الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: هو أن يقول: أبيعك هذا الكتاب بألف على أن تبيعني هذا المسجل بثمانمائة، وقد فسَّره بذلك جماعةٌ من أهل العلم، منهم الشافعي، وأحمد، وهو أحد التفسيرين عند الحنفية.
وقيل: هو أن يقول الرجل لآخر: هذه عشرة آلاف في مائة قدح من البر سَلَمًا إلى ستة أشهر، فيأتي موعد التسليم وما قد وفَّر المسْلَم المائة القدح، فيقول للمسْلِم: ما قد وفَّرت مطلوبك، ولكن بعني مائة قدح بمائة وعشرين قدح إلى شهر. وهذا التفسير ذكره الخطابي، ولا شك في تحريمه؛ لأنه ربا واضح.
وقيل: المراد بذلك هو بيع العينة، وصورته بأن يقول للتاجر: بعني هذه السلعة بخمسة آلاف دينًا إلى شهر. ثم يقبضها، ثم يقول للبائع: تشتريها مني بأربعة آلاف نقدًا. فيرضى البائع، ويكون قد استفاد ألف ريال وسلعته باقية. وهذا اختيار شيخ الإسلام، وابن القيم، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.
قال أبو عبد الله غفر الله له: كل هذه الأقوال محتملة، وأقربها القول الرابع، ثم الأول، ثم الثاني، والله أعلم.
(1)
مسألة [2]: البيع إلى أجل بزيادة
.
• ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز ذلك، وهو مذهب أحمد، ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، والترمذي وغيرهم.
(1)
انظر: «فتح القدير» (6/ 410)«جواهر الإكليل» (2/ 24)«تهذيب السنن» (5/ 148)«مجموع الفتاوى» (28/ 74)(29/ 447)«الإنصاف» (4/ 337)«اختلاف الفقهاء» (ص 32 - 33).
واستدلوا بما يلي:
1) قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، فالأصل هو الحل، ولا يُعلم دليل يحرم ذلك.
2) قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29].
3) أجاز أهل العلم السَّلم، وفيه أنَّ الثمن يكون غالبًا أقل مقابل التقديم برضى الطرفين، فلا مانع من عكس ذلك.
4) الزيادة مقابل الأجل؛ لأنَّ البائع إذا تركها وباعها نقدًا سيستفيد من المال بتنمية تجارته.
5) كما أنه يجوز للبائع أن يبيع السلعة بأكثر من سعر السوق برضى المشتري بدون أجل؛ فمن باب أولى جواز ذلك مقابل التأجيل.
• وذهب بعض أهل العلم إلى المنع من ذلك، وقد حكاه الشوكاني عن زين العابدين علي بن الحسين، والناصر، والمنصور بالله، والهادوية، وقال به من المعاصرين الإمام الألباني، والإمام الوادعي رحمة الله عليهم. واستدلوا على ذلك بحديث الباب:«نهى عن بيعتين في بيعة» ، وقالوا: هو في معنى الربا.
والجواب عن الحديث: أنه كما تقدم ليس فيه تعرض لهذه المسألة؛ لأنَّ الذين فسروا (البيعتين في بيعة) بالنقد أو النسيئة، جعلوا التحريم في حالة عدم تعيين المشتري لأحد البيعين؛ فتحصل الجهالة، وممن نص على ذلك الترمذي، والطبري، وأبو عبيد، وابن عبد البر، والنووي، وابن قدامة، والبغوي، وابن رشد، وآخرون.
وأما قولهم: (إنه في معنى الربا) فالعبرة في العقود بالألفاظ مع النيات، والمقصود هنا هو بيع مع الأجل، وليس المقصود أنه يستدين منه مالًا ويرد إليه أكثر. وقد ذكروا تعليلات أخرى للمنع لا تفيد التحريم، وإنما تفيد أنَّ الأفضل أن يتعاون المسلمون باليسر، والإحسان.
وقد عزا الإمام الألباني رحمه الله في «صحيحته» هذا القول لابن سيرين، وسماك، وطاوس، والثوري، والأوزاعي، وابن حبان، والنسائي وغيرهم، ولكن بمراجعة أقوال هؤلاء الأئمة من مصادرها يتبين أن مقصودهم: أن يأخذ المشتري السلعة بدون تحديد إحدى البيعتين؛ فتكون بيعتان في بيعة، وأما إذا أخذ السلعة بالنقد أو بالنسيئة، فإنما هي بيعة واحدة، وقد نصَّ على ذلك طاوس، والثوري، والأوزاعي، وأخذ الأئمة المتأخرون أقوال المتقدمين، وبينوا أن مقصودهم إنما هو إذا لم يختر أحدى البيعتين.
وقد أورد الشيخ الألباني رحمه الله إيرادًا، فقال: ليس في ذلك جهالة؛ لأنَّ المشتري إما أن ينقده الثمن فيكون قد أخذه بالنقد، وإما أن يأخذه ويسكت، وينصرف؛ فيكون قد أخذه نسيئة، فأين الجهالة؟
والجواب: أنَّ النقد قد يسلمه في مجلس العقد، أو قد يعطيه بعد المفارقة، ويسمى (دينًا حالًّا)، فما زالت الجهالة موجودة.
وقال الإمام الألباني رحمه الله: قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيعتين في بيعة أنَّ العلة هي الربا، كما في رواية أبي داود المذكورة في الباب، وجاء عن ابن مسعود
أنه قال: صفقتان في صفقة ربا.
(1)
لم يذكر أنَّ العلة هي الجهالة.
والجواب عن ذلك: أنَّ صورة الربا على التفسير الثالث والرابع واضحة، وأما على التفسير الأول ففيه إشكال، والجواب على ذلك أنَّ لفظ أبي داود غير محفوظ، وعلى القول بصحته؛ فإنَّ كثيرًا من العلماء كانوا يطلقون الربا على كل بيع محرم كما ذكر ذلك ابن نصر المروزي في «السنة» ، ونصَّ على ذلك الحافظ ابن حجر في شرح حديث (2083)، وغيره من أهل العلم، ومنه حديث ابن عباس عند النسائي مرفوعًا:«السلف إلى حبل الحبلة ربا» .
قلتُ: فقول الجمهور هو الصواب، وهو ترجيح الإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين، والفوزان رحمة الله عليهم.
(2)
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 119)، وعبدالرزاق (14636)، وأحمد (3725)، وابن خزيمة (176)، وابن حبان (1053)، والطبراني (9609)، من طريق: سماك بن حرب، عن عبدالرحمن بن عبدالله ابن مسعود، عن أبيه، به، وسماك بن حرب حديثه حسن، وقد روى عنه هذا الأثر شعبة، وسفيان الثوري، وعليه فيصح حديثه، وعبدالرحمن قد سمع من أبيه، والله أعلم.
(2)
وانظر: «المغني» (6/ 332 - )، «المجموع» (9/ 340 - )، «سنن الترمذي» (1231)، «معالم السنن» للخطابي (3/ 104 - )، «الصحيحة» (2326)، «مصنف عبدالرزاق» (8/ 136)، «مصنف ابن أبي شيبة» (6/ 119 - )، «سنن البيهقي» (5/ 343)، «اختلاف الفقهاء» للطبري (ص 32 - 33)، «شرح سنن النسائي» (35/ 130 - 132)«فقه وفتاوى البيوع» (ص 405 - )، «نيل الأوطار» (2179)، «بيع التقسيط وأحكامه» لسليمان التركي (ص 208 - 252).