الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما استدلالهم بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خذوا عني مناسككم» ، فقد تقدم أنَّ هذا الحديث لا يفيد وجوب جميع أفعال الحج، بل يدل على الأخذ بما فعله رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وقد يكون واجبًا، أو ركنًا، أو مُستحبًّا بأدلة أخرى، والله أعلم.
قال السندي رحمه الله كما في «شرح النسائي» (26/ 39) للأثيوبي: وهذا لا يدل على وجوب المناسك، وإنما يدل على وجوب الأخذ والتعلم، فمن استدل به على وجوب شيء من المناسك؛ فدليله في محل النظر، فليتأمل. انتهى.
قال الأثيوبي: ما قاله السندي -رحمه الله تعالى- حسنٌ جدًّا، وحاصله أن مجرد فعله صلى الله عليه وسلم لشيء من المناسك لا يدل على وجوبه، بل لابد من دليل آخر يضم إلى الفعل، مثل الأمر، والله تعالى أعلم. اهـ.
(1)
مسألة [151]: شروط وجوب الدم على المتمتع
.
الشرط الأول: أن تكون العمرة في أشهر الحج.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (5/ 352 - ): وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عُمْرَةً، وَحَلَّ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، إلَّا قَوْلَيْنِ شَاذَّينِ، أَحَدُهُمَا عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا اعْتَمَرْت فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَمْت حَتَّى الْحَجِّ، فَأَنْتَ مُتَمَتِّعٌ. وَالثَّانِي عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ النَّحْرِ، فَهِيَ مُتْعَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. اهـ
(1)
وانظر: «المغني» (5/ 350 - 351، 358)، «المحلى» (7/ 167 - 170)، «المجموع» (7/ 183)(7/ 190 - 191).
قلتُ: والصواب قول الجمهور؛ لأنَّ المعلوم في إطلاق الصحابة، بل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنهم أطلقوا (التمتع) على من اعتمر في أشهر الحج، ثم حجَّ من عامه ذلك، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«دخلت العمرةُ في الحجِّ إلى يومِ القيامةِ»
الشرط الثاني: أن يحج من عامه ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (5/ 354): لا نعلم فيه خلافًا؛ إلا قولًا شاذًّا عن الحسن فيمن اعتمر في أشهر الحج، فهو متمتعٌ، حجَّ أم لم يحج. اهـ
قلتُ: والصواب قول الجمهور؛ لما تقدم من أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه أطلقوا (التمتع) على من اعتمر في أشهر الحج، ثم حج من نفس العام.
الشرط الثالث: أن لا يسافر بين العمرة والحج سفرًا بعيدًا تقصر به الصلاة، بل يقيم بمكة بعد إحلاله من العمرة حتى يحج.
• اشترط ذلك أحمد، وإسحاق، وهو قول سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ورُوي عن عطاء، وجاء عن عمر بن الخطاب، ولم يصح؛ لأنَّ في إسناده: عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيفٌ، وثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال الشافعي: إن رجع إلى الميقات؛ فلا دم عليه. وقال أصحاب الرأي: إن رجع إلى مصره؛ بطلت متعته وإلا فلا. وقال مالك: إن رجع إلى مصره، أو أبعد؛ بطلت متعته، وإلا فلا.
• وذهب الحسن، وسعيد بن المسيب في رواية إلى أنه يعتبر متمتعًا، وإن رجع إلى بلده، واختاره ابن المنذر، وابن حزم، ورواه يزيد الفقير عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما في مصنف ابن أبي شيبة، ولكنه من طريق عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو متروك، وهذا القول هو الصواب؛ لأنَّ الله أطلق ذلك بقوله:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} ، ولم يشترط عدم السفر بينهما، ولم ينه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الصحابة عن السفر بعد أن أحلوا من العمرة.
فالصحيح عدم اشتراط هذا الشرط المذكور، والأفضل والسنة هو عدم الفصل بين العمرة والحج بسفرٍ كما فعل الصحابة في حجة الوداع، والله أعلم.
(1)
الشرط الرابع: أن يحل من إحرامه بالعمرة قبل إحرامه بالحج؛ فإن أدخل الحج على العمرة لم يلزمه دمُ التمتع؛ لأنه أصبح قارنًا.
(2)
ويدل على هذا الشرط حديث عائشة رضي الله عنها أنها حاضت، فأمرها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تدخل الحج على العمرة، قالت: ولم يكن في ذلك هدي، ولا صوم، ولا صدقة. متفق عليه.
(3)
الشرط الخامس: أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (5/ 355): لاخلاف بين أهل العلم في أنَّ
(1)
وانظر: «المغني» (5/ 354)، «ابن أبي شيبة» (4/ 230 - 231)(باب 47) من كتاب المناسك، «المحلى» (7/ 158 - )، «تفسير القرطبي» (2/ 396).
(2)
وانظر: «المغني» (5/ 355).
(3)
تقدم تخريجه قريبًا.