الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه: من ترك السعي بين الصفا والمروة، فعليه من الحكم ما ذكرناه فيمن ترك طواف الإفاضة أيضًا.
تنبيه آخر: من صار عاجزًا عن الرجوع؛ لأداء طواف الإفاضة، أو السعي بين الصفا والمروة، عجزًا بدنيًا، أو مات قبل أن يتمكن من أدائه؛ فينوبه شخص آخر، ويؤدي عنه ما بقي عليه من حجه؛ فدين الله أحق أن يقضى، وكما يجوز النيابة؛ لأداء الحج كاملًا؛ فيجوز أن تحصل النيابة لما بقي من أركان الحج، وبالله التوفيق.
مسألة [210]: إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة، ولم تنتظرها رفقتها، وخشيت هي ووليها على أنفسهما
؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (26/ 234 - ): وغاية ما في الطهارة أنها شرط في الطواف، ومعلوم أن كونها شرطا في الصلاة أوكد منها في الطواف، ومعلوم أن الطهارة كالسِّتَارة، واجتناب النجاسة، بل الستارة في الطواف أوكد من الطهارة؛ لأن ستر العورة يجب في الطواف وخارج الطواف، ولأن ذلك من أفعال المشركين التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها نهيا عاما؛ ولأن المستحاضة ومن به سلس البول ونحوهما يطوف ويصلي باتفاق المسلمين، والحدث في حقهم من جنس الحدث في حق غيرهم لم يفرق بينهما إلا العذر.
وإذا كان كذلك وشروط الصلاة تسقط بالعجز فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى، والمصلي يصلي عريانا، ومع الحدث والنجاسة في صورة
المستحاضة وغيرها، ويصلي مع الجنابة مع التيمم وبدون التيمم عند الأكثرين إذا عجز عن الماء والتراب.
ثم قال: وأما الحج فالتقدير أنه لا يمكنها أن تحج إلا على هذا الوجه، وإذا لم يمكنها ذلك كان هذا غاية المقدور كما لو لم يمكنه أن يطوف إلا راكبا أو حامل النجاسة.
فإن قيل: هنا سؤالان:
أحدهما: أنه هلا جعلت الحائض كالمعضوب فإن كانت ترجو أن تحج ويمكنها الطواف وإلا استنابت؟
والثاني: أنه إذا لم يسوغ لها الشارع الصلاة زمن الحيض كما يسوغها للجنب بالتيمم وللمستحاضة علم أن الحيض لا تصح معه العبادة بحال.
فيقال: أما الأول فلأن المعضوب هو الذي يعجز عن الوصول إلى مكة؛ فأما من أمكنه الوصول إلى مكة وعجز عن بعض الواجبات فليس بمعضوب كما لو أمكنه الوصول وعجز عن اجتناب النجاسة مثل المستحاضة ومن به سلس البول ونحوهما؛ فإن عليه الحج بالإجماع ويسقط عنه ما يعجز عنه من الطهارة، وكذلك من لم يمكنه الطواف إلا راكبا أو محمولا أو من لم يمكنه رمي الجمار ونحو ذلك؛ فإنه يستنيب فيه ويحج ببدنه.
ثم قال: ويقال: هذا نوع من أنواع الطهارة فسقط بالعجز كغيره من أنواع الطهارة؛ فإنها لو كانت مستحاضة، ولم يمكنها أن تطوف إلا مع الحدث الدائم
طافت باتفاق العلماء. وفي وجوب الوضوء عليها خلاف مشهور بين العلماء، وفي هذا صلاة مع الحدث ومع حمل النجاسة وكذلك لو عجز الجنب أو المحدث عن الماء والتراب صلى وطاف في أظهر قولي العلماء.
قال: ويقال: شرط من شرائط الطواف؛ فسقط بالعجز كغيره من الشرائط؛ فإنه لو لم يمكنه أن يطوف إلا عريانا؛ لكان طوافه عريانا أهون من صلاته عريانا، وهذا واجب بالاتفاق؛ فالطواف مع العري إذا لم يمكن إلا ذلك أولى وأحرى.
وإنما قلَّ تكلم العلماء في ذلك لأن هذا نادر؛ فلا يكاد بمكة يعجز عن سترة يطوف بها لكن لو قدر أنه سلب ثيابه، والقافلة خارجون لا يمكنه أن يتخلف عنهم كان الواجب عليه فعل ما يقدر عليه من الطواف مع العري كما تطوف المستحاضة، ومن به سلس البول مع أن النهي عن الطواف عريانا أظهر وأشهر في الكتاب والسنة من طواف الحائض.
