الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
719 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِق، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: بيان بعض ما يتعلق بالخمس الفواسق
.
قوله: «وَالغُرَابُ» ، قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (1829): زَادَ فِي رِوَايَة سَعِيد ابْن الْمُسَيَّب عَنْ عَائِشَة عِنْد مُسْلِم «الْأَبْقَع» ، وَهُوَ الَّذِي فِي ظَهْره أَوْ بَطْنه بَيَاض، وَأَخَذَ بِهَذَا الْقَيْد بَعْض أَصْحَاب الْحَدِيث كَمَا حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره، ثُمَّ وَجَدْت اِبْن خُزَيْمَةَ قَدْ صَرَّحَ بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ قَضِيَّة حَمْل الْمُطْلَق عَلَى الْمُقَيَّد، وَأَجَابَ اِبْن بَطَّال بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة لَا تَصِحّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَة قَتَادَةَ عَنْ سَعِيد، وَهُوَ مُدَلِّس، وَقَدْ شَذَّ بِذَلِكَ، وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: لَا تَثْبُت هَذِهِ الزِّيَادَة.
وَقَالَ اِبْن قُدَامَةَ: الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة أَصَحّ. وَفِي جَمِيع هَذَا التَّعْلِيل نَظَر، أَمَّا دَعْوَى التَّدْلِيس فَمَرْدُودَة بِأَنَّ شُعْبَة لَا يَرْوِي عَنْ شُيُوخه الْمُدَلِّسِينَ إِلَّا مَا هُوَ مَسْمُوع لَهُمْ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَة شُعْبَة، بَلْ صَرَّحَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَته مِنْ طَرِيق النَّضْر ابْن شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَة بِسَمَاعِ قَتَادَةَ. وَأَمَّا نَفْي الثُّبُوت فَمَرْدُود بِإِخْرَاجِ مُسْلِم. وَأَمَّا التَّرْجِيح فَلَيْسَ مِنْ شَرْط قَبُول الزِّيَادَة، بَلْ الزِّيَادَة مَقْبُولَة مِنْ الثِّقَة الْحَافِظ، وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا. اهـ
(1)
أخرجه البخاري (1829)، ومسلم (1198).
قلتُ: وأكثر أهل العلم على أنه يجوز للمحرم قتل الغراب بدون تقييد بالأبقع، والعمل بالزيادة أحوط، وأسلم، والله أعلم.
قال الحافظ رحمه الله: وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى إِخْرَاج الْغُرَاب الصَّغِير الَّذِي يَأْكُل الْحَبّ مِنْ ذَلِكَ، وَيُقَال لَهُ: غُرَاب الزَّرْع. وَيُقَال لَهُ: الزَّاغ. وَأَفْتَوْا بِجَوَازِ أَكْله. اهـ
قوله: «العَقْرَبُ» ، جاءت في بعض الروايات ذكر (الحية) بدلها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وَالَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَبَّهَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى عِنْد الِاقْتِصَار، وَبَيَّنَ حُكْمهمَا مَعًا حَيْثُ جَمَعَ. قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: لَا نَعْلَمهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي جَوَاز قَتْل الْعَقْرَب. وَقَالَ نَافِع لَمَّا قِيلَ لَهُ: فَالْحَيَّة؟ قَالَ: لَا يُخْتَلَف فِيهَا. وَفِي رِوَايَة: وَمَنْ يَشُكّ فِيهَا؟ وَتَعَقَّبَهُ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِمَا أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة مِنْ طَرِيق شُعْبَة أَنَّهُ سَأَلَ الْحَكَم وَحَمَّادًا؟ فَقَالَا: لَا يَقْتُل الْمُحْرِم الْحَيَّة وَلَا الْعَقْرَب. قَالَ: وَمِنْ حُجَّتهمَا أَنَّهُمَا مِنْ هَوَامّ الْأَرْض؛ فَيَلْزَم مَنْ أَبَاحَ قَتْلهمَا مِثْل ذَلِكَ فِي سَائِر الْهَوَامّ، وَهَذَا اِعْتِلَال لَا مَعْنَى لَهُ، نَعَمْ عِنْد الْمَالِكِيَّة خِلَاف فِي قَتْل صَغِير الْحَيَّة وَالْعَقْرَب الَّتِي لَا تَتَمَكَّن مِنْ الْأَذَى. اهـ
قوله: «وَالحِدَأَةُ» ، بكسر أوله، وفتح ثانيه بعدها همزة.
قال الحافظ رحمه الله: ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال: إنها لا تخطف إلا من جهة اليمين. اهـ
وعامَّةُ أهل العلم على جواز قتلها كما في «المغني» (5/ 175)، و «المجموع»
(7/ 333)، ولم ينقلا في المسألة خلافًا.
قوله: «وَالْفَأْرَةُ» .
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (1829): وَلَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء فِي جَوَاز قَتْلهَا لِلْمُحْرِمِ؛ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهَا جَزَاء إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِم أَخْرَجَهُ اِبْن الْمُنْذِر، وَقَالَ: هَذَا خِلَاف السُّنَّة، وَخِلَاف قَوْل جَمِيع أَهْل الْعِلْم. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ
(1)
بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ حَمَّاد ابْن زَيْد قَالَ لَمَّا ذَكَرُوا لَهُ هَذَا الْقَوْل: مَا كَانَ بِالْكُوفَةِ أَفْحَش رَدًّا لِلْآثَارِ مِنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ؛ لِقِلَّةِ مَا سَمِعَ مِنْهَا، وَلَا أَحْسَن اِتِّبَاعًا لَهَا مِنْ الشَّعْبِيّ؛ لِكَثْرَةِ مَا سَمِعَ. اهـ
قوله: «والكلب العقور» .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (1829): وَقَالَ زُفَر: الْمُرَاد بِالْكَلْبِ الْعَقُور هُنَا الذِّئْب خَاصَّة. وَقَالَ مَالِك فِي «المُوَطَّأ» : كُلّ مَا عَقَرَ النَّاس وَعَدَا عَلَيْهِمْ وَأَخَافهُمْ مِثْل الْأَسَد، وَالنَّمِر، وَالْفَهْد، وَالذِّئْب هُوَ الْعَقُور. وَكَذَا نَقَلَ أَبُو عُبَيْد عَنْ سُفْيَان، وَهُوَ قَوْل الْجمْهُور. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: الْمُرَاد بِالْكَلْبِ هُنَا الْكَلْب خَاصَّة، وَلَا يَلْتَحِق بِهِ فِي هَذَا الْحُكْم سِوَى الذِّئْب. وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْد لِلْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابك» ، فَقَتَلَهُ الْأَسَد، وَهُوَ حَدِيث حَسَن أَخْرَجَهُ الْحَاكِم مِنْ طَرِيق أَبِي نَوْفَل بْن أَبِي عَقْرَب عَنْ أَبِيهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة:4]، فَاشْتَقَّهَا مِنْ اِسْم الْكَلْب؛ فَلِهَذَا قِيلَ لِكُلِّ جَارِح عَقُور. اهـ
(1)
انظر: «السنن الكبرى» للبيهقي (5/ 212).