضها على بعض:
(1)
أخرجه البخاري برقم (1556)، ومسلم برقم (1211).
(2)
وانظر: «تفسير القرطبي» (2/ 397)، «الإنصاف» (4/ 41).
فأما الأربعة -ما دون السَّعي- فلا بأس على من أخلَّ بترتيبها ناسيًا، أو جاهلًا عند أكثر أهل العلم، وهو مذهب الحسن، وطاوس، ومجاهد، وابن جبير، وعطاء، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وداود وغيرهم.
وقال أبو حنيفة: إن قَدَّمَ الحلق على الذبح أو الرمي فعليه دم، وإن كان قارنًا فعليه دمان. وقال مالك: إن قَدَّم طواف الإفاضة على الرمي؛ فلا يجزئه. ورُوي عنه: يجزئه، وعليه دمٌ.
قلتُ: والصحيح هو قول الجمهور؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقف بمنى للناس يسألونه، فقال قائلٌ: يا رسول الله، لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال:«اذبح، ولا حرج» ، وقال آخر: ذبحت قبل أن أرمي؟ فقال: «ارم، ولا حرج» ، فما سُئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال:«افعل، ولا حرج» متفق عليه.
(1)
وفي رواية لمسلم: فما سمعته يُسأل يومئذ عن أمرٍ مما يَنسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور على بعض وأشباهها، إلا قال:«افعلوا، ولا حرج» .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عندهما، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قيل له في الذبح، والحلق، والتقديم، والتأخير، فقال:«لا حرج» .
(2)
• وأما تقديم بعضها على بعض متعمدًا عالمًا بمخالفة السنة ففيه قولان:
(1)
أخرجه البخاري برقم (83)، ومسلم برقم (1306).
(2)
أخرجه البخاري برقم (1734)، ومسلم برقم (1307).
الأول: عليه دمٌ، وهو قول سعيد بن جبير، وجابر بن زيد، وقتادة، والنخعي، وهو رواية عن أحمد، وقال به مالك في تقديم الحلق على الرمي، وفي تقديم الطواف على الرمي في رواية.
الثاني: ليس عليه دمٌ، وهو قول عطاء، وإسحاق، والشافعي، ورواية عن أحمد، وحمل ابن قدامة هذا الخلاف على الجواز لا على الإجزاء، فقال: ولا نعلم خلافًا بينهم في أنَّ مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء.
وقد نصر ابن دقيق العيد الرواية الأولى عن أحمد بعدم الجواز من المتعمد العالم بالسنة؛ معتمدًا على قوله في الحديث: «لم أشعر» ، فقال: يختص الحكم بهذه الحالة، وهو الذي لا يشعر لجهله، أو نسيانه، وأما غيره؛ فيجب عليه الترتيب كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ لقوله:«خذوا عني مناسككم» .
قلتُ: بل الصواب -والله أعلم- هو القول الثاني، وهو قول الجمهور؛ لأنَّ الترتيب لو كان واجبًا لم يسقط بالسهو، أو الجهل، والوقت مازال باقيًا، ولو كان واجبًا؛ لَأَمَرَه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بإعادة ما قدمه قبل وقته، وأيضًا قول الراوي: فما سُئل عن شيء قدم ولا أخر
…
، الحديث، يُوحي بالإباحة، وعدم وجوب الترتيب.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: قوله: «افعل، ولا حرج» يُشعِر بعدم وجوب الترتيب. اهـ
قلتُ: وأيضًا بعض الأحاديث ليس فيها ذكر النسيان، كحديث ابن عباس