وهذا الذي ذكرته هو مقتضى الأصول المنصوصة العامة المتناولة لهذه الصورة لفظا ومعنى، ومقتضى الاعتبار والقياس على الأصول التي تشابهها، والمعارض لها إنما لم يجد للعلماء المتبوعين كلاما في هذه الحادثة المعينة كما لم يجد لهم كلاما فيما إذا لم يمكنه الطواف إلا عريانا، وذلك لأن الصور التي لم تقع في أزمنتهم لا يجب أن تخطر بقلوبهم؛ ليجب أن يتكلموا فيها. ووقوع هذا وهذا في أزمنتهم إما معدوم وإما نادر جدا، وكلامهم في هذا الباب مطلق عام وذلك يفيد العموم لو لم تختص الصورة المعينة بمعان توجب الفرق والاختصاص
وهذه الصورة قد لا يستحضرها المتكلم باللفظ العام من الأئمة؛ لعدم وجودها في زمنهم والمقلدون لهم ذكروا ما وجدوه من كلامهم.
ولهذا أوجب مالك وغيره على مكاريها أن يحتبس لأجلها إذا كانت الطرقات آمنة ولا ضرر عليه في التخلف معها، وكانوا في زمن الصحابة، وغيرهم يحتبس الأمير لأجل الحيض والمتأخرون من أصحاب مالك أسقطوا عن المكاري الوداع وأسقط المبيت عن أهل السقاية والرعاية لعجزهم.
وعجزهم يوجب الاحتباس معها في هذه الأزمان، ولا ريب أن من قال: الطهارة واجبة في الطواف وليست شرطا؛ فإن يلزمه أن يقول: إن الطهارة في مثل هذه الصورة ليست واجبة لعدم القدرة عليها؛ فإنه يقول: إذا طاف محدثا وأبعد عن مكة لم يجب عليه العود للمشقة. فكيف يجب على هذه ما لا يمكنها إلا بمشقة أعظم من ذلك لكن هناك من يقول عليه دم، وهنا يتوجه أن لا يجب عليها دم لأن الواجب إذا تركه من غير تفريط؛ فلا دم عليه بخلاف ما إذا تركه ناسيا أو جاهلا، وقد يقال عليها دم؛ لندور هذه الصورة، ونظير ذلك: أن يمنعه عدو عن رمي الجمرة؛ فلا يقدر على ذلك حتى يعود إلى مكة أو يمنعه العدو عن الوقوف بعرفة إلى الليل أو يمنعه العدو عن طواف الوداع بحيث لا يمكنه المقام حتى يودع.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسقط عن الحائض طواف الوداع، ومن قال: إن الطهارة فرض في الطواف وشرط فيه؛ فليس كونها شرطًا فيه أعظم
من كونها شرطًا في الصلاة. ومعلوم أن شروط الصلاة تسقط بالعجز فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى.
هذا هو الذي توجه عندي في هذه المسألة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علما وعملا؛ لما تجشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلاما لغيري؛ فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به؛ فإن يكن ما قلته صوابا؛ فهو حكم الله ورسوله والحمد لله. وإن يكن ما قلته خطأ؛ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان من الخطأ، وإن كان المخطئ معفوا عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم. والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما. انتهى كلامه رحمه الله مع اختصار يسير.
ولابن القيم رحمه الله بحثٌ يقرر فيه ما قرره شيخه رحمه الله، مع زيادة بيان في كتابه المفيد «أعلام الموقعين» (3/ 20 - ).
قال أبو عبد الله غفر الله له: في هذه الأزمنة تيسرت الناقلات الحديثة، مع إمكان تغيير مواعيد النقل، والرحلات؛ فلم يبق في ذلك ضرر على المرأة؛ لإمكان أن يتخلف عليها محرمها فحسب، وعليه فالواجب على محرمها أن يتخلف معها حتى تطهر؛ إلا أن يعجزا عن ذلك؛ كأن تكون نفساء، ويطول عليهما، ولا قدرة لهما على البقاء؛ ففي هذه الحال لا بأس عليها إن شاء الله أن تطوف على حالها، وبالله التوفيق.